الطيب مصطفى

اللاعبون بالنار .. نماذج من أزمتنا الأخلاقية (6)

ونواصل استعراض مواقف اللاعبين بالنار من القوى والأحزاب السياسية التي تبنت شعار إسقاط النظام بغض النظر عن مآلات ذلك حتى لو كانت عاقبته الصوملة والسورنة وإغراق البلاد في الفوضى بعد تقتيل شعبها وتدمير بنياتها وتشريد مواطنيها في أرجاء الدنيا.

من أولئك الذين فجروا في الخصومة خلال الأشهر القليلة الماضية السيدة إشراقة سيد محمود التي كانت قد انشقت من الحزب الاتحادي المسجل، وأرجو أن نعقد المقارنة بين موقفها المتطرف الحالي وموقفها السابق قبل أن تخرج من حزبها بل قبل أن تغادر المنصب الوزاري، فقد قالت إشراقة إبان فترة الاستوزار في حديث مسجل تلفزيونياً : (سقوط البشير يعني نهاية الدولة والحضارة السودانية) أما اليوم فقد غدا البشير شخصاً آخر مغايراً تماماً لذلك الذي تيمت به وأعجبت بعد أن تبنت ضمن آخرين إسقاط الرئيس البشير بل كانت ممّن انخرطوا في (الجبهة الوطنية للتغيير) التي كونت مؤخراً بزعامة مبارك الفاضل المهدي وغازي صلاح الدين والتي تنادي باقامة نظام حكم جديد على أنقاض النظام القائم اليوم يشمل إبدال المجلس الوطني الحالي الذي تشارك إشراقة في عضويته بمجلس نواب جديد يتم تعيينه.

الغريب أن إشراقة لا تزال جزءاً من المجلس الوطني الحالي الذي تطالب بإسقاطه بدون أن تقول لنا أو تقول الجبهة الجديدة التي تنتمي إليها كيفية اختيار أعضائه أو تعيين المؤسسات البديلة الأخرى بما فيها المجلس الرئاسي ومجلس الوزراء اللذين يطالبون بهما كبديل للمؤسسات القائمة، كما لا يعرف أحد الجهة التي استمدت منها المؤسسات البديلة مشروعيتها.

بضعة أحزاب تمنح نفسها الحق في إسقاط نظام حكم شرعي ومخرجات حوار انتظمت في إعدادها معظم القوى والأحزاب السودانية واستغرق ذلك ما يقرب من ثلاث سنوات بينما تضع تصوراً اجترحته على عجل وتطلب فرضه على شعب السودان.

قبل يومين أوردت تصريحات السيد مبارك المهدي عن موازنة 2018 الكارثية التي تسببت في الأزمة الاقتصادية الحالية وأحدثت الحراك والاحتجاجات الجماهيرية الأخيرة، فقد وصف مبارك تلك الموازنة التي أسهم في إعدادها عندما كان نائباً لرئيس الوزراء بالتالي :(ميزانية صحيحة وسياسات صحيحة ستؤدي إلى مكافحة التضخم والتشوهات الموجودة في الاقتصاد السوداني).

قارنوا بربكم بين أقوال مبارك المهدي وإشراقة قبل أن يغادرا موقعيهما الرفيعين في الجهاز التنفيذي ومواقفهما الحالية الفاجرة في الخصومة لتدركوا حجم الأزمة الأخلاقية التي تعاني منها السياسة في السودان والتي لن ينصلح واقعنا السياسي ما لم تنصلح وتستقيم.

حكيت لكم بالأمس عن تصريحات الأستاذ كمال عمر البرلماني القيادي بحزب المؤتمر الشعبي والذي قال لإحدى القنوات الفضائية إنه لا مخرج من الأزمة الاقتصادية الحالية إلا (بتنحي النظام وقيام وضع انتقالي كامل) .. يقول ذلك ويطالب بإسقاط الحكومة بالرغم من أن حزبه يشارك في أعلى هرم السلطتين التنفيذية والتشريعية وبالرغم من أن الأمين العام المكلف للحزب الأمين عبدالرازق قد أعلن عن مساندته للحكومة التي يشارك حزبه فيها!

تحدثت في مقال الأمس عن منشأ (مشاترة) كمال عمر التي ظل يمارسها كل حين منذ أن تخطاه التشكيل الوزاري الذي لطالما منى نفسه بشغل أحد مناصبه.

تلك نماذج من (الخرمجة) السياسية المحزنة التي تعاني منها بلادنا ومن سلوك بعض قياداتنا السياسية التي ترفع عقيرتها وتصرخ صباح مساء مطالبة بالإصلاح بالرغم من علمها أن فاقد الشيء لا يعطيه.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى