تحقيقات وتقارير

وعود وحوافز.. البرهان إلى واشنطن قراءة استباقية

اكتملت إجراءات سفر رئيس مجلس السيادة السوداني إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من البيت الأبيض، وينتظر خلال الزيارة التئام اجتماع ما بين البرهان وترامب بحسب تقارير إخبارية محلية بعد دعوة رسمية من واشنطن عبر وزير الخارجية الأمريكية مايك بامبيو مطلع فبراير، فضلاً عن تعزيز عملية التطبيع الكامل مع واشنطن برفع السودان، من لائحة الدول الراعية للإرهاب وبقية العقوبات الأخرى.

 

لقاء نتيناهو

بعيداً عن جدل الاختصاصات ووفقاً للوثيقة الدستورية مثل لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نقطة تحول كبيرة في علاقة رئيس المجلس السيادي بالولايات المتحدة، حيث لعب بامبيو دوراً كبيراً في انعقاد اللقاء ومباركته باتصال هاتفي بالبرهان، وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فإن “طاقم نتنياهو يستغل علاقته الجيدة مع الإدارة الأمريكية، ومع وزير الخارجية مايك بومبيو على وجه الخصوص، لتحقيق غاية التطبيع مع دول عربية”.

وكشفت أن “بومبيو عمل بحماس وراء الكواليس ليس فقط لتمهيد الطريق للقاء بين نتنياهو والبرهان (في أوغندا الأسبوع الماضي)، ولكن أيضاً لإقناع الزعيم السوداني بالموافقة على الظهور في تصوير مشترك”.

ولفتت إلى أن البرهان رفض ذلك إلا أنه وافق على السماح لنتنياهو بنشر خبر عن الاجتماع، الذي كان في البداية سرياً، تحت ضغط من الوزير الأمريكي.

تلقى البرهان بعد اللقاء اتصالاً من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أشاد بنتائج الاجتماع، وهو ما أثار تساؤلات حول التزام واشنطن بمدنية الحكم والتحول الديمقراطي في السودان، لا سيما وأن الموقف الأمريكي ظل حريصاً على التأكيد على سيطرة المدنيين على القرار أثناء الفترة الانتقالية وحرصه على انتهائها في مواعيدها بانتخابات تعددية نزيهة.

وسعت واشنطن خلال الشهور الماضية على التأكيد في ضمان استمرار الانتقال إلى الديمقراطية وتقليص التهديدات المحتملة الناجمة عن العودة إلى الحكم العسكري قبل رفع التصنيف، خاصة أن جميع مراكز القوى في الولايات المتحدة تميل بشكل إيجابي نحو إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب. إلا أنها تحتاج إلى تأكيدات بأنه بمجرد رفع العقوبات لن يعود الجيش إلى السلطة.

اتصال وزير الخارجية الأمريكية بالبرهان ومباركته للقاء أعطى تأييدا أكبر للمظاهر العسكرية في الحكم وهو أمر يدعو للقلق لاسيما وأن السودانيين ينظرون للموقف الغربي والإفريقي باعتباره داعما للتحول الديمقراطي، خاصة مع إشارات لحوافز أمريكية.

مصادر صحفية أمريكية رجحت أن يكون قرار رفع السودان من لائحة الإرهاب في انتظار الإعلان، بعد صدوره عبر سلطات استثنائية للرئيس ترامب بتوافق كامل مع كتلة الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي.

تحديات أكبر

عملية رفع السودان من لائحة الإرهاب معقدة يساء فهم طبيعتها وإجراءاتها على نطاق واسع فهي ليست مجرد قرار بل عملية إجرائية، فضلاً عن ذلك تبدو التوقعات المتصلة بها مبالغاً فيها.

تقضي عملية شطب القوائم بأن تقوم الحكومة الأمريكية بإجراء تقييم متعمق لمدة أشهر حول ما إذا كان السودان يواصل دعم الإرهاب وما إذا كان يتوافق مع المعايير الأخرى التي اتفق عليها الطرفان والتي تضمنت مؤخراً التوصل لتسوية مع ضحايا المدمرة الأمريكية كول. بمجرد الانتهاء من هذا التقييم وتحديد العزم على إزالة السودان من القائمة، أمام الكونغرس نافذة مدتها 45 يومًا لمنع هذه الخطوة. من المحتمل أن تستغرق العملية برمتها عدة أشهر.

أما فيما يتعلق بتأثير عقوبات لائحة الإرهاب فهي لا تحظر أو حتى تجرم الاستثمار الأجنبي، بل تفرض قيودًا محددة على المساعدات الخارجية للحكومة الأمريكية للسودان، وتحظر صادرات الدفاع ومبيعات الأسلحة، والمواد ذات الاستخدام المزدوج إلى السودان. تحظر القائمة أيضًا تصدير بعض السلع الزراعية والأجهزة الطبية إلى السودان، ولكن تم رفع هذا الحظر بالكامل تقريبًا من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في أكتوبر 2017م.

ومن المهم الإشارة إلى أن قائمة الإرهاب لا تقف عائقاً أمام تخفيف عبء الديون في السودان. في الواقع، فإن القائمة تمنع الولايات المتحدة من التصويت لصالح حزم تخفيف عبء الديون الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والقروض والتمويلات الأخرى متعددة الأطراف، لكنها لا تمنع أي بلد أو مجموعة من البلدان الأخرى من تقديم مساعدات أو تخفيف عبء الديون، كما أنه حتى إذا تم رفع تسمية الإرهاب، فإن سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشأن المتأخرات ستمنع الإقراض للسودان.

مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية تيبور ناجي أكد لـ(السوداني) أن وجود السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب لا يمنعه التعامل مع النظام المصرفي العالمي.

وقال ناجي إن مفاوضات واشنطن مع الخرطوم تتناول “ما هو أوسع من مجرد قائمة الإرهاب “.

ومع إظهاره التفاؤل حيال النتائج الإيجابية لتلك المشاورات الثنائية إلا أنه رفض تحديد فترة زمنية بشأن إنهاء وجود السودان على اللائحة السوداء بسبب ما أسماه تعقيد بعض الملفات.

وشدد ناجي على أن وجود السودان في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب لا يمنع تعامله مع النظام البنكي الدولي سيما وأن هذه العقوبات رفعت عام 2017م.

وأوضح أن مشكلة عدم تمكن الخرطوم من التعامل مع البنوك العالمية ذات صلة “بمتأخرات السودان للصناديق المالية وسمعته الدولية”.

في مقابل ذلك بدأت واشنطن الدخول الاقتصادي تدريجياً للسودان عبر الاتفاقية الموقعة في ديسمبر 2019 والتي تمنح مصارف سودانية الوصول إلى أنظمة أوراكل المصرفية وافتتحت مطاعم كنتاكي الشهيرة فروعاً بالخرطوم لأول مرة.

ضد الإحباط

حالة من الإحباط أصابت السودانيين عندما تم رفع العقوبات الأمريكية الشاملة على السودان في أكتوبر 2017، فعلى عكس المتوقع بدأ الاقتصاد في التدهور بوتيرة أكبر إلا أن ذلك – بحسب مراقبين – يرجع لسياسات النظام السابق التي تسببت في تعقيدات بيروقراطية وعدم فعالية في وضع أنظمة لمحاربة الفساد وغسل الأموال

لذلك من شبه المؤكد أن شطب الإرهاب لن يؤدي إلى تحسن اقتصادي فوري أيضًا ما لم يتم إجراء إصلاحات هيكلية وتشريعية حاسمة في القطاع المصرفي والبيئة الاستثمارية وإدارة المساعدات الاقتصادية.

في أوائل عام 2019م، كشف تحليل أجرته مجلة The Sentry حول نظام مكافحة غسل الأموال في السودان أن جهود الحكومة لمكافحة التمويل غير المشروع لم تكن كافية على الإطلاق، ولم يتغير الكثير منذ ذلك الحين، وبحسب المجلة ما تزال العديد من البنوك السودانية مملوكة للأغلبية من قبل الشركات التي تسيطر عليها قوات الأمن أو غيرها من الكيانات الحكومية والتي لا يزال يديرها أعضاء سابقون في الدائرة الداخلية للبشير وكبار أعضاء الجيش والأجهزة الأمنية، مما يُحدث تضاربا في المصالح وسيلا من سوء المعاملة داخل البنوك، وأضافت المجلة:”على الرغم من وجود إشارات واعدة على أن بنك السودان المركزي يعمل على معالجة أوجه القصور، فإن الرقابة المصرفية لا تزال ضعيفة، والبنك المركزي – على الرغم من إصدار توجيهات جديدة بشأن الرقابة المصرفية – لا يتمتع بسلطة كافية لحسم البنوك الفاسدة”.

على كل يمكن القول إن زيارة البرهان إلى واشنطن تحمل إشارات بتحول الموقف الأمريكي تجاه السودان وانتصاراً لرؤية إقليمية تغلب الاستقرار على عملية التحول الديمقراطي، وهو أمر من العسير تحقيقه منفرداً.

تقرير: محمد عبد العزيز

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى