تحقيقات وتقارير

إضراب الأطباء.. المحددات القانونية والأخلاقية

 

أصدر المجلس القومي للتخصصات الطبية، وثيقةً أو إقرارًا، على فرضية أن يوقّع عليه الأطباء المنضوون تحت لواء المجلس أو نواب الاختصاصيين، الوثيقة تؤكد أن الامتناع عن تقديم الخدمة الطبية للمريض بأي درجة يعتبر عملاً يتنافى ويتعارض مع ممارسات المهنة، وأن الامتناع عن العمل التدريبي للأطباء ربما تسبب في ضرر يصل إلى أن يؤدي بحياة المريض.

ووفقاً للوثيقة، تطالب الطبيب بالإقرار بتأدية واجباته كاملة نحو المرضى، وأنه في حال عدم القيام بتلك الواجبات، يعتبر الطبيب عرضة للقانون. غير أن عدداً كبيراً من الأطباء يعتبرون الوثيقة لا تتماشى مع آداب وسلوكيات المهنة، وأن المجلس كجسم مسؤول فإن الإضراب الذي نفذه الأطباء والحراك الموجود في الشارع يعتبر جزءاً أصيلاً منه، واعتبروا أن إقرار المجلس لا يصلح أن يخاطب به تلاميذ رياض الأطفال ناهيك عن أطباء.

معارضة المجلس

غير أن مجلس التخصصات الطبية كجهة مسؤولة عن الأطباء وعبر إدارات متعاقبة لم تجد الرضا من قبل الأطباء، وكان الأطباء قد وصفوا مديري الإدارة قبل السابقة بالديناصورات، وأنهم متشبثون بالمجلس ولم يعطوا سانحة للأجيال الجديدة لقيادة المجلس. وذات الإدارة كانت قد عاصرت إضراب الأطباء في العام 2010، وكان الأطباء يقفون حيال تلك الإدارة موقف المعارض، وانتقدوا كافة سياسات مجلس التخصصات الطبية، بما في ذلك فرض رسوم التسجيل للتخصص والتي اعتبروها باهظة، وأن المجلس لا يحافظ على أبناء الوطن ليترك خيار الهجرة الخيار الوحيد أمام الأطباء هرباً من المكبّلات التي يجدونها من المجلس.

وأكد خبراء الصحة أن 80% من الأطباء يتخصصون على نفقتهم الخاصة في الوقت الراهن، مؤكدين أن المجلس يعمل على لي عنق الحقيقة، واعتبروا أن الإدارة السابقة لمجلس التخصصات الطبية، كانت من أفضل الإدارات التي مرت على المجلس، وأنها من الإدارات التي وقفت مع الأطباء بخلاف الإدارة الحالية، برئاسة بروفيسور حسن أبوعائشة، مؤكدين أن الأطباء لا يتوافقون مع الإدارة الجديدة، وأنها لا يحق لها أن تُصدر مثل تلك الإقرارات.

وأكد الخبير الصحي، سيد قنات في تصريح لـ(الصيحة) أن معظم الأطباء رفضوا الإقرار واعتبروه قراراً سياسياً لا يمت للعمل الطبي بِصِلة ولا بعمل الطبيب والمريض، على اعتبار أن الخدمة الطبية التي يقدمها الطبيب هو أدرى الناس بأهميتها، ولا يحتاج ذلك إلى إقرار منه.

وأشار قنات إلى أن الإقرار وجد رفضاً من الأطباء. وأضاف: (لا يوجد طبيب عاقل يوقّع على هذا الإقرار).

سيف مصلت

فيما اعتبر رئيس المجلس الطبي للتخصصات الطبية حسن أبوعائشة الوثيقة ممارسة طبية أخلاقية، وأن عدم التوقيع عليها لا يترتّب عليه إيقاع أية عقوبة على الطبيب، وشدّد على أن القضية لا تكمن في التوقيع على الوثيقة، بقدر ما هي عمل أخلاقي وصفه بالضروري.

واستطرد بأن القضية ليست سيفاً مصلتاً على الأطباء.

محاسبة جنائية

واختلف مدير الطب العلاجي، بوزارة الصحة الاتحادية الأسبق، بروفيسور يوسف السيسي، في الرأي مع سيد قنات، والذي أبدى اعتراضه على أي إضراب من قبل الأطباء يمس حياة الفقراء من المرضى مهما كان موقف الطبيب السياسي، إذ أنه لا يحق للطبيب الامتناع عن تقديم أي خدمة طبية للمريض سواء كان ذلك في المستشفى أو العيادة أو البيت، أو الشارع.

وعبّر السيسي عن رأيه الشخصي، وحرّض المرضى بأن لهم الحق في تقديم الطبيب للمحاسبة الجنائية والشكوى في المجلس الطبي السوداني في حال امتناع الطبيب من تقديم الخدمة الطبية، حتى يتم إيقافه وفقاً للقانون الجنائي السوداني، مؤكداً أن القانون الجنائي يحاسب الطبيب بالسجن 9 أشهر. وأعتبر السيسي أن الإضراب عن تقديم الخدمة الطبية يصل إلى حد التحريم، غير أنه اعتبر التوقيع على وثيقة مجلس التخصصات الطبية شأناً يخص الطبيب وحده، وله كامل الحرية بأن يوقع أو يرفض التوقيع على الوثيقة.

وعلّق السيسي على حديث الأطباء عن تدريبهم على نفقتهم الخاصة بأن وزارة الصحة تمنحهم حق التدرّب بمستشفياتها، وأن الطبيب مسبقاً أدى قسماً بتأدية الخدمة الطبية، وشدّد على أن العمل السياسي لا يمكن أن يزاوج بينه وبين تقديم الخدمة بأي حال من الأحوال، لجهة أن العمل بمهنة الطب عمل أخلاقي في المقام الأول، كما أن النواحي العُرفية تُنادي بتأدية الطبيب واجبه، فضلاً عن أن الأعراف ترفض حجب الخدمة.

وشدّد السيسي على أن الأطباء الذين يقابلهم في العيادة التي يشرف عليها جلهم من طبقة الفقراء والمساكين، واستنكر النحو الذي ينحوه بعض الأطباء إذ أنه في تقديره أن 90% من الأطباء يقدّمون الخدمة مجاناً، ووصف الأطباء الذين يمتنعون عن تقديم الخدمة بأنهم غير مسؤولين.

تعزيز النزاهة

رئيس منظمة الشفافية السودانية، د. الطيب مختار، قال إن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد واحدة من البنيات الأساسية للشفافية، السودان وقّع عليها في العام 2005، وصادق عليها في العام 2014.

وأشار في حديثه لـ(الصيحة)، إلى أن المادة 8 من الاتفاقية عنوانها “مدونات قواعد سلوك للموظفين العموميين”، والتي تقول المادة الأولى منها، إنه: من أجل مكافحة الفساد، تعمل كل دولة طرف على تعزيز النزاهة والأمانة والمسؤولية بين موظفيها العموميين وفقاً للمبادئ الأساسية للقانون، وأن المادة الثانية تقول إنه تسعى كل دولة طرف إلى أن تطبق ضمن نطاق نظم المؤسسية والقانونية، مدونات أو معايير سلوكية من أجل الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العمومية، وأضاف رئيس منظمة الشافية أن المادة الخامسة تقول: تسعى كل دولة طرف عند الاقتضاء وفقاً للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي إلى وضع تدابير ونظم تُلزم الموظفين العموميين بأن يتسموا بالمهنية بما لهم من أنشطة خارجية، وعمل وظيفي واستثمارات وأموال وهبات، أو منافع قد تفضي إلى تضارُب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين. ويمضي الطيب في سرد المادة 8/6 التي تقول (تسعى كل دولة طرف إلى أن تتخذ وفقاً للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي تدابير تأديبية أو تدابير أخرى ضد الموظفين العموميين الذين يخالفون المدونات أو المعايير الموضوعة.

تقرير: ابتسام حسن

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى