تحقيقات وتقارير

العصابات المُتفلّتة ما بين الإنقاذ وثورة ديسمبر

شهدت ولاية الخرطوم مؤخراً عدداً من التفلتات الأمنية عند ختام هذا العام المنصرم، وفي فاتحة العام الجديد حيث اعتدت مجموعة كبيرة قدرت أعدادها بأكثر من مائتي شخص تحمل السواطير على مجموعة من الشباب والفتيات المحتفلين بأعياد الاستقلال والعام الجديد، وتصدت لها الشرطة بيد أنها لم تتمكن سوى اعتقال عدد محدود منها، كذلك قامت مجموعة متفلتة أخرى بمهاجمة العاملين في مستشفى أمبدة حيث أصابت أحد الأطباء، وقد أثارت هذه الاعتداءات واعتداء سابق على إحدى المدارس العديد من الأسئلة الحائرة سيما وهي لم تكن بدافع السرقة. بيد أن العصابات المتفلتة والتي بعضها أطلق عليها اسم النقرز لم تكن وليدة هذا العهد، فقد قامت بالعديد من الاعتداءات على مواطنين في عهد الإنقاذ لكنها كانت تقوم بنهب أموالهم أو هواتفهم ومعظمها وقع في أطراف أم درمان وبعض مناطق الخرطوم، كما أنها كانت محدودة وليست متتالية كما حدث في ثورة ديسمبر المجيدة، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات الحائرة حول الدوافع الحقيقية لهذه الاعتداءات وتزايد أعدادها بتلك الكثافة.

لكن دعونا نستعرض عددا من حوادث الاعتداءات التي حدثت في عهد الإنقاذ، ثم ندلف إلى بعض الحوادث التي حدثت في هذا العهد من قبل تلك المجموعات المتفلتة

القبض على أربعين فرداً من العصابات المتفلتة

في العام 2012 قال مدير دائرة الجنايات بشرطة الولاية الخرطوم اللواء محمد علي أحمد، أن اسم عصابات النيقرز هو مسمى غير صحيح، فهي جماعات متفلتة، تقوم بترويع المواطنين.

وأكد للمركز السوداني للخدمات الصحافية، أن الشرطة تبذل جهوداً كبيرة جداً للقضاء على هذه الجماعات، مشيراً إلى أن وجودها الآن بنسبة بسيطة جداً.

وأضاف أن الشرطة ألقت القبض على «40» مجموعة من الجماعات المتفلتة، خاصة في محلية جبل أولياء خلال الشهرين الماضيين، وهي تسعى للقضاء على هذه الجماعات بصورة نهائية.

كما اعتدت مجموعة متفلتة على عدد من المواطنين وأطلقت على مجموعتهم اسم «الإجرامي»

توجيه تهمة القتل لـ«نيقرز» اعتدوا على شاب بالسواطير

وأوردت صحيفة الإنتباهة في أبريل من العام 2012 أن محكمة جنايات كرري برئاسة مولانا إمام الدين جمعة وجهت تهمة الاعتداء والضرب من قبل خمسة متهمين تعدوا على شاب بالضرب بالسواطير في رأسه مما أدى إلى وفاته، حيث وجهت لهم المحكمة التهمه تحت المادة «21/130» من القانون الجنائي تتلخص حيثيات البلاغ في أن المجنى عليه كان يسير في الطريق بصحبة شقيقه وقابلته مجموعة من الشباب «عصابة نيقرز» وكان المجنى  عليه ينتمي إلى تلك المجموعة، إلا أنه انسحب وانضم إلى مجموعة أخرى فقامت تلك المجموعة بإخراج أسلحة بيضاء وسواطير وقاموا بضربه في رأسه مسببين له عدة جروح بالرأس وأجزاء متفرقة بجسدة بموجبها أدت إلى عدة كسور بالجمجمة وجروح بالجسم والنزيف الحاد مما أدى للوفاة.

صحفية تتعرض لمحاولة نهب من قبل «نيقرز» نهاراً

وجاء  في  صحيفة الصحافة في عهد الإنقاذ أن الزميلة الصحفية سلمى آدم، تعرضت لعملية نهب في وضح النهار من قبل خمسة من أفراد عصابات النيقرز أثناء صعودها أحد بصات الولاية بضاحية المنصورة جنوبي الخرطوم، وخطف أفراد العصابة حقيبتها، لكنها تمسكت بها حتى تمزقت أجزاء منها ولاذوا بالفرار إلى منطقة انقولا بمايو، ورفضت عناصر شرطة النجدة دائرة الأزهري اللحاق بهم بحجة أنهم ليسوا بدائرة اختصاصهم.

وكانت سلمى في طريقها من منزلهم بحي المنصورة جنوب الخرطوم إلى مقر الصحيفة حينما تعرضت لتهجم من قبل 5 أشخاص عند نهاية شارع إفريقيا بموقف بصات الوالي، وحاول اثنان من المجموعة خطف حقيبتها التي تحتوى على جهاز لابتوب وهاتف محمول ومبلغ من المال وذلك أثناء صعودها إلى البص، لكنها تشبثت بالحقيبة حتى تمزقت أجزاء منها ولاذ النيقرز بالفرار، وسارعت سلمى بالاتصال بالنجدة ووصفت لهم المكان ولم تحضر النجدة وتوجهت بعدها إلى شقيقتها التي تعمل بمركز صحي قريب، وتحركت مع شقيقتها وطبيب المركز إلى نقطة ارتكاز النجدة بالأزهرى، وتحركوا معها إلى مكان الحادثة ووجدوا أفراد النيقرز فروا إلى المزارع المجاورة على بعد أمتار منهم، لكنهم رفضوا ملاحقتهم بحجة أنهم خارج دائرة اختصاصهم.

كما تعرض أيضاً في العام 2012  المصور  الصحفي (سعيد عباس) لأخطر حادث نهب وسط الخرطوم بحسب ما جاء في صحيفة (السوداني) حيث أشارت أن الاعتداء أدى إلى وقوع معركة شرسة بين سعيد وأفراد العصابة، تمكن خلالها الصحفي المجنى عليه من القبض على المتهمين بمعاونة عدد من المواطنين شهود العيان.

يقول المجنى عليه سعيد عباس: (في حوالي الثانية ظهراً بينما أنا أقود سيارتي بشارع السيد عبد الرحمن قبالة بنك العمال الوطني، تفاجأت بشخص يدخل يده فى سيارتي عبر شباك الباب الأيمن في محاولة لسرقة الكاميرا التي كانت داخل حقيبة، وضعتها بالمقعد جواري، فأمسكت بيده ولكن مع سرعة العربة انفلتت يده وهو يمسك بالحقيبة، فأوقفت العربة وركضت خلفه، وفي تلك الأثناء حاول المتهم إلقاء الحقيبة لشريكه الآخر في العملية، ولكنني أمسكت به.

الاعتداءات في عهد الثورة

قامت في ليلة رأس السنة الميلادية للعام 2019 مجموعة متفلتة بموقف وسوق الشهداء بأم درمان، ونهبت هواتف المواطنين قبل أن تتدخل الشرطة وتسيطر على الموقف، وأوقفت الشرطة (22) متهماً.

وقال مصدر شرطي إن المجموعة يقدر قوامها بأكثر من (500) شخص خرج معظمهم من الكنيسة الواقعة بالقرب من (الشهداء) وتوجهوا صوب موقف المواصلات، وأضاف “ونسبة لعدم وجود مركبات اختلطوا ببعض “المشردين” وحدث هرج ومرج شديد ونفذت المجموعات المتفلتة عمليات نهب واستولت على هواتف المواطنين.

وأوضح المصدر أن قوة من الشرطة تدخلت وألقت القبض على (22) شخصاً ودونت ضدهم بلاغات، مؤكداً استعادة (19) هاتفاً لأصحابها. وأكد المصدر أن المجموعات ليست عصابات (نيقرز)، مشيراً بحسب صحيفة السوداني، إلى أنها مجموعات متفلتة يحمل قليل من أفرادها أسلحة بيضاء. وقامت أيضاً بمحاولة الاعتداء على بعض الفتيات فتصدىلهم بعض المواطنين.

الاعتداء على مستشفى أمبدة

كما قامت مجموعة متفلتة قبل أقل من أسبوع بمهاجمة مستشفى أمبدة وهي تحمل أسلحة بيضاء، حيث قامت بترويع العاملين في المستشفى واعتدت على أحد الأطباء، وعلى أثر ذلك أصدرت  لجنة أطباء مستشفى أمبدة النموذجي في بيان أصدرته في الأول من يناير الحالي أنهم يعملون في ظروف أقل ما يقال عنها، حسب وصف البيان، أنها مهددة لحياتهم كأطباء وكوادر عاملة في المستشفى.

وأورد البيان أن مجموعة من المتفلتين هاجمت المستشفى وهي تحمل أسلحة أسلحة بيضاء، ومارست الترويع على الأطباء والطبيبات والممرضين والعاملين في أقسام حوادث الجراحة والأطفال، واعتدوا بالضرب على أحد الأطباء، وأشار البيان أن اللجنة قررت إغلاق قسم الجراحة والأطفال والباطنية إلى حين توفير حماية للمستشفى.

وقبل ذلك الحدث قامت مجموعة قبل ذلك بتهشيم بعض السيارات وقفل أحد الطرق بالخرطوم.

كما قامت في وقت سابق مجموعة بالهجوم على أحد المدارس بجنوب الخرطوم لم يلاق تسليط الضوء الكافي حوله.

بينما  أكدت الشرطة السودانية في بيان لها في وقت سابق أن بعض الفئات الخارجة عن القانون والمتفلتين المنتفعين من الوضع الراهن حاولوا أن يستغلوا الظرف باستهداف مقار وأقسام الشرطة في العاصمة وبعض الولايات وقاموا بمحاولات لحرقها وإتلافها وإفراغ الحراسات من المتهمين، ونهب المعروضات والأمانات وحرق السجلات.

كما أشارت بأن هذا المسلك يعد مؤشراً خطيراً وإهداراً لسيادة وحكم القانون وضياع الحقوق وإفلات المجرمين، وبالتالي يوقع كل من يشارك فيه تحت طائلة القانون.

دوافع مجهولة

اعتبر العديد من رواد التواصل الاجتماعي أن التفلتات الأمنية الأخيرة  التي قامت بعها مجموعات من المتفلتين في العاصمة مؤخراً تقف وراءها الدولة العميقة بغرض إشاعة الفوضى ومحاولة فرملة مسيرة الثورة وبث المخاوف وعدم الثقة في قدرة الحكومة الانتقالية في إكمال  مشوارها حتى شوطها الأخير بعد عامين من الآن .

بينما حمل بعضهم الشرطة بأنها لم تقم بإيقاف هذه العصابات المتفلتة بالسرعة المطلوبة، بينما يرى البعض أن اتهامات بعض الشباب للشرطة واستفزازها خلق نوعاً من الإحباط لدى بعضها وجعلها تتصرف برد الفعل الذي جعل بعضها يتباطأ في القيام بواجبها بالسرعة المطلوبة .

لكن الكثير من المراقبين يرون أن الاستفزازات المحدودة التي وجهت للشرطة والقوات المسلحة  لم  تكن بعيدة عن أيادي الدولة العميقة التي تريد أن تدق إسفيناً بين مؤيدي الثورة وهذه القوات خاصة القوات المسلحة، بحيث يتم تحييدها من حماية الثورة ومحاولة التأثير العاطفي عليها كما حاولت إبان الفترة الانتقالية في أبريل 1985 وحين خرجت من التحالف الثلاثي في الحكم حيث ظل يحدث إعلامها على وتر إهمال القوات المسلحة في العتاد واللبس والسلاح مع أنها عندما استولت على الحكم أخرجت الآلاف من صفوفها للصالح العام ولم تقم بتقديم الدعم الكافي والمستحق بالنظر لاهتمامها بالأمن الداخلي عبر تقوية جهاز الأمن والصرف عليه عبر ميزانية ضخمة وإطلاق يديه للتدخل في كل مفاصل الدولة، وبالتالي التمدد الاقتصادي والأمني والمشاركة في صنع القرار عبر آلية الاستقطاب.

كما يرى المراقبون أن تمدّد التفلتات ووصول أياديها الآثمة حتى إلى المدارس والمستشفيات يقوي نظرية المؤامرة بأن أيادي للدولة العميقة تقف وراءها .

في حين يرى البعض أن محاولة إلصاق هذه التفلتات بالدولة العميقة نوع من تعليق الفشل على شماعة وهمية وعدم الاعتراف بالتقصير .

لكن بلا شك ربما تقدم لنا الأحداث في القريب العاجل إجابة شافية وربما بعد نهاية الفترة الانتقالية لحقيقة الدوافع لهذه الأحداث.

لكن إلى حين ذلك إذن ما رأيك عزيزي القارئ في كل من الرؤيتين نظرية المؤامرة ونفيها ؟

 تقرير : أحمد طه صديق

الخرطوم: (صحيفة الصيحة)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى