صلاح الدين عووضة

اللهم !!

*اليوم نصيغ فقط…ولا نكتب..

*ليس لنا من كلمتنا هذه سوى أجر الصياغة…إن لم يكن أجر آخرة فدنيا..

*أما بطل الفكرة فجار بالمسجد…في صلاة جمعة أمس..

*وكان الإمام ذا وجه كئيب…بل وكأنما تبدت كل هموم الدنيا – وعذاباتها – فيه..

*ولم نُفاجأ حين جاءت خطبته منسجمة مع تعابير وجهه..

*كانت كلها عن الموت…والسكرات…والسؤال…والعذاب…ونار جهنم..

*فنهض أحد المصلين خارجاً…وتبعه ثانٍ…فثالث..

*وكل منهم يشيح بيده…ونظرات الجالسين تشيعهم لحد الباب..

*وكل منهم كانت ملامح وجهه كئيبة أيضاً…وكأني بلسان حالهم يقول (مش ناقصين)..

*وراودتني نفسي على الخروج مثلهم كذلك….لولا..

*لولا إنني تذكرت أن أقرب مسجد مجاور كنت قد هربت من إمامه جراء التكرار..

*فكل جمعة ليس عنده ما يقوله سوى صفات ذات الله..

*ثم لعن المعتزلة الذين جعلوا من كل صفة من هذه الصفات ذاتاً لله..

*والمصلون المساكين يكادون يلعنون ذواتهم…ويغفون..

*ثم ختم ذو الوجه الكئيب خطبته – أخيراً – بالدعاء الذي يُستهل بمفردة (اللهم)..

*فإذا بجاري على اليسار يزمجر فجأة (اللهم زهجنا)..

*ولحقت به عقب الصلاة لأعرف سبب زهجه…بالضبط..

*وهذه عادة فضولية قد تبدو غير مستحبة…ولكني لا أقول (اللهم زهجت منها)..

*وعرفني بنفسه بدءاً…موظف أُحيل للتقاعد بأمر الصالح العام..

*ولكن ليست هذه هي المشكلة حسب قوله….ولا يحمل في نفسه ضغينة..

*وإنما زهجه – يقول – بسبب حال البلد (الواقف)..

*ثم يستطرد غاضباً (واقف؟…….ياخي يا ريت……ده راجع لورا)..

*ويذكر في فورة غضبه بعض دول استقلت بعدنا…وفاتتنا..

*ويصيح فجأة (ياخي خليك من ديل…رواندا دي مش كان فيها حرب أهلية؟)..

*فأومئ موافقاً ليواصل (أها…رواندا دي ذاتها فاتتنا الآن)..

*ويصمت ريثما يبصق بلغماً تجمع في حلقه…ويرمق وجوه آخرين التفوا حولنا..

*وكانت كلها كئيبة…فبدا مرتاحاً لهذا التوافق المزاجي..

*ثم يتابع (ونحنا نرقص ونغني…ونفرح ونمرح…ونسافر كل يوم من بلد لبلد)..

*ويضيف (والمصيبة أنهم ما يحسسونك أنهم حاسين بأي شيء)..

*ويمضي (مفيش مجرد إحساس ؛ لا بالناس…لا الأزمات…لا انهيار البلد)..

*وتركته ومضيت….وهو ما زال يتكلم بحرقة..

*وسمعته يقول من خلفي (والله عدم إحساسهم بالحاصل ده هو اللي مزهجنا أكتر)..

*ثم لم أعد أسمع من صوته سوى مفردة (اللهم)..

*وبدا واضحاً إنه يدعو ؛ ولكن بأي شيء…وعلى أي شيء…وفي أي شيء؟..

*لا أدري طبعاً لبعد المسافة…وما أكثر مسافاتنا التي بعدت..

*بعدت عن كل الذي جعل حتى دولاً مثل رواندا وإثيوبيا تفوتنا بمسافة..

*ونحن مشغولون بأزمات من شاكلة (الرغيف)..

*و………اللهم !!.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى