تحقيقات وتقارير

استقالة مدير مكتب وزير البنى التحتية …هل فدى “الحبيب” الوزير أم منظومته السياسية

يعلق وزير البنى التحتية والنقل، هاشم طاهر، بعبارة (تمت الموافقة على الاستقالة) ويضع في نهايتها توقيعه الوزاري، كان تقديم الاستقالة أولاً ومن ثم الموافقة عليها، محاولة أخيرة لوضع نهاية لسيناريو قصة علاج شقيقة الوزير والذي وصفه البعض بـ(الفضيحة)، فلا يستقيم أن يسقط الشعب سلطة المحسوبية والفساد وتبديد المال العام بدمائه ثم يعود ليجدها وقد عادت من الشباك. في آخر استقالته يتمنى العبيد للوزير النجاح في إنفاذ أهداف الثورة ومبادئ الحرية والتغيير.
1
لكن لا يبدو قرار استقالة مدير المكتب وحده كافياً لإطفاء النيران المشتعلة بسبب الخطوة نفسها، بل إن كثيرين يرون فيه محاولة لأن يحمل العبيد وزر الخطأ إنابة عن الوزير، بل يرونه ناقصاً ما لم يكتمل باستقالة الوزير نفسه، بل إن البعض مضى أكثر من ذلك حين طالب بأن يصدر قرار إقالة وليس استقالة، كخطوة تؤكد على أن حكومة الثورة أكثر حرصاً على تحقيق الانتقال وطي صفحات التراجع في العهد البائد. بالنسبة لعضو تجمع المهنيين محمد الأسباط فإن الاستقالة غير كافية، وإنه يجب أن تتبعها استقالته من مؤسسات قوى الحرية والتغيير، واستقالة الوزير أيضاً، عملاً بمبدأ الاتساق والشفافية في معالجة الأخطاء، وحتى لا يكون مدير مكتب الوزير مجرد كبش فداء، وحتى يسود الإحساس بأن سودان الثورة مختلف عن سودان الأيام الماضية.
2
حسناً، بالنسبة لكون أن العبيد كان كبش فداء، فالأمر يحتوي على درجة كبيرة من الحقيقة، ولكن هل كان العبيد ساعتها يفدي الوزير أم أنه يفدي منظومته السياسية؟ للإجابة على هذا السؤال فإنه عليك تتبع مراحل صعود الوزير إلى الكرسي الذي يجلس فيه الآن، وعن الجهة التي قامت بترشيحه للمنصب. بالنسبة لالتزامات ما قبل تشكيل حكومة الثورة فإن القوى السياسية التزمت بعدم تقديم حزبيين لشغل مقاعد الوزارة أو حزبيين بشكل صارخ، لكن هذا الأمر لم يلق تفاهمات داخل هذه المكونات، وهي أن تقوم بتسمية مرشحين للوزارات ومن ثم تقديمها للكتل المشاركة فيها، وكان على حركة حق تقديم مرشح لشغل المنصب الخاص بوزارة البنى التحتية والنقل، على أن يؤول هذا المنصب لأهل الشرق، وبعد أن قامت بالاختيار قدمته لكتلة نداء السودان التي قامت بإجازته، وعليه فإنها تتحمل المسؤولية عن الأداء في المنصب.
3
هذا عن الوزير المرشح فما الذي دفع بمدير مكتبه للمنصب؟ يشغل العبيد منصب المسؤول التنظيمي في الحركة التي أصدرت بياناً أكدت فيه أن شغل الشاب للمنصب لم يكن بشكل مؤسسي، وربما يكون الدافع لذلك هو مسؤوليته التنظيمية عن نجاح من قدمته لشغل الوظيفة العامة، حيث يكشف مصدر لـ(اليوم التالي) عن عدم وجود معرفة سابقة بين قيادات الحركة في الخرطوم والوزير، وأن مكاتبها في الشرق هي التي قامت بتسميته ومن ثم جاءت الموافقة عليه لاحقاً.
4
بالنسبة للقيادي في حركة حق خالد بحر فإن حزبه مسؤول بشكل كبير عن مسارات الثورة وعن الضرورة المتعلقة بالمساهمة في إنجاح المرحلة الانتقالية، وبالرغم من أن الحدث من شأنه أن يلقي بظلال سلبية على المشهد ويمكن توظيفه لخدمة أجندة النظام البائد والباحث في الوقت نفسه عن طريق للعودة مرة أخرى، لكنه في المقابل باعث على الاطمئنان باعتبار أن الشعب والشارع هو الذي يحرس الآن قيم ثورته وبكل ما أوتي من مقدرة، ويؤكد في الوقت نفسه على أن خيار أن يكون شاغل منصب المدير التنفيذي لمكتب الوزير لم يكن محدداً من قبل الحركة، بل إنها لم تكن تعلم بأن مسؤولها التنظيمي هو الذي يقوم بهذا الدور، كما أن الخطوة الأخيرة ستضع الجميع في الطريق الصحيح، وهو الطريق المرتبط بضرورة أن تسود قيم الشفافية، وأن يعرف الشعب بشكل عام من الذي يقوم بهذه الأدوار في الوقت الراهن، وهو السبيل الوحيد في اتجاه تفكيك قيم النظام السابق وبالطبع إمبراطورية مديري المكاتب.
5
في سياق ردة الفعل على ما جرى في وزارة البنى التحتية والنقل، فإن البعض ما يزال يعيد السؤال حول الجهة التي قامت بتسريب الخطاب قبل أن يكمل دورته، ويمضي البعض لاتهام أفراد في هيئة الموانئ البحرية بمناصرة رئيس وزراء النظام المخلوع محمد طاهر أيلا، وهو الأمر الذي لا يبدو ذا أهمية الآن، لأنه من شأنه أن يفتح سؤالاً آخر، هو أن الخطاب اذا لم يتم تسريبه هل كانت الأوضاع ستذهب حتى وصولها إلى مرحلة صرف الأموال لتقديم خدمة خاصة من مال عام؟ وإن حدث ذلك فما هي الفائدة المرتجاة لقيام الثورة نفسها؟ بينما يتجاوز البعض السؤال الافتراضي لصالح سؤال الراهن حول مآلات ومترتبات تقديم الحبيب لاستقالته على المسار المتعلق بتحقيق الثورة لأهدافها وغاياتها، وبالطبع مآلاتها على وزارة البنى التحتية نفسها وعلى وزيرها، وإلى أي مدى بإمكانه أن يمضي في اتجاه تمهيد الطريق لشعب بدأ وكأنه يرى فيه امتداداً لمن سبقوه، وأنه يمضي في ذات طريق المخلوع وأفراد سلطته.

تقرير : الزين عثمان

صحيفة (اليوم التالي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى