صلاح الدين عووضة

و… فارَق !!

*كان سكوناً عجيباً في تلكم الليلة..

*وذلك قبل سنوات عديدة خلت… وكان يوم تهيؤ لرمضان..

*كنا أربعة في مقتبل الصبا ؛ ونتعاطى مُقبِّلات أحلامٍ مشروعة زاداً لمقبل الأيام..

* أنا… وهشام… ومعتصم… ومجنون (ليلاه) صلاح..

*ومعتصم هو بطل كلمتنا هذه… وأمسيتنا تلك..

*كان في رقة نسيم الليلة المذكورة ؛ أدباً… ولطفاً… وتهذيباً… وأناقةً..

*بيت أهله انتبذ مكاناً قصياً من بين بيوت الحي..

*واتخذ من دونها حجاباً نباتياً… كثيفاً..

*وعند خروجنا من داره – ليلاً – أبت دماثة خلقه إلا أن يرافقنا حيناً..

*وتطاول ذلك الحين بتطاول الشارع المحاط بالأشجار..

*كنا نمشي الهوينى ؛ والدرب – بفعل سحر الليل – يطول… وتطول أشجاره..

*وتطول أيضاً أشباحه ؛ حتى لتكاد تعانق ظلمة السماء..

*وافترع أحدنا – فجأة – فكرةً شرخت مرآة الصمت… وتماهت ورهبة ذياك المساء..

*ومن غيره – معتصم – صاحب الخواطر الفجائية المجنونة ؟..

*وهي أن يُغني كلٌّ منا أغنية لمن يحب من المطربين..

*وفي مصادفة غريبة كان هو – وشخصي – عاشقين لمطرب واحد ؛ أحمد المصطفى..

*وتمنَّعت بادئ الأمر… ثم أذعنت تحت وطأة إلحاحه..

*فقد كنت – وما زلت – ذا صوت تنفر منه الحمير… عند التغنِّي..

*وترنمت بمقاطع من أغنية (في سكون الليل)..

*فإذا بصوتي – ويا سبحان الله – ينطلق شجياً لأول – وآخر – مرة في حياتي..

*وربما كان لحنَ وداعٍ ينبعث من مكامن غيبية بداخلي..

*ولدهشتي أبصرت – في ضوء فانوس شارع ناعس – دمعاً يترقرق بعينيه الحزينتين..

*فصمتُّ ؛ وذاب صمتي في سكون الليل… والمكان..

*لم نكن نسمع – لبرهة من الزمان – سوى حفيف الشجر… على إيقاع نسيم متثاقل..

*ثم انفلت من حصار الصمت صوتٌ يترنم بأغنية (فارِق لا تلم)..

*كانت من بين كل روائع (العميد) الأغنية الأثيرة لدى معتصم..

*وطفق يردد مقدمتها مراراً (فارق لا تلم… أنا أهوى الألم)..

*وبعد أن بلغنا سدرة منتهى سكتنا – وفي نفس كلٍّ منا شيءٌ من حتى – افترقنا..

*وما كان في نفس صلاح محض ترف قياساً للذي بنفس معتصم..

*فالأول يحلم بليلاه المتمنِّعة عليه… والثاني يحلم بتغيير متمنِّع على الشعب..

*و(فارقنا) معتصم – بعد أيام – إلى موسكو… حيث يدرس..

*ومرت أيام وليالٍ… وكرَّ علينا ليلٌ ونهار… وحدث التغيير… وزالت (مايو)..

*وسكر معتصم بخمر الفرح الحلال من بعد المقبِّلات المشروعة..

*ولم يحتمل قلبه الرقيق تحمُّل (وطأة) السعادة..

*ومشى مشواره الأخير في سكة الحياة عند أوان مشوارنا المسائي ذاك نفسه..

*وفي سكون الليل….. فارَق !!!.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى