تحقيقات وتقارير

الفريق أول بكري ..ترجل فارس

باستثناء المشير عمر البشير، يظل بكري حسن صالح العضو الوحيد الذي ظلَّ في دائرة الفعل السياسي من أعضاء مجلس قيادة الثورة، بعد أن غيب الموت الزبير محمد صالح وإبراهيم شمس الدين وبيو يوكوان، وتوارى عن الأنظار التجاني آدم الطاهر، وذهب عثمان أحمد الحسن وابتعد فيصل مدني مختار، واحتفظ صلاح كرار بوجود هامشي، وكذلك إبراهيم نايل إيدام، وآثر محمد الأمين خليفة البقاء بجوار شيخه د. حسن الترابي، وأبعدت الموازنات وصراعات مراكز القوى كل من مارتن ملوال وسليمان محمد سليمان ودومنيك كاسيانو.

 

النشأة

بكري الذي أطلق صرخته الأولى بقرية حفير مشو شمال دنقلا بالولاية الشمالية في العام 1949م، يصغر الرئيس البشير بحوالي خمسة أعوام، درس بمدرسة الحفير الأولية الصغرى، وأكمل المرحلة الأساسية بمدرسة أبرسي الأولية البرقيق الوسطى، خريج الكلية الحربية الدفعة (24) وتخرج فيها برتبة الملازم وعمل في عدة مواقع مختلفة، له ثلاثة أبناء وابنة واحدة.. وكان والده يعمل في مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، تنقل في طفولته ما بين الإسكندرية أقصى شمال مصر على البحر الأبيض المتوسط، والحفير شمال مدينة دنقلا، خاله د. عبد الوهاب عثمان وزير المالية السابق، وأسرته مشهورة بالتديُّن.. وهو نفسه يتردد باستمرار على دار مرشد السادة الأدارسة بمدينة أرقو بالولاية الشمالية.

بعيداً عن التهميش

شارك في الإعداد والتخطيط لانقلاب الإنقاذ في 1989م، وهو عضو مجلس قيادة الثورة الوحيد الذي ظل بعيداً عن الإقصاء والتهميش، حيث ظل بكري وحيداً في السلطة، وفي دائرة الفعل السياسي طوال مسيرة الإنقاذ، وحاضراً في تشكيل أي حكومة، ومعه الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، الوحيدان المتبقيان من ضباط وقادة مجلس ثورة الإنقاذ الوطني المتبقيان على سطح الأحداث، ولم يتم اقصاؤهما أو تهميشهما، ويتبوآن مناصب دستورية إلى جانب الرئيس المشير البشير، في 9 ديسمبر 2013م تم تعيينه نائباً أول لرئيس الجمهورية، وفي 2 مارس 2017م تم تعيينه رئيساً للوزراء، ونائباً أول لرئيس الجمهورية، كأول رئيس وزراء في حكومة الإنقاذ حتى 11 مارس 2018م، وبعد حل حكومة الوفاق الوطني احتفظ بكري بمنصبة كنائب أول لرئيس الجمهورية رغم استبعاده من حقيبة رئاسة الوزراء.

علاقته بالحركة الإسلامية

بدأ علاقته بالحركة الإسلامية من مدرسة دنقلا الثانوية، عمل بكري فور تخرجه في مصلحة الغابات، قبل أن ينضم للكلية الحربية الدفعة (24)، لتبدأ مسيرته في التنظيم الخاص بالضباط الإسلاميين منذ بداية الثمانينيات، السكرتير الصحفي السابق للرئيس محجوب فضل بدري في لقاء سابق، أكد على أن علاقة الفريق أول بكري بالحركة الإسلامية قديمة ووطيدة، حيث يقول: إذا كان الفريق أول بكري حسن صالح قد ختم مسيرته العسكرية بأعلى رتبة وهي (الفريق أول)، فإنه توَّج عمله التنظيمي في الحركة الإسلامية بموقع نائب الأمين العام للحركة الإسلامية، التي بدأ علاقته بها من مدرسة دنقلا الثانوية، يسبقه بعام دراسي الشهيد كمال علي مختار، ويليه بعامين دراسيين مكاوي محمد عوض.. يزامله رفيق دربه الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين، والبروفيسور النجيب سليمان، محجوب فضل يصفه بأنه: صبور وصامت، وحليم ومتواضع وصاحب طرفة (ومدِّبر مقالب).. في أواخر العام 2012 اختار مجلس شورى الحركة الإسلامية بكري ضمن أربعة نواب للأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، إلى جانب حسبو محمد عبد الرحمن، ورجاء حسن خليفة، وحامد صديق.

البعد عن الأضواء

قال عنه الصحفي أسامة عوض الله، بكري ظل بعيداً عن دائرة الأضواء.. وكذلك ظل بعيداً عن الحركة الإسلامية.. فالرجل لا أتذكر له حواراً صحفياً أجري معه، ذلك لزهده عن الأضواء، وبعده عن الإعلام ، فهو ممن يعملون في صمت.
دوره في الانقلاب
يقول عنه محجوب فضل بدري في مقابلة صحفية سابقة لم يكن بكري حسن صالح عضواً فحسب في مجلس قيادة انقلاب الإنقاذ الوطني، إنما كان له دور كبير ومؤثر في نجاح الانقلاب.. وعن ذلك يحكي الأستاذ محجوب فضل بدري “في صبيحة الثلاثين من يونيو من العام 1989م، وعند الساعة الثانية إلا ربعاً قام المقدم بكري حسن صالح بتأمين دخول قائد الثورة بالبوابة الشرقية للقيادة العامة إلى وحدة القوات الخاصة.. وكان دوره مفتاحياً لتأمين القيادة العامة بسرايا الاستعداد، ودبابتين من طراز تي (55)، وكان العضو الأبرز في اللجنة الأمنية العليا التي رأسها الشهيد الزبير، وضمت إليهما عبد الرحيم محمد حسين، واللواء الهادي عبد الله، ويضيف: قاد بكري جهاز الأمن الوطني في أحلك الظروف التي مرَّت بها البلاد، وتولّى حقيبة الداخلية والدفاع ورئاسة الجمهورية لأكثر من مرة.. وأمسك بملف جبال النوبة بعد الاتفاقية الخاصة بها.. ورعى قضايا الضباط المعاشيين وقدامى المحاربين.. ومثل دائرة دنقلا في المجلس الوطني.

رئاسة جهاز الأمن

بعد نجاح انقلاب الإنقاذ في الثلاثين من يونيو من العام 1989 م كان أول منصب دستوري يتبوأه بكري هو عضوية (البرلمان) والذي تمت تسميته آنذاك (المجلس الوطني الانتقالي) وذلك في الفترة من العام 1992 م 1996م، وفي المجلس الوطني الانتقالي تولى بكري مسؤولية نائب رئيس لجنة التنمية والخدمات، وفي بدايات انقلاب الإنقاذ تولى بكري مسؤولية رئاسة جهاز الأمن ثم بعد ذلك تنقل بين عدد كبير من المناصب حيث تبوأ مناصب: وزير الداخلية.. وزير رئاسة الجمهورية لأكثر من مرة.. وزير الدفاع .

بعيداً عن الصراعات

في معظم الصراعات والنزاعات التي نشبت داخل أجهزة سلطة الإنقاذ ظل الرجل بعيداً عنها على الأقل ظاهرياً، ولكن قطعاً له مواقف وآراء في كثير من الملفات الحساسة في داخل الحلقة الضيقة التي تصنع القرار في الدولة وفي الحزب، ولعل من المواقف النادرة التي ظهر فيها دور الرجل على السطح موقفه من مذكرة العشرة الشهيرة، حيث كان هو العسكري الوحيد الذي وقع عليها، وذكر أمين حسن عمر في حوار صحفي سابق “موقف بكري من المذكرة، وقال: (ذهب الإخوة الأربعة بالمذكرة إلى الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية، بغرض تحديد موعد لهم مع الرئيس. لكن الفريق بكري قال لهم لن أسمح لكم بمقابلة الرئيس إلا بعد معرفة الموضوع، وعندما تم اطلاع الفريق بكري على موضوع المذكرة، قال لهم: إذا كان هذا هو الموضوع فأنا أؤيد هذه المذكرة)، وهكذا أصبح الفريق بكري الرجل الخامس في مذكرة العشرة.
وقال البروفيسور الطيب زين العابدين في مقابلة سابقة: مذكرة العشرة وتوقيع بكري عليها كان أمراً مستغرباً فهو العسكري الوحيد الموقع عليها.

طالب بإحالته للتقاعد

ويختتم السكرتير الصحفي السابق لرئيس الجمهورية حديثه بالقول: بكري الذي أعرفه كما أعرف أبنائي وإخواني أزهد مَا يكون من المناصب التنفيذية.. ويضيف أشهد الله إنه اجتهد وسعى منذ عدة سنوات ليُحال على المعاش ليقضي شيخوخة آمنة في (طينه ونخيله)، ويعود لمسقط رأسه .

الأيام الأخيرة

لكن المتابع لنشاط بكري في الأيام الأخيرة، نجد أن نجمه بدأ في الانزواء إن لم يكن قد اختفى، وفسر العديد من المتابعين للشأن السياسي أن إبعاد الرجل من منصب نائب أمين الحركة الإسلامية كان تمهيداً لخروجه كذلك من القصر، كذلك فإن الرئيس البشير نفسه قد أكد في لقاء تلفزيوني سابق مع الأستاذ حسين خوجلي رداً على سؤال الأخير عن تقلب شخصيات بعينها في المناصب منذ مجئ الإنقاذ، ألمح إلى مغادرة ما تبقى منهم في إشارة إلى بكري حسن صالح وعبد الرحيم محمد حسين، ويرى مراقبون أن بطء الملفات التي أوكلت للرجل خاصة ملف إصلاح الدولة رغم بعض النجاحات النسبية التي حققها في ذلك الملف، هي ما عجلت برحيل الرجل، بخلاف تدهور الأوضاع الاقتصادية بالبلاد إبان توليه لحقيبة رئيس الوزراء، بسبب استعانته بشخصيات دون الطموح، وذوي قدرات ضعيفة خاصة لوزارة المالية .

تقرير:عمر دمباي

الخرطوم (صحيفة آخر لحظة)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى