تحقيقات وتقارير

(الوطني) والحكومة.. (الفطام ).!

على نحو مباغت، وجد المؤتمر الوطني الذي لازمته صفة الحزب الحاكم سنوات طوال، نفسه مجرداً من تلك الصفة التي حازها عبر الانقلاب العسكري على الديمقراطية الثالثة. فقرارات الرئيس الأخيرة جردته من حكم الولايات جملة وتفصيلاً، كما خطا الرئيس الخطوة الكبرى في ابتعاده عن الحزب، والتعامل معه كسائر الأحزاب الأخرى، التي شاركت في الحوار، وتلك التي دعاها لحوار ثانٍ، بجانب القوى المسلحة التي بسط لها رقاع الدعوة للعودة لطاولة التفاوض مجدداً وبتفويض صلاحياته لأحمد هارون الذي اعتمده المكتب القيادي للحزب نائباً له، يمضي الرئيس خطوة جوهرية في الانفصال عن الوطني، لذا كان مقدراً أن تثور ثائرة التكهنات حول مستقبل المؤتمر الوطني. فقضى بعضاً منها بأن جمع الوطني سيؤول من بعد مفارقته لكرسي السلطة والحكم إلى شتات، بينما يدل الوطني على تاريخه الممتد، والمزالق التي اجتازها دون أن ينفرط عقده وتتبعثر حباته. فهل تصدق التنبؤات بزوال الوطني أم تصدق تطلعات قادته ومنسوبيه باستمراره؟.

في ذمة الله

مستشار رئيس حزب الإصلاح الآن أسامة توفيق دوَّن في صفحته على (الفيس بوك) في تعليقه على خطاب الرئيس بالجمعة قبل الماضية (في ذمة الله المؤتمر الوطني)، وعندما هاتفته (الإنتباهة) أمس للوقوف على الأدلة التي استند إليها في رؤيته تلك، أكد رأيه ذلك بالقول إن المؤتمر الوطني إلى زوال، لأنه حزب شمولي مرتبط بالدولة، ومتى ما انهارت الدولة أو انفصل عنها انهار الحزب. وضرب أمثلة بحزب الاتحاد الاشتراكي في عهد الرئيس السابق محمد جعفر نميري، والحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، والحزب الوطني الديمقراطي في مصر في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، وما حدث الآن، أن رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني قد تخلى عن الحزب في خطابه الفائت، والذي قال فيه إنه ومن منصة قومية سيقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب، وبحل الحكومات وتعيين كل الولاة من القوات النظامية، مما يُعدُ فصلاً تاماً بين الحزب والدولة. فالوالي في السابق كان هو رئيس المؤتمر الوطني، وكذلك المعتمدين كانوا رؤساء للحزب في المحليات، وبذا يكتمل فطم الوطني من الدولة وإغلاق (بلف التمويل) من الدولة. وأضاف بأن طلاب الوطني يمتطون سيارات كامري موديل 2018، في هذا السياق أشير إلى أن أحد أعضاء القطاع السياسي بالوطني في حديث لي معه حول مشاركة أبناء المسؤولين بالحزب والحكومة في المظاهرات ضد نظام آبائهم؟ قال لي إن قطاعات الطلاب والشباب في الحزب لم تعد تهتم بالطلاب والشباب وقضاياهم، فقد انصب تركيزهم على السلطة.
أوردت (الإنتباهة) الأسبوع الماضي خبراً يفيد بأن الحكومة بصدد التخلي عن منصب المعتمد وإبداله بالمدير التنفيذي، من باب تقليل الإنفاق والاتصال المباشر بين الوالي والمدير التنفيذي. وبذا يكون الرئيس قد أغلق منافذ التمويل أمام المؤتمر الوطني تماماً، وذلك على طريقته في الخطاب الشهير (أقفل البلف يا عوض)، والمعنى بلف مرور نفط دولة جنوب السودان عبر الأراضي السودانية إلى ميناء بورتسودان للتصدير، إبان اشتعال النزاع بين البلدين.

مفاصلة بالتدريج

وبالعودة إلى مستشار رئيس الإصلاح الآن توفيق، فهو يرى أن ما حدث في خطاب الرئيس هو مفاصلة كاملة الدسم، على غرار مفاصلة الرابع من رمضان 1999 التي أبعد فيها شيخ الإسلاميين د.حسن عبد الله الترابي من الحكم، ولكن الرئيس استفاد من تجربة الماضي ومضى لإنفاذ المفاصلة بالتدريج، فهو في خطاب الجمعة قال إنه سيقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب، وفوض سلطاته في الحزب لأحمد هارون، ربما بغرض تكسير المؤتمر الوطني و(فرتقة) دولته العميقة لمصلحة حزب جديد سيتم تكوينه لاحقاً، وذهب إلى أن الخطوة الثالثة قد تكون هي الاعتقال لكل من يحاول مجابهة هذه الإجراءات.

قيادة بالوكالة

يذكر أن موعد المؤتمر العام للوطني كان في أبريل المقبل، ولكن التطورات التي حملها خطاب الرئيس دفعت الحزب لتأجيل مؤتمره إلى شهر أغسطس المقبل، كما جاء في أخبار الصحف. وتعد هذه هي الخطوة الرئيسة الثانية للرئيس في الانفصال عن المؤتمر الوطني .
اشتراطات
أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية بروفيسور علي حسن الساعوري اختار موقفاً وسطياً تجاه مسألة بقاء الوطني أو زواله، فهو اشترط لاستمراريته كحزب أن ينفذ بعض المراجعات، منها أن يراجع تنظيمه كحزب، ويراجع سياساته ، ويراجع قياداته، ويراجع قواعده الشعبية. وأضاف في حديثه لـ (الإنتباهة) إذا لم تتم تلك المراجعات وبالطريقة الصحيحة، فإن المؤتمر الوطني لن يكون موجوداً في الفترة المقبلة. وبسؤاله عما إذا كان قراءاته للواقع والأحداث تفيد بأن الوطني سيقوم بتلك المراجعات أم لا؟ أجاب الساعوري أن الوطني لم يبدِ أي تعليق ولم تبدر منه أية بادرة عقب مبادرة الرئيس في خطاب الجمعة، وأضاف أن الوطني بعد عشرين عاماً من تكوينه ومغادرة الرئيس له، عليه أن يقوم بتلك المراجعات وإلا فإنه سينسحب من الساحة السياسية.

خيالات وأمان

إذن.. تلك هي رؤى بعض القيادات التي غادرت الوطني والخبراء السياسيين فلعضو المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني أمين حسن عمر رأي مغاير، فهو يرى في أن الحديث عن زوال حزبه مجرد أماني لمن يحب أن يؤول أمرنا إلى ذلك، مشيراً إلى أن الجبهة الإسلامية كانت الكتلة الثالثة في البرلمان وهي في المعارضة قبل أن تستلم السلطة، واستمر حزبها (الوطني) لسنوات طويلة في المسرح العام والسلطة، وبالإشارة للاتحاد الاشتراكي قال أمين: من يظن أن الوطني حاله مثل حال الاتحاد الاشتراكي، فهو ممن يمنون أنفسهم بالأماني بتلاشي المؤتمر الوطني، فالاتحاد الاشتراكي لم يكن سوى أفراد متنوعين حول رجل، أما الوطني لم يكن ولن يكون أفراداً لا يجمعهم إلا الطواف حول رجل، والآن المؤتمر يهيئ نفسه لتحالفات واسعة في الانتخابات.

جبهة أخرى

وعلى صعيد مقارب أوردت الزميلة (الأخبار) أن المؤتمر الوطني يتجه لتغيير اسمه، والانفتاح على القوى السياسية الأخرى، ذات المرجعيات الفكرية والقيمية المشتركة، والإعلان عن تأسيس حزب جديد يمثل غالبية القوى السياسية، بما فيها بعض العائدين من التمرد، بعد التوقيع على اتفاقية السلام، وخوض الانتخابات القادمة، تحت لواء الحزب الجديد .
إذن.. فإن خطاب الرئيس الذي يؤسس لمرحلة جديدة في علاقته بالمؤتمر الوطني، ولمرحلة مغايرة للوطني نفسه في ظل ابتعاد الرئيس عنه، يشير إلى إنهاء عهد سيطرته على الدولة ليصبح حزباً كسائر الأحزاب الأخرى، مع فارق أنه الحزب الذي أمضى أطول حقبة في حكم البلاد. إذن.. هو أمام واقع جديد يواجه معه تحدي أن يكون أو لا يكون، فإما أن تتحقق كل النبؤات التي تفيد أنه سيطير شعاعاً من بعد الدولة التي سيطر عليها نحو ثلاثين عاماً، أو أنه سيخالف كل تلك التوقعات ليشق طريقه في المرحلة القادمة ويثبت وجوده كحزب..

تقرير : ندى محمد أحمد

الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى