تحقيقات وتقارير

إعفاء النائب العام.. رصف الطريق للمحاكمات

استجابةٌ عاجلة من قِبل المجلس العسكري الانتقالي في السودان، لمطالب وجّهها تجمُّع المهنيين، الذي ظلّ يتمسّك بها عقب اقتلاع رأس نظام الإنقاذ، الرئيس الأسبق عمر البشير الذي استمر ثلاثين عاماً على سدة حكم السودان، فقد حوت مطالبة واضحة وصريحة، بإقالة رئيس القضاء وجميع نُوّابه وإعفاء النائب العام ونُوّابه، واستبداله بشخصٍ آخر يتم التّوافق عليه، وإلغاء القوانين كَافّة، المُقيِّدة للحُريات، بجانب حَلِّ نظام الرئيس المعزول عمر البشير واعتبروها مسائل فورية وعاجلة لا بُدّ من حسمها، بالأمس أصدر رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قراراً بإعفاء عمر أحمد محمد عبد السلام من منصب النائب العام، وهشام عثمان إبراهيم صالح من منصبه مساعد أول النائب العام وإنهاء خدمة عامر إبراهيم ماجد كرئيس للنيابة العامة، وقضى ذات القرار بتكليف الوليد سيد أحمد محمود بتسيير مهام النائب العام.

 

الاستجابة السَّريعة لرئيس المجلس العسكري، تمضي في اتّجاه أنّ عهداً جديداً ونقلة من نوع آخر سترى النور قريباً، بعد أن عاشت فساداً صعب على القائمين لأمره مُعالجته بالطرق القانونية.

 

مُحاولة جادّة

تأتي خطوة إعفاء النائب العام عمر أحمد محمد، ومساعده هشام عثمان لأجل اتخاذ خطوات جادة لمكافحة تفشي وتمدُّد ظاهرة الفساد بالبلاد، ووفقاً لمُتابعين للأوضاع، فإنها محاولة جادة لاجتثاث الفساد الذي ضرب أضابير مُؤسّسات الدولة طيلة الثلاثين عاماً الماضية، غير أنّ مصادر تَحدّثت لـ(الصيحة) فضّلت عدم ذكرها، أنّ المجلس العسكري الانتقالي أصدر العديد من قرارات الإعفاء لمسؤولين في عهد الإنقاذ، تماشياً مع مُتطلبات المرحلة المُقبلة التي ستشهدها البلاد، وكشف المصدر أنّ النيابة العامة منذ استقلاليتها في العام 2017 عن وزارة العدل، لم تنجز أيِّ مَلفات تتعلّق بالفساد، وأشار إلى أنّ مُعظم القضايا انتهت إلى تسويات دُون أن تتم مُساءلة أيِّ شخصٍ، ومُحاسبة مُرتكبيها ومُخالفيها، بجانب اتّهامات طَالَت النّيابة، بأن جهاز الأمن هو من يتحكّم في عملها.

 

وطَبقاً لقرار رئيس المجلس العسكري، فقد كَلّفَ رئيس النيابة العامة بولاية النيل  الأبيض الوليد سيد أحمد محمود، الذي عَملَ رئيساً للإدارة القانونية بولاية الجزيرة إبان عهد الوزير محمد بشارة دوسة وزيراً للعدل، وبحسب زملاء مُقرّبين من الوليد فإنّ مُعظم عمله العدلي والقانوني ارتكز بمدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، حيث عمل رئيساً للنيابة العامة والإدارة القانونية، بها قبيل فصل النيابة العامة عن وزارة العدل قرابة العشرين عاماً تقريباً، وطبقاً لمعلومات تَحَصّلت عليها (الصيحة) أن الوليد من مواليد مدينة أم درمان، وليست لديه أيِّ مُيُولٍ أو انتماء سياسي، بجانب أنه يتمتّع بأخلاقٍ عاليةٍ وأدبٍ جَمٍ، ويُحظى باحترام زملائه، تخرج في كلية القانون جامعة القاهرة فرع الخرطوم العام 1988، وبحسب المصادر، أنّ تعيين الوليد  سيكون مفاجئا لكثيرين، لأن الاختيار والتركيز مُتوقّع أن يتم من داخل الخرطوم، كما يقال إن هنالك من يسبق الوليد بالخبرة والكفاءة.

 

إعادة محاكمات

قبيل الاستجابة العاجلة لمُطالبات تجمُّع المهنيين، كانت هناك وفي عهد الإنقاذ مُطالبات للأجهزة العدلية في السودان بحسم قضايا الفساد بعيداً عن التحلل والتسويات للحد من التجاوزات والتعديات ما وصفهم بالجشعين وبعض ضعاف النفوس على الأموال العامة، وبالرغم من الطرق على محاربة الفساد، كانت في المقابل تحذيرات من عدم حسم تلك القضايا بالسرعة المطلوبة، كما أنّه يضع  البلاد بأسرها تحت رحمة القيل والقال، بالتطاول والحديث عن قضايا الفساد، بجانب أنه يضعف هيبة الدولة ويُؤثِّر على مُستوياتها.

 

المجلس العسكري ليُؤكِّد جديته، يتّجه لإعادة المحاكمات التي تمت فيها تسويات وتحلُّل، كما تأتي مطالبة تجمُّع المهنيين بهيكلة الجهاز القضائي وإقالة رئيس القضاء، على أن تتم الاستعاضة عنهم برؤساءٍ جُددٍ.

 

محاكمات عادلة

عدم رضاء

كَثُر الحديث عن الفساد والتجاوزات، وأصبح لا يُذكر مجلس إلا وارتبط واقترن بفساد المسؤولين في الدولة، الذي استفحل وبلغ مداه ما لم يبلغه غيره، حتى بات أمراً عادياً، ولعل الزيادة المُضطردة لقضايا الفساد فتحت الباب على مصراعيه للحديث والمُطالبة بالمُحاسبة الرادعة للمُفسدين، فكانت ردة الفعل من جانب الحكومة من حين إلى آخر، بأن تصدر أوامر وقرارات دُون أن تُخضع إلى التنفيذ، فتارة تملأ الصحف السّيّارة ووسائل الإعلام بتوجيهات صارمة ووعيدٍ وتهديدٍ للمُخالفين والمُتجاوزين، لكن سُرعان ما تصبح تلك التوجيهات هباءً منثوراً، في المُقابل كان هنالك اجتهادٌ ومساعٍ حكومية لإصدار أحكامٍ لبعض مُنتسبيها الذين فسدوا في فترة ما بعيداً عن القانون، أي قبل بدء إجراءات المحاكمة العادلة، وذلك بإجازتها التّحلُّل للمُفسدين، الأمر الذي وجد عدم رضاء من قِبلَ المُجتمع السُّوداني والمُختصين من أهل القانون.

 

منحى جديد

لجأ النظام السابق إلى مُعالجة من نوع آخر بخلاف التّحلُّل لقضايا الفساد، الذي ضرب أضابير مُؤسّسات الدولة، على أن تتم عبر التسويات للمُفسدين التي تتم في بعض الأحيان أمام القاضي بمُوجب القانون، باعتبارها مرحلة من مراحل التقاضي مُتعارفٌ عليها ومقبولة في حال تمّت بالقانون.

 

أقصر الطرق

يُفسِّر كثيرون خطوة لجوء السُّلطات السُّودانية في النظام السابق إلى هذه التّسويات، باعتبارها أقصر الطرق للحصول على المال المُعتدى عليه من “القطط السمان”، مُقارنةً بطريق المحاكم والنيابات والذي يستغرق وقتاً طويلاً،  غير أنها تجاهلت تماماً مبدأ المُحاسبة والمُساءلة دُون السماح للتّسويات بالحد منها.
في المُقابل، رَفَضَ مُحاميون في تلك الفترة عدم جواز قُبُول التّسويات المالية في الحق العام، باعتبار أنّ التّسويات باطلة وغير صَحيحةٍ ولا تُعيد الحق العام الذي تعرّض للنهب، فَضْلاً عن عدم جواز قُبُولها وإنفاذها بواسطة الجهات الأمنية (جهاز الأمن والنيابة)، مع التّشديد على ضرورة عرضها للقضاء باعتباره الجهة المُختصة والتي تُقرِّر إن كان هذا المال عَامّاً أم خَاصّاً.

 

تقرير: أم سلمة العشا

(صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى