تحقيقات وتقارير

الشائعة.. هل تصبح وسيلة الدولة لقياس الرأي العام؟

في القول المأثور (لا تُصدّق كل ما يُقال ولا تقُل كل ما تسمع) ولكن يبدو أننا كمجتمع سوداني نتفاعل مع ما يُنشر في “السوشيال ميديا” بإخلاص وليس أسهل من (النسخ واللصق) دون التحري من صحة ما ننسخ، بل أحياناً نقرأ رأس الموضوع فقط ثم (كوبي بيست) لكل جهات الاتصال في هواتفنا دون أن نلقي بالاً لما يترتّب على ذلك النشر من تأثيرات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو أمنية.. إلخ. السوق السوداني أيضا (أضانو خفيفة) ولا يعتمد على معايير اقتصادية تتعلق بالعرض والطلب أو مؤشرات السوق العالمي، بل يعتمد على الشائعات بشكل أساسي، فما أن تناقلت الوسائط خبر ارتفاع الدولار الجمركي حتى ارتفعت أسعار السوق بكامله حتى السلع (الفي الرف).

 

أما حديث وزير الصحة عن وجود حالات وبائية بالماشية، فقد تسبّبت في إعادة السعودية للشحنات التي وصلت موانئها لموانئ الخرطوم، وقد أثبتت الأيام عدم صحة الإشاعتين أعلاه، إلا أنها لم تستطع محو آثارهما . أما ارتفاع أسعار الخبز من جنيه لجنيهين حتى وإن كنت صحيحة جزئياً إلا أن نفي الجهات الرسمية لها أوقفها عند محطة الإشاعة.

 

الإشاعة أحياناً تطلقها الدولة عبر بعض أجهزتها لجس نبض الشارع حول إجراء غالبًا يكون اقتصادياً تنوي فعله، ولكن تخشى عواقبه، ومن ثم تعتبر ردود الأفعال حول تلك إشاعة مؤشرًا للدولة للمضي في الإجراء أو النكوص عنه.

 

ولكن هذا الإجراء يعتبره الخبير الأمني والاستراتيجي حسن دنقس قصر نظر من الحكومة في إطلاق إشاعات مثل هذه، وهنالك وسائل علمية وممنهجة لقياس الرأي العام في قضية معينة، ولكن أن تكون الحكومة بهذا المستوى الضحل الذي يهدد الأمن القومي.

ويحدث شرخاً مجتمعياً كبيراً فهذا يعتبره دنقس ضحالة فكر.

 

كورونا

الصين كدولة مصدرة تعتبر من أكبر الدول المصدرة للسودان ويعتمد عليها في كثير من المواد المصنعة ومدخلات الإنتاج، الحظر الذي تم في الصين وتخوُّف المتعامِلين من الذهاب للصين وإغلاق كثير من المطارات فيها حدّ من التجارة بينها وبين الدول الأخرى ومن بينها السودان.

هذا القرار حسب الخبير الاقتصادي دكتور هيثم محمد، وخبر انتشار الوباء جعل التجار الموردين من الصين يوقفون كثيراً من طلبياتهم منها لحين انجلاء الأمر، هذا التوقف أثر على الطلب على الدولار، ويردف محدثي (أقصد الذي انخفض 25,500 للريال وللمغتربين الذين يحولون للسودان على سعر الدولار الموجود في السعودية).

 

تعارُض المصالح

بالنسبة للشائعات ذات الدوافع العامة، غالباً ما تكون شائعات موجهة من قبل جهات حكومية أو أحزاب معارضة أو مؤسسات مجتمع مدني أو شركات تجارية على مختلف أنشطتها، سواء أكانت داخلية أو خارجية، وأيضاً الحكومات والدول الأجنبية، وفقاً لدكتور هيثم الذي قال إن الشائعة تُزرع في المجتمع، وتُترَك لتعمل بالقوة الداخلية الموجودة فيها, أي أن المجتمع يعمل علي ترويجها وتصديقها كالشائعات التي تنشر عن الحالة الاقتصادية وتزداد انتشاراً في حالة تعارُض المصالح، وعادة ما يمكن ملاحظة هذا النوع من الشائعات لأغراضها السلبية، ومن ثم فالشائعة سم قاتل داخل جسد الاقتصاد الوطني، وتؤدي إلى موته إذا لم يتم التصدي لها ومواجهتها وإطلاع المواطنين على المعلومات الدقيقة حول الوضع الاقتصادي.

 

غياب المعلومة والمحاسبة

الإشاعة دائماً تبحث عن بيئة خصبة جداً، وتتناسل في حالة عدم وجود استقرار في شتى مناحي الحكم، وعدم تواصل المسئولين مع وسائل الإعلام وتمليكها المعلومة الحقيقية في الوقت المناسب، بل ينتظرون حتى وقوع الحدث، ثم يصرحون بعد ذلك، لكن لابد إن تواترت أنباء عن إشاعة ما فلابد أن يظهر المسئولون في وسائل الإعلام ويملكون المعلومات الحقيقية لها مباشرة بالنفي أو تأكيد الأنباء بوسئل محاربة الإشاعة.

 

هذا ما يعتقده الخبير الأمني والإستراتيجي حسن دنقس، الذي يؤكد أن هنالك جهات مستفيدة أو هي التي تصنع الإشاعة، لأن هنالك فراغاً عريضاً جداً ولا توجد مساءلات قانونية، وهذا من الأشياء التي يجعلها تتمادى في صنع الإشاعة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، وأي إشاعة يقف وراءها أشخاص أو جهات ما، وهي المستفيدة من هذا الأمر، وأحياناً الإشاعة لديها بُعد نفسي أو شرخ نفسي يؤدي لإطلاقها، في السودان الإشاعات مُرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتغيّر النظم السياسية وعدم الاستقرار السياسي الموجود، وهذا يؤدي لفراغ كبير في كيفية التعامل مع الجهاز السيادي، وفي أغلب الدول ذات الهشاشة الأمنية تكون فيها إشاعات كثيرة مُغرضة لأن سيادة حكم القانون في المكان المعين هو الذي يُحاكم مطلق الإشاعة لأنه يجد أمامه نماذج في جهاز المحاسبة، لأنه في الفترة القريبة الماضية انتشرت، ولكن لا نجد أن مطلق الإشاعة تعرض لاستجوابات أو وُوجِه بقضايا ومحاكم وهذا يؤدي لتمادي كثير من الإشاعات.

 

خلل كبير

من ناحية اقتصادية، نجد أن كثيراً من الشائعات لها تأثير اقتصادي كبير جداً، وهذا يدل أن هنالك جهة ما مستفيدة من الإشاعات بسبب التراخي الكبير جدًا في حسم هذه الشائعات. والأجدر أن الحكومة تعمل على سن وتفعيل القوانين التي تحارب الشائعات المغرضة وهي تضر بالأمن القومي، لأن الشائعات إحدى مهددات الأمن القومي وسيادة الدولة، وتدل على أن القانون غير مُفعّل.

 

وما حدث بالأمس بخصوص الخبز أمر خطير حتى وإن كانت إشاعة، لأن ظهور جسم من اتحاد معين، ويطلق زيادات في سلعة ما، فهذا خلل كبير، وما هي آلية التنسيق في مثل هذه القضايا؟ فهذه تحتاج لمراجعات من الجهات المختصة في حسم هذه الأشياء أو كما قال دنقس.

 

مشاورات

بالنسبة للخبز فما زال يباع (بأسعار) أقل من دول الجوار على الرغم من ارتفاع تكاليف صناعته، وفقاً لدكتور هيثم الذي يعزو تأثر اقتصاد السودان لعدم الاستقرار الاقتصادي خصوصاً في ظل تراجع المنح الدولية مع زيادة أعداد اللاجئين والأجانب الذين يتمتعون بنفس السعر المخصص للمواطن، وبالتالي يرى دكتور هيثم ضرورة مشاورات بين أصحاب المخابز والسلطات الحكومية حول التعرفة الجديدة للدقيق والخبز، والعمل على حل المشاكل التي تواجه إنتاج وتوزيع الخبز ليس في الخرطوم ولكن في جميع ولايات السودان، خاصة مع ارتفاع أسعار مدخلات صناعة الخبز وزيادة تعرفة الكهرباء وأسعار الغاز وأجور ومستحقات العمالة، فكافة مدخلات الإنتاج عالية التكلفة.

 

الدقيق عموماً مدعوم، ولكن مدخلات الإنتاج يقع عبئها على صاحب المخبز.

وزيادة سعر قطعة الخبز تلقي المزيد من العبء على المواطن خاصة في ظل ارتفاع التضخم وانخفاض دخل الأسرة السودانية، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، وبالتالي يؤكد محدثي أن الحكومة ليس أمامها خيار غير الدعم إلى أن يستقر الوضع الاقتصادي، والوصول لحل يرضي كافة الأطراف، حيث الحديث كان دائماً عن الدعم أي (المواطن والحكومة)، الآن هناك طرف كان لا يوضع في الاعتبار، وهم (أصحاب المخابز).

 

تخبُّط كبير

المحلل السياسي دكتور عبد اللطيف محمد سعيد، عزا انتشار الشائعات لبطء الإجراءات الحكومية، فالحكومة ليس لديها إجراءات سريعة، وهذا يعطي فرصة لتحرك الناس وإثارة الشائعات، إضافة لأهمية هيبة السلطة، فعندما تظهر إشاعة على الحكومة أن تتحرك وتحسمها بدلاً من التفرّج وتوجيه الناس بالتبليغ إذا وجدوا زيادة في أسعار الخبز مثلاً، فالمواطن ليس لديه وقت أساساً ليبلغ، وإذا وجد خبز يفرح حتى وإن كانت هنالك زيادة 10 جنيهات.

 

ويفترض عبد اللطيف أن تكون للحكومة إدارة أزمات تتوقع الأزمة قبل وقوعها ليكون لديها حلول، ولكن حتى الآن لا توجد حلول.

 

ويمضي محدثي: (هنالك تخبّط كبير في الاقتصاد، على الدولة أن تتحرك “مش تقول بلغوا الدولار زايد” وليست هناك خطة لإيقافه عند سعر معين ولكن لا يمكن أن تقول الدولة إنها ستزيد الدولار الجمركي ! السياسة الاقتصادية تعاني من تخبّط شديد، مثلاً من يريد أن يستورد سيارة عليه أن يضع تأميناً في البنك ويصدق له، طيب المغتربون لديهم إعفاء، والناس كانوا يشترون من المغتربين، وهذا الأمر ما زال مستمراً، فكيف يفتحون نافذة جديدة عبر البنك، وهم لا يملكون بنزيناً أو بترولاً؟ في هذه الظروف يفترض حظر العربات نهائياً لكن ليس هنالك تخطيط).

 

تؤثر على العلاقات الدولية

للشائعات أيضاً تأثير سلبي على العلاقات بين الدول، فدولة تدعم الثورة مثلاً، وأخرى تُتَّهم بدعم المعارضة.

 

ويفترض دكتور عبد اللطيف محمد سعيد، أن الحديث يخرج من ناطق رسمي واحد، وليس كل شخص يخرج بتصريح بدون رقابة في الصحف أو القنوات أو الوسائط، ومجلس الوزراء يجب أن يتوافق على خطة وليس أي شخص يطلب منه الحديث لصحيفة أو قناة أو في السوشيال ميديا، وإذا الدولة كاشفت الجماهير لن تكون هنالك مشكلة، ولكن هذا لا يحدث. ولكن الدولة لا تكاشف، وحتى إذا كاشفت يكون هنالك تضارب في الأقوال، وهذا أمر خطير، ولابد من توحيد الخطاب للجمهور.

 

من المحرر

كمواطنين صالحين، لابد أن نهتم بالمصدر، فالخبرالذي نتداوله عبر الوسائط لابد أن يكون موثقاً ويُعتَد به، ولكن الكثير من المواطنين لا يهتمون بذلك، وبالتالي هذا يحتاج من جهات عقد ورش ومنتديات للتنوير بكيفية التعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي والتثبت من هذه الأخبار، وهذا يحتاج جهداً كبيراً من منظمات المجتمع المدني والدولة نفسها عليها تبصير المواطنين ورفع حسه الأمني بخطورة الشائعات، وهنالك نيابة جرائم المعلوماتية يقع عليها دور تبصير الناس بأن هنالك مواد لمكافحة جرائم المعلوماتية ومن تثبت عليه التهمة سيتعرض لعقوبات رادعة.

أجرته: هويدا حمزة

صحيفة الصيحة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى