محمد وداعة

البشير .. في الاصلاحية !

جاء في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الازد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فقال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ؟. ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا)!! والذي نفس محمد بيده، لا نبعث أحداً منكم فيأخذ شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، فرفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه فقال: اللهم هل بلغت ثلاثاً”.

لم تأخذ المحكمة بادعاءات الدفاع بأن الملايين التي وجدت في حرز البشير اهديت اليه من احد الزعماء العرب ، باعتبار انه موظف عام ، وما يهدى له يعتبر مالاً عاماً لا يجوز له التصرف فيه بأي نية ، وله اجر المناولة، ولكنه تناوله لنفسه و صرف منه لخاصته ، بل ربما كان المال كله تبرع للجامعة التي ورد ذكرها اثناء المحاكمة ، فمن يشهد على ذلك. ؟

كان أمراً مشيناً ان يحتفظ الرئيس المخلوع عمر البشير بملايين الدولارات في بيته في الغرفة الخاصة ، وهي عبارة عن خزنة كبيرة محصنة ، يحتفظ الرجل بحوالي ستة مليون يورو، و اربعمائة الف دولار و عدة ملايين من الجنيهات في وقت كانت فيه الادوية المنقذة للحياة تتطلب نصف هذا المبلغ، و كانت صفوف الخبز و الوقود تتطاول، لا شك ان المعايير الاخلاقية والانسانية تصنف هذا السلوك على انه سلوك مشين و منحرف لأي شخص عادي فضلاً عن كون هذا الشخص هو رئيس السودان ، وهو بالطبع سلوك غير رشيد و يتنافى مع مسؤوليات رئيس البلاد و يتعارض مع اقرار الذمة الذي اعلن عنه البشير في الفضائيات ،الا ان الاكثر اشانة كان تصرف هيئة الدفاع و خروجها على تقاليد المهنة بالصراخ والسياح في وجه القاضي مما استدعى طردهم الى خارج قاعة المحكمة ، وكان مدهشاً ادعاءهم فور خروجهم من القاعة انهم انسحبوا احتجاجاً على حكم اعتبروه سياسي وغير قانوني.

البشير اول رئيس سوداني تتم محاكمته في محكمة عادية ، وفرت له كل اسباب التقاضي الصحيح ، و تقدم للدفاع عنه هيئة من محامي النظام السابق ، وبكل المقاييس صدر الحكم التاريخي بعد ثبوت أركان الجريمة من خلال حيثيات محكمة و بينات عجز الدفاع عن المتهم في دحضها، وجاء الحكم بادانة الرئيس المعزول عمر البشير و ايداعه في دار الاصلاحية لمدة سنتين ، وتلى ذلك بالطبع تجريده من رتبته العسكرية وأي حقوق ترتبت من شغله لمنصب الرئيس باعتبار انه ارتكب جريمة مخلة بالشرف و الامانة.

صحيح ان ارتكاب هذه الجريمة مس كل الشعب السوداني و لا يوجد مكاناً في البلاد بأسرها لم يصله الضرر، و عليه اجتهد القاضي في امر التغريب بايداعه الاصلاحية، و لا يستهزئ احد بهذا القرار الحكيم ،او يستنكره خاصة هيئة الدفاع التي فشلت في تبرئة موكلها ، لأن البديل له هو تغريب البشير الى لاهاي مقر المحكمة الجنائية الدولية ، فهي ربما الجهة الوحيدة التي طالبت به وقطعاً سترحب بأن يغرب لديها ، خاصة و انه يواجه تهم جرائم الابادة الجماعية و جرائم أخرى.

ليس من شك في ان القضاء السوداني رغم ما اعتراه من تدخلات النظام البائد ، قادر على محاكمة كل من ارتكب جريمة وان كان رئيساً سابقاً للجمهورية ، فضلاً عن الاخرين من رموز النظام السابق ، او اي رموز آخرين حتى وان كانوا حاكمين الآن و ليس ادل على ذلك من امر تشكيل لجنة للتحقيق في جريمة فض الاعتصام، و ما دامت هناك جريمة فهناك متهمون ستطالهم يد العدالة لا محالة،
انصح هيئة الدفاع عن المدان البشير بالاعتذار للمحكمة عن الفوضى التي احدثتها قبيل النطق بالحكم، وان لا تذهب الى استئناف الحكم ، فربما يكون البديل للاصلاحية هو التغريب في الجنائية ، وهو امر تأباه النفس السوية، ويقدح في نزاهة القضاء السوداني و عليه نرفضه.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى