تحقيقات وتقارير

الأرقام في خطابات السياسيين.. محاولات تأكيد

لا توجد صدفة في علم الأرقام.. فالإنسان رقم وحرف أو هكذا يرى علماء الأرقام، مشيرين إلى أن للأرقام دلالاتها وأنه كلما عرف الإنسان كيفية تطبيق لغة الأرقام على الحياة اليومية كلما أدرك أن المستقبل ليس ثمرةً الصدفة، وفي الأرقام لكلٍ شيءٍ حسابه.. مؤخرًا تفشت لغة الأرقام في المجتمع السوداني، فاجتماعيًا بعد أن كانت الأرقام رهينة حسابات الأيام بين الشابات والشباب في تحديد مواقيت الزواج، انتقلت عدواها إلى المستوى السياسي حيثُ برزت لغة الأرقام مؤخرًا في خطابات المسؤولين، وآخرها ما أعلنه وزير المالية إبراهيم البدوي عن خطة إسعافية لـ(200) يوم.. (السوداني) رصدت لغة الأرقام في خطابات المسؤولين والسياسيين.

أول أرقام الثورة
بعيدًا عن إحصائيات لجنة أطباء السودان المركزية للشهداء أو الإصابات أو المفقودين، فإن أبرز الأرقام التي تسيدت المشهد عقب نجاح الثورة جاءت على لسان المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي إلى السودان، في مايو الماضي حينما أمهل المجلس العسكري مدة 60 يومًا لتسليم السلطة إلى هيئة مدنية وإلا فإنه سيعلق عضوية السودان، وهو ما حدث عقب انقضاء المهلة..

بعد الحكومة
برنامج قوى الحرية والتغيير لحكومة الفترة الانتقالية تحدث عن 52 أسبوعًا أي ما يقارب 365 يومًا كفترة لتنفيذ برنامج إسعافي قبل الولوج التدريجي لبرنامج السياسات البديلة.. بيد أن وزير المالية إبراهيم البدوي وفي ثاني تصريحات له عقب أدائه القسم وزيرًا للمالية حدد برنامجًا إسعافيًا للاقتصاد مدته 200 يوم يقوم على خمسة محاور، أبرزها تثبيت أسعار السلع الأساسية وإعادة هيكلة الموازنة ومعالجة البطالة، وسط مخاوف في الشارع من تكرار الفشل كما حدث في تجربة حكومة معتز موسى، الذي أعلن عن خطة قصيرة المدى في شهر سبتمبر من العام الماضي، تستهدف إحداث صدمة اقتصادية سريعة لمواجهة أزمات الغلاء وارتفاع تكلفة المعيشة وتفاقم التضخم الذي تجاوز 65% آنذاك وزيادة عجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري في غضون 400 يوم من عمر حكومته، إلا أنها باءت بالفشل.
في وقت اعتبر فيه وزير الدولة الأسبق بوزارة المالية عزالدين إبراهيم لـ(السوداني) إن قلة الخبرة تؤدي لعدم الاستفادة من التجارب السابقة، موضحًا أن تحديد وزير المالية لـ200 يوم بهدف تحقيق إصلاحات ستتحول إلى حبال سيشنق بها وزارته لأن هذه الفترة ليست كافية وتعادل نحو 6 أشهر فقط بينما يحتاج البرنامج الإسعافي قصير المدى لإنفاذ ما نادت به الحركة الثورية لأكثر من ذلك.
وأشار إبراهيم إلى أن وزير المالية الجديد سيركز في برنامجه فقط على وضع حد لغلاء المعيشة وتقليل الاستدانة المباشرة من النظام المصرفي (بنك السودان المركزي والبنوك التجارية) لتوفير المرتبات والتسيير، وغير المباشرة بإصدار خطابات الضمان لتوفير تمويل للتنمية والتشدد في جمع إيرادات الدولة وإدخالها للخزينة العامة.

معتز بالساعات
إبان النظام البائد أمهل رئيس الوزراء ووزير المالية أنذاك معتز موسى في أول خطاب له،ُ الوزراء ووزراء الدولة 48 ساعة لتقديم المشروعات الإسعافية حيثُ طلب منهم تقديم 3 مشروعات تتعلق بمعاش الناس والإصلاح الاقتصادي وسيادة حكم القانون مُحددًا فترة تكليفه بـ(400 يوم و3000 ساعة عمل).

مائة يوم
نظام المخلوع اعتاد على ممارسة أو بذل الوعود دون نتائج أو مصداقية، وهو ما كشفته تصريحات قادته آنذاك إبان أزمة السيولة التي عانى منها السودانيون وما يزالون، إذ إن الحديث عن علاج أزمة السيولة تحدد بأنه سيكون خلال أسابيع، وهو الأمر الذي لم يكن المرة الأولى من قبل بنك السودان المركزي فقد سبقتها تصريحات رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى في أول زيارة لهُ بعد استلام مهامه بوزارة المالية التي كانت إلى مقر بنك السودان المركزي وقتها أعلن موسى أن حل مشكلة السيولة سيكون في غضون الـ 8- 10 أسابيع القادمة.
أما وزير النقل والتنمية العمرانية حاتم السر فنقلت عنه تقارير إعلامية سابقة بأن رئيس الوزراء أمهلهم (100) يوم لتقديم خطط حول برنامج الحكومة في الفترة المقبلة..

180 يومًا
في العام 2015م خلال التشكيل الوزاري تسنم محمد الحسن الميرغني منصب مساعد أول لرئيس الجمهورية، وحينها صرح بأنهُ سيحل مشاكل السودان ويُغير الأوضاع خلال 180 يومًا..
ومنذ ذلك الحين بدأ الرأي العام باختلاف مشارب مكوناته الاجتماعية والسياسية في حساب الأيام، في ظل سؤال معلق متى تبدأ مُهلة الـ(180) يومًا؟.. الحسن أشار بعدها إلى أن الرئاسة لم توكل إليه أيّ ملف ليتولاه منذ توليه منصبه، معتبرًا وفقًا لذلك أن المُهلة التي حددها بـ180 يومًا لحل مشكلات السودان لم تبدأ بعد، وأن مهلة الـ180 يومًا كانت رهينة ببدء التكليف وليس بالمشاركة في السلطة.

(100) يوم أخرى
في العام 2017م أشار والي الخرطوم بالإنابة محمد حاتم سليمان إلى برنامج متكامل يضم ثلاثة محاور يتم إنجازهُ في فترة (100) يوم حيثُ أطلق شعار (زيرو عطش) لحل أزمة العطش و(زيرو كوش) لنظافة الولاية (وزيرو حفر)، حاتم أكد وقتها أن ولاية الخرطوم لا تواجه أيّ مشكلات بخصوص مياه الشُرب وأنها ستكون الأولى في برنامج زيرو عطش.
في ذات السياق لم يكن محمد حاتم وحدهُ مطلق عبارة “زيرو عطش” ففي العام 2016م أكدت وزارة الري والموارد المائية والري والكهرباء مواصلة جهودها في تنفيذ برنامج الدولة “زيرو عطش”، وأوضحت أن خطة الـ 1000 يوم التي وضعتها الوزارة تستهدف قطاع الموارد المائية وري المشروعات القومية وزيادة توليد الكهرباء، وأن العام 2020 م سيشهد إنهاء العطش في أرياف ومدن السودان.

100 يوم المعارضة
لم يكن النظام الحاكم ومسؤولوه وحدهم من يطلق وعود الأرقام ففي بدايات يونيو من العام 2013م أعلن تحالف قوى المعارضة السودانية أنهُ ينوي الإطاحة بالنظام سلميًا في غضون مائة يوم، وأن المعارضة ستتقدم بمبادرة خلاص نهائية للمؤتمر الوطني الحاكم، كما أنها مُقسمة لـ3 مراحل تبدأ من يونيو وحتى نهايته وتشمل إعادة ترتيب الأوضاع التنظيمية داخل التحالف، وتنتقل إلى إقامة ندوات فرعية بمدن العاصمة الـ3، ثم ندوات مركزية تختتم بليلة سياسية”. المؤتمر الوطني وقتها أشار إلى أن خطة المائة يوم للمعارضة تأتي بالتنسيق مع الجبهة الثورية لإسقاط الحكومة.. حينها والجميع ينتظر حالة الشد والجذب بين الحكومة والمعارضة وبعد أيام قليلة من الإعلان نفض رئيس حزب الأمة الصادق المهدي يدهُ عن خطة المائة يوم معلنًا عن مشروع جديد لتغيير النظام الحاكم. بالمقابل فإن بعض أحزاب التحالف الآن شريك في الحكم وذلك عقب مؤتمر الحوار الوطني الذي أنطلق في العام 2014م.

الأرقام.. ما لها وما عليها
مراقبون يؤكدون أن أزمة البلاد أكثر من مجرد أرقام أو ساعات عمل بل خطط استراتيجية ومفاهيم وأفكار، والشاهد وقتها أن الكثير من المشاريع ما تزال قيد أفواه مسؤوليها الذين تغيرت مناصبهم وتولاها آخرون، تناوب بعضهم في تحديد المزيد من الأيام والأسابيع لحل الأزمات.
فيما يشير محللون إلى أن الإحساس بالوقت منعدم لدى الحكومة إذ تلزمها الأوضاع الحالية بجهد وعمل ووقت أكثر من المُعلن عنهُ والمحدد في التصريحات الصحفية.
عن سرّ الفارق الكبير بين الأقوال والأفعال وتبخُر الوعود، يذهب المحلل السياسي محمد عبد السيد في حديثه في وقت سابق لـ(السوداني)، إلى أن المسؤولين منذ 1989م لا يوجد لديهم تراكم خبرات لذا يعتقد الواحد منهم أن القضايا ساهلة، لافتًا إلى ضرورة دراسة العوامل المساعدة والمعيقة للخطة التي يعتزم المسؤول تنفيذها، داعيًا إلى عدم إطلاق الأرقام في الهواء، وأضاف: أغلبهم لا يدرسون الواقع فمعظم خططهم أكاديمية مسموعة قد لا تكون مقروءة ولا يضعون في أعتبارهم التعقيدات البيروقراطية والاجتماعية السودانية، منوهًا إلى ضرورة معرفة التفاصيل الصغيرة والكبيرة.
فيما تذهب تحليلات إلى أن استخدام الأرقام من قبل المسؤولين نوع من إشاعة الأمل، إلا أن الخطر هو ألا تنفذ، وتعكس نوايا لإحداث إنجازات، في وقت يرى كثيرون عدم استخدام الأرقام قبل الوقوف على الاستعدادات وضمان الإمكانات المادية واللوجستية فإذا لم ينجز المسؤول المشاريع أو يحل أزمةً بعينها خلال الوقت الذي ضربهُ فهذا مدعاة للإحباط، وبدلا عن ذلك تبرز ضرورة حشد الإمكانات والخبرات عوضًا عن تحديد سقف زمني.

تقرير : القسم السياسي

الخرطوم (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى