حوارات

وزير الصناعة والتجارة: لن يقبل الوزراء حوافز من جهة غير حكومة السودان

لماذا كل هذه الضجة التي أثارها وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني بإرجاعه حافزه الدولاري من شركة كنانة إلى وزارة المالية في الأيام الماضية ألم يكن بإمكان الوزير إرجاع الشيك في هدوء بعيداً عن ما اعتبره البعض ضرباً من (الشو) الإعلامي؟.. وإذا كان لا يرغب في هذا الحافز الضخم، فلماذا استلمه من البداية؟ وكيف يكتب مدني – الذي يشغل منصب وزير المالية المكلف هذه الأيام – خطاباً لنفسه لإرجاع الحافز؟!.. ألا يوفر هذا الجدل المستمر منذ أيام حول حافز السيد الوزير في وقت تتأزم فيه كثير من المشكلات الاقتصادية بالبلاد، حيثيّاتٍ كافيةً لاتهام (وزراء قحت) بأنهم أصبحوا يهتمون بالشكليات فقط، ويتركون الأشياء الأساسية المتصلة بمعاش الناس؟!
هذه التساؤلات، وأخرى بالطبع تتصل بتمرد الدولار وارتفاع الأسعار وخسائر صادر الثروة الحيوانية، وحقيقة رفع الدعم في الفترة القادمة، أجاب عنها الوزير مدني عباس برحابة صدر فوق المعدل، وبتلقائية من تعود على هذا النوع من الأسئلة الساخنة مسبقاً، فلم يتهرب من أسئلة (السوداني) رغم أن بعضها كان على مشارف الإحراج، فإلى مضابط الحوار..

 

  • أصبحت من أكثر الوزراء إثارة للجدل.. فماذا قصدت من التنازل عن مخصصاتك في كنانة والنيل الأبيض التي اعتبرها البعض مجرد خطوة (للشو)؟
    لا يرتبط الأمر بالشو الإعلامي، فلقد أعلنت بعد يومين من تسلمي المنصب الوزاري بأنني لن أنال سوى مخصصاتي كوزير من قبل حكومة السودان. وما حدث مني يحدث وسيحدث من قبل أي من وزراء الحكومة الانتقالية. بعد تسليم المستحقات المالية في مجلس الوزراء ناقشنا مسألة الحوافز والامتيازات التي تمنح بحكم المناصب للوزراء وهي أمر قيد النظر لتصبح معالجة شاملة وليست التزاماً أخلاقياً من الوزراء.
  • طالعت خطابك المعنون لوزير المالية بإرجاع نثرياتك للخزانة العامة، ثم عرفت لاحقاً أنك الآن وزير المالية المكلف، فهل كنت تخاطب نفسك؟.. أليس هذا هو (الشو) بعينه؟
    تم تسليم المستحقات لوزارة المالية وخزنتها. كوزير الصناعة والتجارة مخاطبتي يجب أن تتم لوزير المالية من ناحية إجرائية، وتم تسليم المستحقات لوكيل المالية عبر مكتبي. عموماً محاكمة النيات محاكمة غير ذات جدوى، فهذه مسألة لن يؤكدها اتهام أو ينفيها ادعاء.. علينا محاكمة الأفعال، فهذا ما نستطيعه كبشر لا يملكون قدرة الإطلاع على النوايا.
  • لماذا تتنازل عن حقك.. هل تعتبر اللائحة التي نلت بموجبها الحافز خاطئة؟
    لم أناقش اللائحة، وهي طبعاً لائحة شركة مجازة من قبل جهاتها المختصة. بالنسبة لي لا أرى أن يتناول موظف حكومي كالوزير مقابلاً من شركة حتى ولو كان مساهماً فيها هذا يخلق شيئاً من تضارب المصالح، وكما ذكرت فإن أمر مشاركة الوزراء والمخصصات التي تمنح لهم سيكون قيد المراجعة.
  • كل بدايات الوزراء والحكومات بما فيها حكومات الإنقاذ كانت مثالية وفيها مسحة زهد في البداية ثم يحدث العكس في النهاية.. هل أنت استثناء؟
    الأمر ليس شخصياً ولا يرتبط بنزاهتي منفردة عن الآخرين كما ذكرت لك، لم يكن لوزير آخر أن يقبل المخصصات من وزراء حكومة الثورة، نحن أتينا بثورة الشعب، والشعب يتعامل معنا برقابة صارمة، بينما الإنقاذ أتت عبر انقلاب حزب عطل قنوات المشاركة والشفافية وخلق سلطة مطلقة هي التي جرت إلى كل مفاسد الإنقاذ بعد ذلك.
  • إذا كنت لا ترغب في هذه المخصصات، فلماذا استلمتها ابتداءً؟
    هذه مُخصَّصات مُنِحَتْ لي كرئيس مجلس إدارة وفق لوائح الشركة. وإعادتها لكنانة تعني تبرعي بها لصالح الشركة، فهل الأوفق إرجاعها للشركة أم لحكومة السودان التي نلت الحافز بسبب تمثيلها؟
    أنا كوزير صناعة وتجارة لا أملك منفرداً حق تعديل لائحة وجدتها مجازة، حكومة السودان لا تمتلك الأغلبية في أسهم هذه الشركات، ولكن بطبيعة الحال يمكننا مراجعة اللوائح وفق ضوابط التعديل القانونية الواجب اتباعها.
  • هناك وزراء آخرون أعضاء في مجالس إدارات، هل سيتم إيقاف نثرياتهم؟
    لم ولن يقبل وزراء حوافز من جهة غير حكومة السودان، وبالمناسبة هذا اتجاه عام وليس موقفاً شخصياً.
  • بصراحة، هناك اتهام لوزراء قحت بأنهم (اتشطروا على البردعة وخلو الحمار)، أي أصبحتم تهتمون بالشكليات وتتركون الأشياء الأساسية ومعاش الناس؟
    نحن لم نهتم بالأمر، ولم يشغل لحظة تفكيرنا، وتم تسليم الاستحقاقات مباشرة لمكتبي لإجراء اللازم ولم أنظر إلى تفاصيلها حتى. أظن الاهتمام الإعلامي الذي صاحبها يُقرأ مع المقارنة بعهد الاستباحة السابق، ما تهتم الحكومة به الآن وظاهر في أولويات برنامجها هو إرساء قيم الحوكمة عبر نظم قانونية وإدارية وتأهيل المؤسسات الحكومية لتصبح أكثر شفافية وخضوعاً لحكم القانون وأن تكون مساءلة أمام الشعب.. إصلاح الأمر يتم عبر خلق مؤسسات دولة قوية لا تعتمد فقط على نزاهة الأفراد ونياتهم.
  • هل أنت وزير الصناعة الوحيد الذي تنازل عن مخصصاته في كنانة؟
    لا أدري قد يكون هناك سابقون في الأمر، وبطبيعة الحال لا يشكل الأمر فعلاً بطولياً عظيماً، وفي التاريخ السوداني وزراء كانوا لا يتقاضون رواتبهم المخصصة لهم ناهيك عن امتيازات أخرى.
  • إلى أيِّ مدى ستستمر في التنازل عن مخصصاتك مستقبلاً وهل سيمتد تنازلك إلى نثريات السفر ربما؟
    مراجعة الحوافز والامتيازات ستتم بشكل جماعي، فالقضية ليست خاصة. وما حدث فائدته التنبيه لمراجعة الأمر بشكل عام، ما يبدو أنه حدث فردي سيتم وضع إطار قانوني يجعل منه ضرورة وليست بطولة.
  • حتى في عهد الإنقاذ كان بعض وزرائها يرجعون مثل هذه الحوافز لكن في صمت، كالوزير الراحل عبد الوهاب عثمان؟
    هذه مسألة تُحسَب له.. ولكن عندما نتحدث عن الإنقاذ كنظام فهو نظام كرَّس للفساد والإفساد.. من قام بنشر الخطاب أراد توضيح فارق في السلوك. ولكن بطبيعة الحال يبقى التعويل الأكبر على معالجة القوانين واللوائح بدل الاعتماد على التقدير الفردي وهذا ما تمضي نحوه الحكومة، وتجريد الوظيفة الدستورية من الكثير من الامتيازات مهم لصالح ترسيخ النظام الديمقراطي في السودان.
  • السيد الوزير.. لماذا لم يشعر الناس حتى الآن أن هناك جديداً بعد تشكيل الحكومة.. على العكس الأمور المعيشية تمضي للأسوأ؟
    هناك جديد بالطبع، ولكن لا أظن أنه يظهر بشكل سريع. في ما يخص الأمور المعيشية هي انعكاس للأزمة الاقتصادية وليست متغيراً مستقلاً.. في الاقتصاد هناك أزمات هيكلية، وهذه تقتضي بعض الوقت، وهناك معالجات مرتبطة بتدخل الوسطاء والسماسرة، وهذه نعمل على التصدي لها من خلال تفعيل قانون حماية المستقبل وفرق الرقابة.. ترتيب ذلك يقتضي بعض الوقت ولكن سيبدأ قريباً.. أيضاً هناك عملٌ في موضوع الجمعيات التعاونية والتي نعمل على أن تستعيد أراضيها بشكل جديد.
  • ما هو أثر خروج الثروة الحيوانية من قائمة الصادر؟
    الثروة الحيوانية تمثل جزءا مهماً من صادرات السودان، وهي لم تخرج كلياً، والسوق السعودي مهم، وهذه خسارة على المستوى القصير، ونسعى لتقليل آثارها، وهنا تعمل كل الجهات الحكومية ومصدرو الماشية على تخطي هذه الفترة بسرعة وأظن أن هناك مؤشرات إيجابية بدأت تظهر. على صعيد آخر، فإنه مستقبلاً فقد كسب السوق السوداني مصداقية كبيرة. نحن نتعامل مع الخسائر التي تلقاها العاملون في مجال الماشية وننسق معهم للتصدي لهذه الخسائر.. وهناك تأثير بالطبع، نحاول تخفيف آثاره، وفي ذات الوقت نعمل من خلال سياسات الصادر على زيادة صادرنا في المجالات المختلفة. وعلى حسب الموسم الزراعي نتوقع زيادة في صادراتنا في مجال الحبوب الزيتية التي يبدأ موسمها الأيام القادمة. هناك تخطيط محترم لزيادة الصادرات وحفز المصدرين على إرجاع حصائل الصادر.
  • هل للإعلان عن وباء الكوليرا أثر على حركة الصادر للمحاصيل؟

لا أعتقد، الإعلان عن الكوليرا مسألة أخلاقية وتتسق مع نهج الشفافية الذي تنتهجه الحكومة، هناك تأثير بالطبع نحاول تخفيف آثاره، وفي ذات الوقت نعمل من خلال سياسات الصادر على زيادة صادرنا في المجالات المختلفة، وعلى حسب الموسم الزراعي، نتوقع زيادة في صادراتنا في مجال الحبوب الزيتية التي يبدأ موسمها الأيام القادمة. هناك تخطيط محترم لزيادة الصادرات وحفز المصدرين على إرجاع حصائل الصادر.

  • بوصفك وزير مالية مكلفاً هذه الأيام.. ما هي حقيقة ما يتردد بشأن رفع الدعم عن الخبز والوقود، لأن هناك تضارباً في الخطاب الاقتصادي الرسمي في هذا الأمر؟
    لا صحة لأي حديث عن رفع الدعم حالياً.. هناك أفكار تم تناولها حول أهمية وصول الدعم لمستحقيه، ولكن بشكل عام فلا اتجاه لرفع الدعم حالياً .
  • هل هناك أي مؤشرات على حصولكم على منح أو قروض في المرحلة المقبلة؟
    السودان ينفتح أكثر من أي وقت مضى على مسارات التعاون الدولي المختلفة من استثمارات ومنح وقروض من أجل إحداث استقرار اقتصادي وتلمس مسارات تنمية حقيقية.
  • كيف ستتغلبون على التضخم؟.. وعلى ارتفاع سعر الصرف، وللأسف تبدو الحكومة عاجزة عن إيقاف تمرد الدولار؟
    الحكومة لديها برنامج الإصلاح الاقتصادي.. هي نتاج مجهود طويل في البرنامج الإسعافي ومجهود خبرات مختلفة. بطبيعة الحال لن يمكن معالجة التضخم خلال شهر ونصف. عموماً نحن على ثقة أن مسار إصلاح الاقتصاد السوداني سينجح فهناك رؤية اقتصادية وإرادة سياسية كفيلة بإنجاح ذلك.
  • من خلال موقعك الآن.. ما هو الاختلاف بين ما كان عليه الأداء في العهد السابق، وبين ما ستفعلونه؟
    نحن نتحدث الآن عن حكومة أتت من خلال ثورة شعبية مسنودة بدفع جماهيري وبذات المستوى محاسبة عالية، ولا يمكن مقارنتها بنظام مستبد فاسد. الآن يوجد تخفيض غير مسبوق في الإنفاق الحكومي وعزم على محاربة الفساد. الحكومة الانتقالية لديها فرصة وستنتهزها من أجل إعادة تأسيس الدولة بحيث تصبح على مستوى تطلعات الجماهير.
  • وزارتكم، وزارة الصناعة والتجارة، تقاتل بسيوف العشر فيما يبدو لمواجهة جشع بعض التجار وارتفاع الأسعار.. فما هو أقصى ما تستطيعون فعله لكبح جماح الأسعار في سياسة التحرير الاقتصادي؟
    تراجع وزارة الصناعة والتجارة كل قوانينها. وستطبق قانون حماية المستهلك لكبح جماح الأسعار وحماية حقوق المواطنين.
  • هل يمكن مراجعة سياسة التحرير الاقتصادي التي تتبعها البلاد الآن؟
    ما تم تطبيقه في السودان قليل من الاقتصاد، وكثير من الجريمة المنظمة، ويصعُب تسميته بنظام اقتصادي معين. سياسات الدولة مبنية على برنامجها الاقتصادي وفيه تصوّر لإطاره التنموي، تدعم الدولة فيه القطاعات الفقيرة، وتدعم خدمات الصحة والتعليم وتوفر الحماية الاجتماعية. وفي ذات المستوى يُتاح فيها المجال للقطاع الخاص المسؤول اجتماعياً لا القطاع الخاص الطفيلي الانتهازي.

حاوره: فتح الرحمن شبارقة

الخرطوم: (صحيفة الصيحة)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى