تحقيقات وتقارير

بعد 100 يوم على حكومة حمدوك.. ما الذي حدث في ملف السلام؟

عقدت الحكومة السودانية في العاشر من سبتمبر أولى اجتماعاتها عقب أداء القسم في الثامن من ذات الشهر، الناطق باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح قال في تصريحات وقتها إن مجلس الوزراء قرّر في اجتماعه، أولويات برنامج 200يوم المتمثلة في وقف الحرب، وبناء السلام، وحلّ الأزمة الاقتصادية، وتنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية، واستقلالية القضاء، وتشكيل لجنة مستقلة حول فض اعتصام محيط القيادة، وتعزيز دور المرأة والشباب، ومحاربة الفساد، وهيكلة الدولة، وبناء علاقات خارجية متوازنة.. وبعد أن مضى نصف الزمن من برنامج الـ (200) يوم، تحاول (السوداني) كشف ما تم في تلك الأولويات المعلنة، بجانب رصد لأهم التحديات، من قبيل تحدي وقف الحرب وبناء السلام.

مُنذُ الاستقلال ظل “السلام” مفردةً على طاولة المفاوضات، أروقة الفنادق، وبين سماء عواصم عديدة، أما على الأرض ما يزال حُلمًا لدى النازحين واللاجئين، وعلى الرغم من هز الثورة السودانية لعرش عهدٍ من الاستبداد امتد لثلاثين عاماً، إلا أن قضية السلام لم تبارح مكانها وعاد ذات المشهد مُنذ الاستقلال ليكون حاضرًا هذه المرة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، فيما ظل رئيس حركة جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور على موقفه الرافض لأيّ مفاوضات، ويرى عبد الواحد محمد نور في تصريح سابق لـ(السوداني) أن السلام لا يأتي بالاتفاقيات وأن ما يجري هو متاجرة بقضايا النازحين واللاجئين وأضاف: تم توقيع 46 اتفاقية سلام لكنها لم تأتي بالسلام وظلت الأزمة قائمة، وتحقيق السلام يأتي عن طريق تحديد جذور الأزمة.

ركن الثورة

“السلام” أحد أهم أولويات الحكومة الانتقالية كما عبرّ رئيس وزرائها في أكثر من منبر حيثُ قال إن قضية السلام محورية للحكومة، وأهم مطالب الثورة، وتحقيقه على رأس الأولويات خلال الفترة الانتقالية، فيما تكمل الحكومة اليوم الـ100 يوم الأولى، فما الذي تحقق في قضية السلام؟

نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال ياسر عرمان أبدى في حديثه لـ(السوداني): استعدادهم لجولة المفاوضات الجارية الآن ولعلاج كافة القضايا التي تستحق العلاج، مشيرًا إلى أن المناخ ملائم لتعزيز روح الشراكة في صنع السلام بين كافة قوى الثورة والتغيير، داعيًا إلى استكمال مشروع وطني جديد لأخذ السودان في اتجاه مختلف مما هو عليه الآن، ويرى عرمان أن هنالك فرصة نادرة لم تكرر أحدثتها الثورة للسلام وأنهُ ركن من أركانها. وأضاف: الحكومة أمامها مصاعب كثيرة حققت كثيرا من القضايا الجيدة والمفيدة يجب أن ندعمها لتحقق المزيد ونحن نتحدث بروح الشراكة.

بداية التفاوض

من جانبه بدأت جولة المفاوضات الثالثة بين الحكومة السودانية الانتقالية والجبهة الثورية في الـ11 من الشهر الجاري، وكان من المقرر أن تنطلق في الـ21 نوفمبر الماضي، وناقشت الجلسة الأولى اللوائح والقوانين المنظمة للعملية التفاوضية ومراجعة ما تم الاتفاق عليه حول إعلان جوبا وكل الاتفاقيات، والتشاور حول انضمام الحركات الأخرى لمنبر جوبا، وتم الاتفاق على تكوين لجنة مصغرة لإحكام التنسيق ومتابعة مسار التفاوض السياسي ورفع تقرير للوساطة، فيما أبدت وساطة دولة الجنوب رضاها عن سير التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة.

أما التفاوض مع الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو خلصت إلى تكوين لجنة مشتركة من كافة الأطراف لصياغة مباديء الاتفاق ليكون جاهزا للتفاوض حوله، وناقشت الأولى علمانية الدولة، فيما لم تناقش قضية تقرير المصير، وتم تكوين لجنة من كل الأطراف لصياغة مايتم الاتفاق عليه في هذا الشأن.

مسارات السلام

يذكر أن طرفي الاتفاق “الحُرية والتغيير، والمجلس العسكري” وضعا سقفًا زمنيًا لتَحقيق السَّلام وهو: خلال فترة الـ(6) أشهر الأولى من الفترة الانتقاليّة تبدأ من تاريخ التوقيع على الوثيقة، فيما مضت 4 أشهر الآن من المدة الزمنية المقررة لتحقيق السلام.

الـ6 أشهرُ سقفٌ اعتبرهُ كثيرون غير كافٍ لتحقيق السلام في وقتٍ تعددت فيه حاليًا مسارات التفاوض الـ٤ وفقًا لإعلان جوبا وهي مسارات دارفور والمنطقتين والشرق، الشمال والوسط، أما الملفات التي سيتم التداول حولها عدة ملفات، الترتيبات الأمنية، وقف العدائيات، ملف قسمة الثروة والموارد، ملف قسمة السلطة، ملف النازحين والتعويضات وقضايا العدالة الانتقالية.

وحول المنطقتين يتم التفاوض مع الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، ويطرح الأخير قضايا أخرى “علمانية الدولة وحق تقرير المصير”.

تمديد الإعلان

في الرابع عشر من الشهر الجاري وقعت الحكومة السودانية الانتقالية على تجديد إعلان جوبا لحسن النوايا حتى الرابع عشر من فبراير 2020م، وقال الناطق باسم الوفد الحكومي المفاوض محمد حسن التعايشي في تصريحات صحفية إن التمديد يقع ضمن فترة الستة أشهر المخصصة للسلام خلال الفترة الانتقالية الواردة في الوثيقة الدستورية والتي تنتهي في الخامس عشر من فبراير 2020م، متوقعًا الوصول لسلام قبل انتهاء الفترة والاتفاق في وقت واحد مع كل الأطراف لعدم وجود خلاف كبير.

من جانبه قال رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس يحيى إن الأطراف ستبذل قصاري جهدها للوصول إلى سلام خلال فترة التجديد، مشيرا إلى أن التفاوض يسير بوتيرة طيبة في كافة المسارات. بالمقابل قال الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة لـ(السوداني) إنّ مفاوضات السلام حول دارفور والمنطقتين تدور في حلقة مفرغة ولن تنتج سوى تجديد الإعلانات.

عتبة التفاوض

أما الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال أعلنت في بيان أمس تلقت “السوداني” نسخة منه أنها ثابتة في مواقفها التفاوضية ولم تقدم أيّ تنازل في المواقف المبدئية، وتصر على التفاوض في كل القضايا التي تشكل الجذور التاريخية للمشكلة السودانية ومعالجتها دون تأجيل لأيّ منها، أو ترحيلها إلى ما يسمي بالمؤتمر الدستوري، معتبرةً أن تحقيق السلام العادل، الشامل والمستدام قضية استراتيجية لها استحقاقات معلومة وواجبة السداد، ويجب أن تحتل سلم الأولويات.

وطبقًا لبيان صادر عن الحركة قالت: إن الجولة الحالية من المحادثات لم تسفر حتى اللحظة عن أيّ تقدم أو نتائج إيجابية تدفع بالمفاوضات للأمام، مشيرةً إلى أن الأطراف ما تزال على عتبة التفاوض، ولم تحقق أيّ اختراق يذكر فيما يتعلق بنقاط الخلاف حول إعلان المبادئ، خاصة علمانية الدولة وحق تقرير المصير.

وأكدت الحركة أن موقفها الثابت هو بناء دولة علمانية قابلة للحياة ومنع سن وفرض قوانين ذات طابع ديني، لافتةً إلى أن الفشل في تحقيق ذلك سيقود إلى أن تصبح المطالبة بحق تقرير المصير موقفًا مبدئيًا، واصفةً ما روج له أن الحركة الشعبية تخلت عن المطالبة بحق تقرير المصير بالشائعة. وتابعت: الحكومة الانتقالية سبق وأن رفضت إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية كواحدة من أهم مطلوبات بناء الثقة، فيما ما يزال معظم أعضاء وفد الحكومة الانتقالية يؤكدون داخل قاعة التفاوض شفاهة على رفضهم للدولة الدينية وإيمانهم بالعلمانية، ولكنهم في ذات الوقت يرفضون إيداع هذا الموقف كتابة، كما يرفضون أيّ ذكر لمفردة العلمانية صراحة.

اتفاق ثنائي

بالمقابل عبّر الحزب الشيوعي السوداني، عن عدم تفاؤله بمفاوضات السلام التي تجري حالياً بجوبا عاصمة دولة جنوب السودان بين الحكومة والحركات المُسلحة، وقال إنها لن تؤدي للسلام الشامل والدائم باعتبار أن مُحصلتها النهائية ستؤدي لاتفاقية ثنائية بين المجلس السيادي والجبهة الثورية.

ورهن عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني صدقي كبلو الحل الشامل للسلام بقيام المؤتمر الدستوري، وأن السلام سيكون حلقة مهمة من حلقات المؤتمر.

خطوات كبيرة

الصحفي المهتم بشأن السلام عمار عوض قال في حديثه لـ(السوداني): إن الحكومة قامت بخطوات كبيرة في تثبيت المنبر إلا أن هناك معوقات ستظهر في مقبل الأيام إذ ستكون هناك حاجة للجنة فنية للوساطة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف، مشيرًا إلى أن هناك سعيا جديد لأن يكون هناك وسيط من الاتحاد الإفريقي.

وقال: رغم التقدم لكن عند الدخول في صلب المواضيع ستكون هناك تحديات وسيكون من السهل الوصول لاتفاق مع الجبهة الثورية بعد الربع الأول، أما الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو فستستغرق وقتًا أطول، ويرى عمار أن قضية السلام معقدة في ظل وجود مظالم حقيقية وأسباب أدت للحرب، مشيرًا إلى أن حديث عضوي السيادي التعايشي وياسر العطا عن التنازل للمقاعد اختزال لعملية السلام.

بطء العملية

إحدى التعقيدات التي ظلت محيطة بعملية السلام هذه المرة تعلقت بمنبر التفاوض حيثُ ظلت بعض الحركات تُبدي اعتراضًا على جوبا كمنبر للسلام وضرورة استصدار تفويض للمنبر، وفي وقتٍ سابق قال القيادي بالجبهة الثورية محمد زكريا لـ(السوداني): إن العملية التفاوضية يجب أن تتم في منبر معترف به دولياً كتوفير الضمانات لاتفاق السلام.

من جانبه قال الكاتب الصحفي محمد حامد جمعة في حديثه لـ(السوداني): إن الحكومة تواصلت مع كل الأطراف في العملية ولم تقم بتصنيف أو تقييم لها من حيث المسارات والمواقف والقدرات الميدانية وتجاوزت في مساعيها إشكاليات تعدد الفصائل والجماعات. وأضاف: في تقديري أن العملية تمض ببطء بسبب يتعلق بالحركات وتقاطعاتها الخاصة بانقساماتها القديمة، مشيرًا إلى أن ما يُضعف دفع المفاوضات وضعية الوساطة الجنوبية، فجوبا محاصرة بمطالبات تحقيق سلام وضغوط غربية وإفريقية تجعل من حماسة تلك الأطراف لدعم ومساندة المفاوضات السودانية محل شك أو تراخٍ.

خطأ الوساطة

وحول المسارات اعتبر جمعة أن هذه إحدى أخطاء الوساطة لأنها نقلت مشاجرات وانقسامات الأطراف المتمردة لتوجهات العملية السلمية ومنحت آخرين من غير المؤثرين على الأرض وفي موازين القوى وبين أخرى مصنوعة وفق ترتيبات التحشيد خاصة على طاولة الجبهة الثورية، وهو اعتراف لن يقبل به مثلا الحلو وفصيله، واصفًا مسارات الشرق والشمال وغيرها بالتقسيم المفخخ وغير المجدي لجهة أن هذه المناطق آليات التعبير عنها ومظلوماتها الشعبية والسياسية غير حاضرة في العمل المسلح، لافتا إلى أنها تبدو أقرب في التمثيل للجسم الحكومي كي يعبر عنه.

الحُرية والتغيير

جانبٌ آخر يحيط بعملية السلام هذه المرة إذ تدخل قوى الحُرية والتغيير في هذه الجولة ضمن الوفد الحكومي المفاوض وهو ما أبدت الحركات المسلحة اعتراضها عليه، في وقتٍ تشهد فيه العلاقة بين المكونين في التحالف مناوشات واتهامات متواصلة، حيثُ اتهمت الجبهة الثورية سابقًا الحُرية والتغيير بأنها وراء تأجيل جولة المفاوضات السابقة، مشيرةً إلى أنها عبرت سابقًا عن عدم ارتياحها من مواقف قوى الحُرية والتغيير من عملية السلام للإدارة الأمريكية.

ويرى جمعة أن هناك بعدًا آخر في تعقيدات التفاوض يتمثل في ضعف الإسناد الدولي والإقليمي الذي لم يتجاوز المجاملة فحتى الآن لم يتفق مجلس الأمن الدولي أو مجلس السلم الإفريقي على آلية تدخل عليا لرعاية المفاوضات. وأضاف: أيّ تحليل لمستقبل هذه الحقائق سيخلص لنتائج هتافية حتى إذا أنتجت سلاما سيكون إضافة لتعقيدات الانقسامات الداخلية بالمشهد السوداني لجهة أن مداخل العملية رُتبت على أخطاء واضحة.

تقرير: إيمان كمال الدين

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى