تحقيقات وتقارير

الرئيس الألماني.. يوم إستثنائي في الخرطوم

كثيرون باتوا على قناعة راسخة بأن “أوروبا ” وبعد الحرب العالمية الثانية ما هي إلا مجرد “ضمير للعالم”. وإن بدا الأمر واقعيا بعض الشيء الا أن ألمانيا تعد “استثناء”، فـ”البلد الذي تديره عربة المرسيدس ” ظل ولسنوات يقاتل من أجل أن يكون قطبا موازيا بعد أن وحد “شطريه” ليعيد ترتيب المنظومة العالمية القائمة على الثنائية ويجد من يصطف خلفه ولو من بلدان إفريقيا . لذلك جاءت زيارة الرئيس الفيدرالي فرانك فالتر شتاينماير للسودان ضمن جولة لبلدان شرق إفريقيا، الرجل الذي قدم تضامنا وامتدح ثورة ديسمبر المجيدة لم يكن الأول من بلده يحط رحاله إذ سبقه وزير خارجيته وبعده مسئول آخر رفيع، إذن برلين تراهن على بلد، بدأ لتوه بنفض غبار ثلاثين عاما من “فوقه ومن تحته“.

 

تحية علم وسيارات

الرئيس فرانك “كسر البروتوكول” مرتين أحدها أثناء تفقد كركون الشرف لينحني لأداء تحية العلم السوداني والأخرى اثناء مرور موكبه بشارع النيل حيث اصطف أصحاب سيارات “البييتل” إذ أنه أوقف الموكب وترجل ليلتقط صورا معهم.

ربما بدأت مطالب السودان واحتياجاته هي الأكثر وضوحا للعالم الآن مقارنة مع كونه بلدا يسعى لتقديم نموذج بعد نجاح ثورة سلمية وليست “انقلابا”، لذلك تبدو إجابة السؤال عن (ماذا تريد برلين من السودان)؟ وليس العكس هي الطريق نحو جني ثمار هذه العلاقة وهي الإجابات التي بدأ الكل يبحث عنها خلال مؤتمر صحفي مشترك بين رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك والرئيس الألماني “فرانك” . أيضا يلاحظ من أسئلة الصحافيين الألمان الذين رافقوا “فرانك” المخاوف من “هشاشة الوضع ” والتي ربما تغري “العسكر” للانقضاض على السلطة عبر “الانقلابات” فضلا عن اسئلتهم حول “هيكلة الجيش” .

جدوى الزيارة

بدا فرانك واضحا في التعليق على جدوى زيارته التي تأتي بعد انقطاع زيارة الرؤساء الألمان والتي قال إن آخرها كان في العام 1985 أي خلال الديمقراطية الثالثة، ولفت خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع حمدوك أمس الخميس بمقر مجلس الوزراء أنه أتى ليقدم الدعم للسودان وللسودانيين الذين تمكنوا من إنجاز ثورة سلمية وتخلصوا من نظام ظالم وأضاف بأن زيارته تأتي لبلد لديهم معه علاقات تاريخية متينة قائمة على الثقة لكنها توقفت وأضاف أن “مواطنيه” يهتمون الآن بما يجري في السودان لذلك نحن ندعم هذا التغيير كذلك نتابع ما جرى خلال الثالث من يونيو.

تحديات هائلة

فرانك نبه إلى ما وصفها بالتحديات الهائلة أمام السودان الآن ـ ودعا الجميع لمواجهتها وعلى رأسها المصالحات داخل المجتمع السوداني وبدا الرجل “سخيا ” في إعلان مدى المساندة والدعم الذي يقدمه المجتمع الألماني للسودان ما بعد ثورة ديسمبر. ومضى بقوله إنهم سوف يدعمون السودان ليتخذ “خطواته التالية. “وزاد “نريد أن ندعم هذا الاتفاق الجديد هنا “. وأشار إلى أن هذه المهمة ليست سهلة، إلا أنه” نصح بعدم وعد الشعب السوداني بأن هنالك حلولا سهلة”.

الرئيس الألماني أشار لجهود ألمانيا في دعم بعثة اليونميد ونبه إلى أن هذا الجهد كان حاضرا في لقاءات الرجل مع حمدوك ـــ برهان وقال إنه تطرق إلى الدور الذي تضطلع به بلاده من مشاركة الجيش والشرطة الألمانية ضمن بعثة “اليوناميد” في دارفور والتي وصفها بأنها لعبت دورا في الاستقرار، وقال إن المجتمع الدولي يستعد لفترة” ما بعد اليوناميد” وهذا من خلال دور، للأمم المتحدة الذي يتحدث عنه العالم الآن. فرانك نوه إلى أنه ناقش في لقائه مع حمدوك ـــ برهان موضوع السلام. وأعلن عن استعداد بلاده بالعمل مع مجموعة أصدقاء السودان لإزالة العوائق أمام التعاون مع المؤسسات “المالية الدولية “ورفع اسم السودان من القوائم التي تمنع تعامل الشركات الألمانية معه .

آخرون اتفقوا     

الرئيس الألماني أشار إلى أن زيارته لم تشهد التوقيع على أي اتفاقات أو تفاهمات وربما كان هذا مرده إلى زيارات قام بها مسئولون تنفيذيون من ألمانيا شهدت التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين الخرطوم وبرلين وهي عديدة حيث تم الاتفاق على أن تقدم برلين دعما فنيا يقدربـ”80” مليون يورو لدعم التدريب المهني وتوفير آفاق وفرص عمل للشباب، معتبرا هذا الدعم خطوة أولى وأن هناك جهودا يبذلها وزير الخارجية الألماني لدعم السلام في السودان والتعاون في مجالات التعليم والحوكمة والنظر في توفير الدعم وتقديم المساعدات لتوفير الفرص للحكومة الانتقالية لأداء مهامها. فرانك نوه إلى إمكانية استئناف الشركات الألمانية أنشطتها الاستثمارية في السودان. وقال إنه يجب أن “نتصرف بسرعة “لضمان وصول السودان لمؤسسات التمويل الدولية، ويجب أن نفتح الطريق أمام القروض، مبينا أنه لا يوجد طريق آخر بخلاف إشراك مؤسسات التمويل الدولية وحصول السودان على قروض.

إشارة للآخرين

فرانك اعتبر أن زيارته للخرطوم مثال للقادة الأوربيين للنظر إلى ما يحدث من تغييرات في السودان ودعم جهود السودانيين في هذا التحول لأهميته للمنطقة.

وأضاف أن الزيارة إشارة واضحة للآخرين الذين لم يهتموا بالسودان ليأتوا إليه ويوفروا له الدعم .وبدا أن فرانك أراد ألا يميل نحو مخاوف الغرب من الشراكة مع “العسكر” حيث أشار إلى احترامه وتقديره للقائمين على أمر إدارة البلاد في الجهاز التنفيذي و”مجلس السيادة “في ظل الظروف الاقتصادية المعقدة. ولفت إلى ما وصفه بــ”الانطباع المغلوط “عن السودان لدى البعض من المجتمع الدولي مما أدى إلى عدم مشاركته “بشكل كاف “في دعم التغيير في السودان.

فرانك دعا المجتمع الدولي لتمكين السودان من الوصول لمؤسسات التمويل الدولية. وقال إن المسؤولين القائمين على أمر إدارة البلاد حاليا ليسوا مسؤولين عن مشاكل النظام السابق ويجب التغلب على ذلك، وألا “يحمل الشعب السوداني وحكومته “هذه المشاكل.

وأضاف أن هناك فرصة تاريخية للسودان. وزاد “نحن مهتمون بإنجاح هذه الفرصة لحياة ورخاء أفضل للسودان”

البحث عن شركاء

ربما كان الجميع يتوقع استنادا للوضع الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد أن يكون طابع الزيارة الاعلان عن حزمة دعومات مالية كما يفعل آخرون مع السودان لكن هذا ما لم يكن ضمن “أجندة” رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك الذي قال إن بلاده “غنية ” ولا تحتاج “الهبات” وإنما شركاء وشركات تأتي للعمل في السودان تدفع ما عليها من استحقاقات وتنال فوائدها كما أنه يمكن انتشال الاقتصاد السوداني من “عنق الزجاجة” عبر الاستفادة من القطاع الزراعي الذي لم يسخر منذ الاستقلال بالصورة المطلوبة، وأمن حمدوك على أن الزيارة لم تشهد توقيع أي اتفاق “لأننا اتفقنا مع المسئولين الألمان الذين زاروا السودان مؤخرا على العمل في مجالات الطاقة والكهرباء والتدريب المهني وبعض المجالات الأخرى فضلا عن بعض المشروعات الكبرى والتي كانت محل نقاش بين البلدين”.

النجاح فقط

وأزال حمدوك مخاوف تتنامى لدى الغرب من أن يشكل شركاء المكون العسكري تهديدا للفترة الانتقالية، وأشار إلى أن هيكلة الجيش أمر مهم حيث تتم مناقشتها ضمن مفاوضات السلام الآن مع الحركات المسلحة الآن في جوبا. وحول مدى هشاشة الوضع الآن حيث لا تزال تشهد البلاد وقفات احتجاجية قال إنهم مع حرية التعبير السلمي الذي كفلته الوثيقة الدستورية لكنه نبه لضرورة أن يكون سلميا وألا يعيق العمل وأن يقدم ما يفيد. وأشار إلى أن الثورة السودانية محروسة بالثوار والكنداكات. وقال إنهم أمام خيارين فقط الآن وهما “إما ننجح و نعبر أو ننجح ونعبر”.

الخرطوم: سوسن محجوب

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى