تحقيقات وتقارير

الولايات .. الرمال تتحرك تحت أقدام العسكر

ما أن تهدأ الأوضاع في ولاية إلا وتصاعدت في ولاية أخرى، ليكون العنوان البارز للولايات في شهر أغسطس خروج المواكب في عشر ولايات تفاوتت مطالبها بين السياسية والخدمية والأمنية، ليجد الحكام العسكريون المكلفون انفسهم في معركة مدنية تحتم عليهم الانتصار باستعمال الأسلحة السلمية في مواجهة الغضب المتصاعد من قبل المواطنين الذين طالب كثيرون منهم باقالة عدد من الولاة لضعف مردودهم، وهو الأمر الذي يتوقع أن يكون ضمن أجندة اجتماع وزير ديوان الحكم الاتحادي مع الولاة صباح الغد، بعد أن تم استدعاؤهم عقب تفاقم الأوضاع بالولايات.

المواكب بدأت عقب تشكيل حكومة حمدوك، فقد خرج المواطنون بعد أن باتت توجد جهة في المركز عليها الانصات لأصواتهم وقضاياهم المختلفة، وكانت البداية من ولاية النيل الازرق التي طاف موكب ثوارها مدينة الدمازين وهم يعبرون عن بالغ استيائهم من تجاوز الحكومة المركزية ولايتهم وعدم وجود ممثل لهم، ولم يجدوا غير رفع مذكرة شديدة الـلهجة عبر والي الولاية إلى الخرطوم يطالبون من خلالها بحسم أمر اختيار وزير الثروة الحيوانية، وهو المنصب الذي خصصه رئيس الوزراء للولاية، وبالنيل الأزرق خرج أيضاً مواطنو المنطقة الغربية وتحديداً محلية التضامن في أكثر من موكب وأكدوا تمسكهم بضرورة ذهاب الشركة العربية التي ظلت تستثمر 219 الف فدان منذ عام 1983 دون أن يكون لهم نصيب من عائداتها على أرض الواقع، ومجدداً فإن والي النيل الازرق المكلف وجد نفسه أمام امتحان عسير وسهام النقد توجه ناحيته حينما تفشى مرض الكوليرا، حيث تم اتهام أجهزته بالقصور في اصحاح البيئة ومازالت مستشفيات الدمازين والروصيرص تستقبل المزيد من المرضى.

ولم تتوقف المواكب على النيل الازرق، فقد شهدت سنار عدداً منها كان أبرزها بقرية قنوفة التي خرج مواطنوها في موكب كبير احتجاجاً على تفشي مرض السرطان جراء زراعة القطن المحور وراثياً بمشروع ابو نعامة، ولم يجدوا وسيلة تلفت الأنظار إلى معاناتهم غير إيقاف الحركة في الطريق القومي الرابط بين سنار وسنجة. وهذا الوضع دفع والي الولاية إلى زيارة القرية، وأكد تشكيل لجنة تقصي حقائق لمعرفة انتشار الأمراض بالقرية.

أما في الولايات الشرقية فإن دوافع المواكب التي انتظمتها جاءت متباينة، ففي كسلا خرج شبابها في موكب تحرك من السوق إلى أمانة الحكومة، ولم يجد والي الولاية المكلف غير الخروج لاستلام مذكرة الشباب التي طالبت حكومة المركز بانصاف الاقليم الشرقي الذي مثل ولاية النيل الأزرق تجاوزه التمثيل في الحكومة الجديدة، وهو الأمر الذي اعتبره الشباب تهميشاً واضحاً يرفضونه، ويعتقدون باهمية ايجاد حل عاجل له حتى لا تخرج الأوضاع عن السيطرة بعد أن تنامت حالة الغبن التي جعلت بعضاً من الناشطين في الاقليم يطالبون بالانفصال وتقرير المصير، وعلى ذات الصعيد لم يختلف موكب بورتسودان كثيراً عما شهدته كسلا، حيث خرج شباب بورتسودان لذات القضية، وايضاً خرج الوالي المكلف لاستلام المذكرة من الشباب، فيما جاءت المواكب بولاية القضارف مختلفة كلياً في أسبابها، حيث خرج الثوار لثلاثة أيام متتالية الى الشوارع وهم ينددون بسياسة الوالي المكلف الذي وجهوا اليه اصابع الاتهام بحماية الدولة العميقة والعمل للحيلولة دون تصفيتها، وذهبت مواكب القضارف بعيداً وهي تطالب باقالته، وهددت باعتصام مفتوح امام امانة الحكومة اذا لم يتم اعفاؤه، وقد قابلت قوات الشرطة المواكب بعنف واضح، وهو الأمر الذي اثار غضب المواطنين ومازالت الاوضاع محتقنة بالولاية الزراعية.

اما في دارفور فإن الاوضاع كادت تخرج عن السيطرة بولاية جنوب دارفور التي شهدت تفلتات في عدد من المحليات أدت إلى مقتل العديد من المزارعين ونهب ممتلكات المواطنين، وهو الأمر الذي دفع الحرية والتغيير إلى مطالبة الوالي بفرض هيبة الدولة أو تقديم استقالته لعجزه عن السيطرة على الاوضاع، رغم أنه من منسوبي المؤسسة العسكرية، ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن الوالي وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه حينما اندلعت مظاهرات طلابية تندد بعدم وجود الخبز، والتي تعاملت معها الشرطة بعنف مفرط أدى إلى إصابة ثلاثة مواطنين، وهو الأمر الذي تسبب في خروج مواكب بالعاصمة خاصة في امبدة ومايو تضامناً مع طلاب جنوب دارفور التي حاول واليها احتواء الأمر باقالة عدد من المسؤولين أبرزهم مديرو محليات مرشينج، قريضة، نتيفة، كبم والردوم، كما أكد زيادة حصة الدقيق لمدينة نيالا، وقررت الحرية والتغيير تسيير مواكب في الولايات الخمس للمطالبة باقالة الولاة العسكريين وتعيين مدنيين.

مركزياً فإن الحرية والتغيير أكدت ان استبدال الولاة العسكريين بمدنيين أمر يخضع للتداول هذه الأيام، وتشير إلى أن ما يحدث في الولايات من مواكب وتظاهرات يحظى باهتمام المركز الذي يسعى لتدارك الأمر سريعاً حتى لا تخرج الاوضاع عن السيطرة. ورأى قيادي بالحرية والتغيير ــ فضل حجب اسمه ــ أن تباطؤ الولاة المكلفين في تصفية الدولة العميقة من أسباب الأزمات التي تشهدها الولايات، ورأى أن تعيين ولاة مدنيين يسهم في إزالة الاحتقان وعلاج القضايا التي خرج بسببها المواطنون إلى الشوارع.

تقرير: صديق رمضان

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى