حوارات

بعد اتهامه برئاسة الخلية التخريبية المدربة في إسرائيل .. الأمين الإعلامي لطلاب دارفور بجامعة الخرطوم يكشف المثير

وفي يوم 11 من الشهر نفسه، قالوا لنا اخرجوا وعندما خرجنا أخبرونا أن النظام سقط، وأن الجيش وجهاز الامن “مسكوا السلطة!” ولكن في الوقت نفسه لم يطلقوا سراح بعض الرفاق، وأسماؤهم كانت فيها علامة صليب بقلم أحمر، وتم تحويلهم إلى (الكرفانات) وفي الأثناء جاءت عربات الجيش، وأخذونا بحافلة لمدة عشرين دقيقة، ونزلونا في الطريق الرئيسي، وقالوا لنا: “بعد دا أي زول يتصرف”

 

* كانت مسرحية فاشلة.. وهددوني بالقتل داخل المعتقل 

*أسرتي في معسكر (كساب) في محلية كتم سمعوا خبر اعتقالي بعد عرضي في التلفزيون صُدموا

* قتلوا رفيقي صلاح يعقوب واعتقلوا (8) آخرين بعد مداهمة منزلهم بالدروشاب

في الخامس والعشرين من ديسمبر من العام الماضي، وبالتزامن مع اشتداد حركة الاحتجاجات، المطالبة بتنحي الرئيس السابق عمر البشير ونظامه عن السلطة، عرض التلفزيون القومي، في نشرة التاسعة مساء، عدداً من الطلاب، قال التلفزيون إنهم، خلية تخريبية، تابعة لحركة تحرير السودان، قيادة عبد الواحد محمد نور، تم تدريبها في إسرائيل وجاءت إلى السودان عبر كينيا لتحرض الناس للخروج في تظاهرات ضد النظام، وهي تقوم بتخريب المؤسسات وقتل المتظاهرين أنفسهم.. غير أن المحتجين استوعبوا الدرس تماماً، لكونه توجهاً عنصرياً وجهوياً ظل ينتهجه النظام، بهدف دق إسفين التفرقة بين السودانيين وليستمر هو في الحكم، وأراد من خلال ذلك العرض التلفزيوني، احتواء الشارع المنتفض ضده، فردت عليه الجماهير، في صباح اليوم التالي بهتاف (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور) واتهمت الحكومة آنذاك الطالب بجامعة الخرطوم أيوب عمر عيسى بأنه رئيس هذه الخلية، وبعد الإطاحة بالبشير أطلق سراحه، والتقت به (الجريدة) في ساحة الاعتصام بالقيادة العامة للجيش بالخرطوم فإلى مضابط الحوار.

* أين ومتى تم اعتقالك؟

– كنت في داخلية عبد السلام بجامعة الخرطوم، وبعد إغلاق الجامعة قررت الذهاب إلى البيت، وبعد خروجي منها ركبت المواصلات، وكان معي عدد من الطلاب، وتحرك البص نحو سوق بحري، وقبل وصلونا للمظلات، حاصرتنا 5 سيارات بوكس تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، فنزل بعضهم يحملون أسلحة وشكلوا حلقة دائرة حول البص، وطلبوا من صاحبه الوقوف، وقال أحدهم: (أيوب عمر عيسى، دون اية حركة انزل من السيارة وارح معانا) واقتادوني إلى مكاتبهم في تمام الساعة الثانية مساء.

* خلال مشاركتك في الفعاليات السياسية إلى أي مدى كنت تشعر بالمضايقات من قبل الأجهزة الأمنية؟

– كنت مستهدفاً، لأنني عضو في تنظيم الجبهة الشعبية المتحدة المعروفة اختصارا بـ(اليو بي أف) وهو الذراع الطلابية لحركة وجيش تحرير السودان قيادة الرفيق عبد الواحد محمد نور في الجامعات السودانية، وكتنظيم في هذه الجامعات، لدينا مشروع سياسي ظللنا نطرحه باستمرار، وأن هذا المشروع لا يتماشى مع نظام الحركة الإسلامية البائد، لذلك ظل النظام يستهدف كل الرفاق في التنظيم، وهذا ليس أول استهداف فمنذ انطلاقته، ظل مستهدفاً من قبل النظام، وقتلت الأجهزة الأمنية عدداً من الرفاق في الجامعات السودانية من بينهم الرفيق محمد موسى بحر الدين جامعة الخرطوم، والرفيقة إخلاص يعقوب آدم جامعة زالنجي.

* ما الأنشطة الأخرى التي كنت تقوم بها خارج مظلة تنظيمك؟

– كنت الأمين الإعلامي لرابطة طلاب دارفور بالجامعة، وكان لدينا برامج من بينها استقبال الطلاب الجدد كل عام، وخلاله نقوم بتنظيم احتفالات لاستقبالهم، وفي ذلك الوقت كان لطلاب دارفور، وضع خاص فيما يتعلق بعملية التسجيل والدراسة في الجامعات الحكومية، وجاء ذلك على خلفية الضغوط التي مارسها تجمع روابط طلاب دارفور بالجامعات والمعاهد العليا على الأمم المتحدة في 2004م، وطالبتها بدفع الرسوم الدراسية لها، إنابة عنهم؛ لأن الوضع الاقتصادي المتردي في ذلك الحين بدارفور، لم يسمح للأسر، بدفع الرسوم الدراسية لأبنائهم، وبدورها ضغطت على النظام، وسمح لهم بالتسجيل والدراسة مجاناً، غير أنه تراجع عنها دون أن يوضح ذلك، وعندما رفضت إدارة الجامعة السماح لنا بالتسجيل مجاناً، نظمنا عدداً من الاعتصامات داخلها بهدف السماح لنا بالتسجيل والدراسة مجاناً.

* بعد أن ألقي الجهاز القبض عليك في أي مكان تم احتجازك ؟

– تم اقتيادي إلى مكاتب الأمن الطلابي، بالخرطوم بحري، وهو مبنى عبارة عن عمارة كبيرة، وظللت هناك، وتعرضت للتعذيب الجسدي والنفسي، بصورة مستمرة حتى في تمام الساعة الحادية عشرة، من ثم رحلوني إلى موقف شندي او ما يعرف بـ ” الثلاجات” حيث مكاتب الأمن السياسي، ورحلوني إلى موقف شندي ببحري في الساعة الحادية عشر، وتعرضت للتعذيب هناك أيضاً وكان معي طلاب آخرون من جامعة الخرطوم، التقيت بهم في المعتقل، وظللت أتعرض للتعذيب حتى الصباح، وحصة التعذيب التي تلقيتها كان بسبب انتمائي السياسي.

* ما هي المعلومات التي طلبها منك الجهاز أثناء التحقيق؟

– بمجرد إحضاري للمعتقل قالوا لي “أيوب انت طلعت (….) من 2016م” وبالإضافة لعدد من الألفاظ النابية، التي يعف لساني عن ذكرها، وهم كانوا يعرفون أني رفيق بالجبهة الشعبية المتحدة، وعندما أدخلوني إلى مكاتبهم عذبوني بالكهرباء والضرب المبرح، وقالوا لي (انت رفيق في اليو بي اف) أعطنا معلومات مفصلة عنكم، فقلت لهم أي معلومات تريدونها؟ عبد الواحد بقول ليكم شنو؟ وأعطنا معلومات عن التحالف الذي كوّنتوه مع التنظيمات السياسية بالجامعة، الذي يقود الحراك الطلابي حالياً، فقلت لهم لم أكن مشاركاً في هذا التحالف، ومكان الاجتماعات…

* كيف هي بيئة المعتقل؟ 

– في معتقل موقف شندي، كان الجو بارد جداً فيه، نتيجة للتكييف المكثف، وزنزانتي كانت رقم 9 وأرضيتها كانت مليئة بالمياه، وكانوا يطلبوا مني التمرغ في هذه المياه، وعلى الرغم من برودة الجو، يصبوا في جسدي المياه بالجرادل، وفضلاً عن التعذيب النفسي من خلال ألفاظ نابية وعنصرية تسيء لشخصي ولأسرتي، ويطلبون مني الوقوف و رفع الأيادي للأعلى، وكانوا يدخلوا “قطة”! داخل قميصي، ويستمر هذا التعذيب من الليل حتى الصباح، وفي اليوم الثالث جاءوا بطلاب آخرين من جامعة سنار، واستمر تعذيبنا ضرباً بالسياط والركل بالأرجل في أي مكان من الجسد، وقيدونا بسلاسل حديدية، وحرمونا من أبسط حقوق المعتقل مثل العلاج، وحتى الطعام كانوا يجبروننا على ترديد كلمات نابية قبل تناوله، ورفضوا لنا التواصل مع أسرنا، وعندما تدهورت حالتي الصحية بسبب التعذيب المستمر، هددوني بالقتل، وقال لي أحدهم: (إذا ما داير تقر بالاعترافات اللي نطلبها منك ثمنك رصاصة بس). أما سجن (دبك) فيه عنبران وكل عنبر مساحته ضيقة، ولا تسمح لنا بالنوم، وكنا نتبادل النوم، والطعام كان سيئاً والبعوض كان كثيراً جداً، وتعرضنا للتعذيب أيضاً.

* في الخامس والعشرين من ديسمبر العام الماضي تم عرضكم في التلفزيون القومي بأنكم خلية تخريبية حدثنا عن هذه القصة؟

– هذه مسرحية هزلية وفاشلة! لقد نقلونا بسيارات صغيرة من نوع “شريحة” مظللة من معتقل موقف شندي، إلى مبنى آخر، وتعرضنا للتعذيب مرة أخرى هناك، واتهموني بأنني رئيس خلية جاءت من إسرائيل، وبداخل المبني، كرسي وكاميرا، ويوجد أحد ضباط الأمن لديه عصاة ضربني بها، وعرض لي ورقة مكتوب فيها اسمي والجامعة، بالإضافة لرئيس الخلية التخريبية، بأنها تابعة لحركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد محمد نور، جاءت من إسرائيل عبر كينيا، بهدف تحريض الناس للخروج في مسيرات احتجاجية، وبحوزتها أسلحة بيضاء ونارية واموال.. وطلب مني تلاوة هذا الكلام المكتوب في الورقة والاعتراف به؛ لكني رفضت، وقلت لهم: أنا فعلاً من جامعة الخرطوم وعضو في تنظيم اليو بي إف، وخرجت للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية التي تمر بها البلاد، وهذا أمر مكفول وفقاً للقانون، وأوقفوا الكاميرا بعد رفضي، وعذبوني وأعادوا الكاميرا عدة مرات لكي أتلو ذلك الكلام والاعتراف به، ولكن بعد اشتداد التعذيب، قرأت الكلام المكتوب في الورقة، وهكذا بقية طلاب جامعة سنار الذين كانوا معي.

وبعد اعتقالي بأسبوع داهم جهاز الأمن رفاقي وكانوا يسكنون في منطقة (الدروشاب) بالخرطوم بحري، وأطلق عليهم الرصاص بصورة كثيفة أثناء ذلك قتل الرفيق صلاح يعقوب، وهو طالب في جامعة الزعيم الأزهري وتم عرضهم أيضاً في التلفزيون باعتبارهم تابعين للخلية الوهمية، وهذا كان استهدافاً للرفاق في الجبهة الشعبية المتحدة، وبدوافع عنصرية تم اعتقال عدد من طلاب دارفور، واتهموا أيضاً بأنهم ينتمون لحركة تحرير السودان وجزء من الخلية، عاش هؤلاء الطلاب ظروفاً إنسانية صعبة، وكانوا يتبنون قضايا الإقليم في كافة المنابر الطلابية، ولذلك يتم استهدافهم.

* كيف استقبلت أسرتك خبر اعتقالك وحتى بعد تم عرضك في التلفزيون؟

– أسرتي طبعاً هي في معسكر (كساب) في محلية كتم بولاية شمال دارفور، وعندما سمعوا خبر اعتقالي بعدما عرضوني في التلفزيون، صدموا لصعوبة الموقف، وكانوا خائفين (شديد) من أن يتم قتلي، وسافر والدي مباشرة للخرطوم، بعد وصوله، ذهب لمكاتب الأمن في شارع المطار؛ حيث مكان الاستعلامات، وطلب منهم زيارتي لعدة مرات، ولكنهم رفضوا الاستجابة له، واستمر ذلك لمدة ثلاثة أشهر، ولم يسمحوا له حتى بالاتصال بي عبر الهاتف، وعانت أسرتي أشد المعاناة، بسبب ذلك ووالدي كان مصاب بمرض السكري، وأيام اعتقالي كانت عصيبة جداً عليه، ولكن رفاقي وزملائي بجامعة الخرطوم كانوا على اتصال دائم بالأسرة، ولتطمينها، وتحفيزها معنوياً طوال فترة الاعتقال، وهذه مواقف عظيمة جداً، وأحييهم عليها.

* ماذا كنت تتوقع من الجماهير بالخارج وماذا قالوا لك عندما أرادوا إطلاق سراحك؟

– على الرغم من أن الأخبار كانت مقطوعة عنا، ولكن كنت أتذكر أن في 6 أبريل ذكرى انتفاضة 1985م التي أطاحت بالرئيس الأسبق جعفر النميري، وتوقعت أن الشعب السوداني، يفعلها من جديد ضد نظام البشير، أمضيت ثلاثة أشهر و21 يوماً في المعتقل؛ وحيث أمضيت 78 يوماً في موقف شندي، وقضيت الباقي في سجن (دبك) والفترة كلها أمضيناها تحقيقات وتهديدات وتعذيب، وأوقفوا كل الزيارات، في 5 أبريل، وفي يوم 11 من الشهر نفسه، قالوا لنا اخرجوا وعندما خرجنا أخبرونا أن النظام سقط، وأن الجيش وجهاز الأمن “مسكوا السلطة!” ولكن في الوقت نفسه لم يطلقوا سراح بعض الرفاق، وأسماؤهم كانت فيها علامة صليب بقلم أحمر، وتم تحويلهم إلى (الكرفانات) وفي الأثناء جاءت عربات الجيش، وأخذونا بحافلة لمدة عشرين دقيقة، ونزلونا في الطريق الرئيسي، وقالوا لنا: “بعد دا أي زول يتصرف” وعندها انتظرنا لفترة في الطريق حتى جاءت البصات السفرية وأخذتنا للخرطوم.

* ما دور الحركة الطلابية في الثورة الحالية وما هي مطالبها؟

– لا تنفصل حقوق الحركة الطلابية عن حقوق المجتمع السوداني كله، ولقد ساهمت في التغيير الحالي، وكذلك لعبت دوراً كبيراً في ثورتي 1964م و1985م من القرن الماضي، والجامعة تمنح للطلاب مساحات للقيام بالعديد من الأنشطة كالأنشطة (غير الصفية) المتمثلة في أركان النقاش والمخاطبات، وأنها تمثل وطن صغير لهم، وأزيد على ذلك أن الحركة الطلابية تناقش القضايا المطلبية لمنسوبيها، كتحسين البيئة الدراسية وإعادة الاتحادات التي سيطر عليها النظام بالقوة إليهم، وغيرها من القضايا، والنظام السابق سيس الجامعات، وأضحت كل إداراتها تابعة له وبولاء مطلق، وأن الطلاب لهم آراء في مجمل الأوضاع بالبلاد سواء كانت اجتماعية أو ثقافية واقتصادية أو سياسية، وهم شعلة التغيير، ولذا النظام ظل يستهدفهم باستمرار، بهدف السيطرة على عقولهم، والشرطة الجامعة والأمن الطلابي والوحدات الجهادية.. كانت أداة لقهر وتعذيب الطلاب.

* ماذا عن المشروع السياسي الذي تطرحه الجبهة الشعبية المتحدة؟ 

– الجبهة الشعبية المتحدة، لديها مشروع سياسي واضح، وهو مشروع تحالف الشعب العريض، والذي نخاطب من خلاله جذور الأزمات في السودان من بينها قضايا الهوية، والاقتصاد وكيفية إدارة الدولة.. ونطرح العلمانية والليبرالية والديمقراطية والفيدرالية، باعتبارها طوق نجاة لكل هذه الأزمات المستفحلة في السودان، والسلطة المركزية، تسيطر في الحكم، ولم تسمح للأقاليم لتشارك فيه، بل تهمشها ولذا طرحنا الفيدرالية للإدارة هذا الوطن المترامي الأطراف، وأما في الجانب الاقتصادي فإننا طرحنا اقتصاد السوق الحر، وأما فيما يتصل بالتعليم فإن النظام البائد وظفه كسلاح (أيدولوجي) لبث الكراهية بين الشعب السوداني، وعدم قبول بعضهم بعضا، ولذا طرحنا وفق العلمانية والليبرالية والديمقراطية.

 

حوار : الهادي عبدالله

الخرطوم (صحيفة الجريدة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى