حوارات

رئيس حزب الأمة الفيدرالي أحمد بابكر نهار : الفساد “معشعش” في مرافق الدولة.. مثله مثل البصلة الفاسدة

 

أكد رئيس حزب الأمة الفيدرالي والوزير السابق الدكتور أحمد بابكر نهار، أن الفساد “معشعش” في مرافق الدولة، وقطع بأن رئيس الوزراء معتز موسى أو غيره إذا لم يضع يده على الجرح ويوجه أصبعه نحو الحقيقة فلن ينجح.

ويعتقد أن الحملة الحالية ضد الفساد إن لم تكن كلية فلن تؤتي أكلها، معتبراً أنها جزئية، مستدلاً بامتلاك جهة حكومية واحدة 169 شركة.

وقال نهار في حوار مع “الصيحة” إن اللجنة التي كونها لبحث قضية ملف هيثرو أثبتت وجود فساد، وأن الملف وضعه على منضدة وزارة العدل بكل مستنداته، مبيناً أن فصل النقل عن الطرق في عهده كان الهدف منه اختطاف المؤتمر الوطني لإنجازاته في الطرق، وفيما يلي نستعرض إجابات نهار على أسئلة الصيحة:ـ

*ترجلت أخيراً بعد خمسة عشر عاماً من الاستوزار، ألا ترى في ذلك أنانية منك باحتكارك المناصب على حساب كفاءات بحزبك؟

في البدء، لابد أن أزجي أسمى آيات الشكر إلى أسرة صحيفة “الصيحة” التي أعتبرها من كبريات الصحف بالبلاد من حيث المهنية والرصانة، أما فيما يتعلق بسؤالك، فإجابته تكمن في أنك إذا تتبعت مشواري تجد أنني عملت في خمس وزارات، وهذا يعني أن فترة الخمسة عشر عاماً لم تكن في وزارة واحدة، والتنقل أكسبني خبرة متنوعة، أفادتني كثيراً في مشواري، وأعتقد أن استمرار المسؤول في منصبه فترة من الزمن يساعده في تنفيذ برامجه.

*بالمقابل البعض يرى أن تطاول أمد بقاء المسؤول في المنصب يتنافى مع ضرورة التغيير؟

حسناً.. أذكر حينما كنت وزيراً للتربية والتعليم، وفي زيارة إلى مصر، التقيت وزير التربية الذي ظل في منصبه لأكثر من اثني عشر عاماً، وهذا يعني ضرورة إتاحة الفرصة كافية للمسؤول حتى تظهر بصماته.

*إذاً دعنا نسأل، ماذا قدمت خلال هذه الفترة الطويلة نسبياً وأنت وزير تنقل في خمس وزارات؟

لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال، ويمكنك أن تسأل من عمل معي، وفي هذا الصدد، أذكر أنه في التشكيل الوزاري قبل الأخير، حضرت إليّ مجموعتان من وزارتين، طلبتا مني إذا تم تخييري بأي من الوزارتين أن أوافق، وهم بالمناسبة أعضاء في المؤتمر الوطني.

*وما هما الوزارتان؟

التربية والتعليم، والنقل والطرق والجسور، وأيضاً تلميحات وصلتني من الإخوة في السياحة التي عملت بها من قبل، وهذا ربما يجيب على تساؤلك حول ماذا قدّمت.

*ربما لم يتم إعطاء الحزب حجمه الطبيعي من واقع شعبيته المحدودة؟

لا.. شعبية الحزب الكبيرة ظهرت في انتخابات 2015 وجاء في درجة متقدمة، وكان يفترض أن يأتي التمثيل موازياً لما حققه في الانتخابات من نتائج باهرة، وقلت للإخوة في المؤتمر الوطني أننا تعرضنا لظلم وأنه يجب أن يكون تمثيلنا حقيقياً في كافة المواقع خاصة الخرطوم.

*هذا يعني أنكم عاتبون على شريككم المؤتمر الوطني؟

عبّرنا عن موقفنا أكثر من مرة بوضوح وشفافية والإخوة في الحزب الحاكم تفهموا ذلك، وفي تقديري أن مشاركة قيادات حزب الأمة الفيدرالي في الحكومة لها دلالات، لجهة أن معظمهم إن لم يكن جلهم قادمون من الهامش، وبصفة عامة تجربتنا في الحكم والشراكة مع الوطني أعتبرها جيدة.

*توليت إدارة خمس وزارات، أين وجدت نفسك؟

هذا يتوقف على تركيبة الإنسان والمؤثرات، ولكن حينما كنت وزيراً للتربية والتعليم شعرت بأنني وجدت المكان الذي يمكنني أن أقدم فيه رغم أنني لم أكن متحمساً للمنصب حينما تم تكليفي به، ولكن وافقت مجبراً، فقد كنت أتولى منصب الأمين العام لحزب الأمة الإصلاح والتجديد قبل إنشاء حزب الأمة الفيدرالي، وبكل صدق وجدت قبيلة المعلمين رائعة ومتميزة، وقضيت معهم فترة رائعة، وكان لدينا برنامج وخطة نعمل على تنفيذهما، وتمنيت الاستمرار في المنصب لاستمتاعي بالمهمة وآراء المعلمين.

*ولكن مردودك في الطرق والجسور والنقل كان مختلفاً وشهدت فترتك نجاحات جيدة؟

عندما توليت أمر وزارة الطرق والجسور، واجهتنا تحديات كان لابد من النجاح فيها، وأسهمت في رفع همة فريقنا في ذلك الوقت، وكانت دافعاً لنا لبحث إمكانية النجاح، وفي تلك الفترة ذهبت عبر البر إلى أقصى الغرب والشرق رغم المخاطر الأمنية، ولكن لم نشعر ونهتم بها، بل انصب جل تركيزنا على تجاوز التحدي وتحقيق إنجازات.

*كنت رجلاً ميدانياً؟

نعم.. عملنا في وزارة الطرق كان يعتمد بشكل مباشر على الوقوف ميدانياً على المشاريع التي يجري تنفيذها وعدم الاعتماد على التقارير، وحتى على صعيد السكة حديد بذلنا جهوداً كبيرة، ففي عهدنا وبعد توقف لعقد ويزيد من الزمان عادت قطارات حلفا القديمة ونيالا للعمل، وكل هذا كان توفيقاً من الله تعالى، وقد شهدت فترتنا نجاحات كبيرة منها طريق الإنقاذ الغربي وغيره.

*ولكن محور “أم درمان- بارا” لم يشهد اهتماماً منكم في تلك الفترة؟

علي العكس ضربة البداية لهذا المشروع شهدها عهدنا وقصة تمويله تعود إلى أن جزءاً من القرض الصيني كان موجهًا لتشييد طريق الرنك ــ ملكال، وبعد انفصال الجنوب ذهبت إلي طريق “أم درمان- بارا” والذي وضعت له حجر الأساس في احتفال كبير في مدينة بارا، وللعلم تمويل هذا الطريق اتحادي.

*فاجأت رئيس الجمهورية بملف لم يتوقعه؟

أذكر عندما قابلته وأنا وزيراً للطرق والجسور أخبرته بأن المرحلة القادمة ستشهد افتتاح ستة مشاريع كبيرة أغلبها في الطرق وكبري سنار، فاستلم مني الأخ الرئيس الملف، وكان سعيداً، وقال إن هذا إنجاز كبير يمنح الحكومة دفعة سياسية كبيرة.

*رغم ما ترى أنها إنجازات قد تحققت في عهدك إلا أنه تم فصل وزارة النقل عن الطرق والجسور دون مشورتك؟

حينما تم إصدار هذا القرار كنت في مهمة عملية بطريق الفاشرــ كتم لتفقده.

*ما هي الحكمة التي كانت وراء فصل الوزارة؟

لا توجد أي حكمة في هذا القرار، إن كانت توجد حكمة لتم انتظاري حتى أعود من مهمتي الميدانية للتشاور معي.

*إلى ماذا تعزو ما حدث؟

أذكر أنه عقب انتخابات 2010 وأنا جالس مع أربعة من قيادات المؤتمر الوطني، وهم نافع علي نافع، عوض الجاز، الحاج آدم وإبراهيم أحمد عمر، الاجتماع كان بخصوص تشكيل الحكومة، وأشاروا إلى وجود وزارات محددة، أذكر أنني اخترت الطرق، ولاحقاً تمت إضافة النقل إليها بقرار من الرئيس.

*هذا يعني عدم قانونية فصل الطرق من النقل؟

نعم.. قلت لهم بعد فصل الوزارة كان عليكم أولاً الرجوع إلى قرار رئيس الجمهورية، لأن الوزارة كانت للطرق وتمت إضافة النقل.

*هل تعتقد لأنه في تلك الفترة كانت توجد الكثير من الطرق التي تم إنجازها وأراد المؤتمر الوطني خطف ثمارها؟

لا يوجد تفسير بخلاف ذلك، فقد شهدت تلك الفترة إنجاز الكثير من الطرق، وعقب فصل الوزارة اعتكفت بالمنزل وحضر وفد من المؤتمر الوطني، وقلت لهم “شيلوا الوزارة كلها” وأشرت إلى أنني اخترت الطرق، ولكن كان تركيزهم على”المكاوشة” على إنجازات الطرق، لأن النقل لم تكن فيها غير المشاكل الموجودة في “سودانير والخطوط البحرية” وغيرها فأرادوا أن يتركوها لي.

ـ هذا يعني اختطافهم لإنجاز بذلتَ فيه جهداً خاصة في الطرق؟

نعم. هذه هي الحقيقة رغم أن الإخوة في المؤتمر الوطني لا يرضون الجهر بمثل هذا القول، وحتى نكون أكثر صراحة، فإن الجهد الذي بذلناه خاصة الرحلات الشاقة عبر البر لأيام طوال والمخاطرة بحياتنا لن يستطيع وزير من المؤتمر الوطني أن يفعلها، ولا زلت أذكر رحلتنا من الجنينة إلى نيالا والحرب في دارفور على أشدها لتفقد طريق الإنقاذ، فقد عرضنا أنفسنا لمخاطر حقيقية، وأنجزنا مهمتنا ومثل هذه الرحلات لا يُقدِم عليها منسوبو الوطني.

*في فترتك بوزارة النقل أثرت قضية خط هثرو؟

عندما تولينا أمر الوزارة وجدنا معطيات تدل على وجود فساد في سودانير التي كنا نريد النهوض بها وحتي نفعل ذلك، كان لابد من معرفة مواقع الفساد والمشاكل لإيجاد الحلول، ومن أجل تقصي حقيقة ضياع خط هثرو كوّنا لجنة رفيعة المستوى تضم خبراء في كل المجالات، وواجهت هذه اللجنة متاريس كثيرة ومعاكسات لا حصر لها حتى لا تؤدي مهمتها ولكن تمكنت من إنجاز ما عليها.

*ما هي الجهات التي وقفت وراء المعاكسات والمتاريس؟

مجموعة كبيرة من داخل الحكومة وليس خارجها.

*وما هي النتيجة التي وصلت إليها اللجنة؟

اللجنة تمكنت من الحصول على مستندات كافية توضح حدوث فساد ووضعت ثلاثة تصنيفات للضالعين في هذا التجاوز، حيث رأت تحريك إجراءات قانونية ضد المجموعة الأولى، وأن تخضع المجموعة الثانية لمحاكمة مدنية، أما المجموعة الثالثة تتم محاكمتها إدارياً، وأصدرت خطاباً بهذا الخصوص، وأكدت أن خط هيثرو تم بيعه، ومجلس الإدارة يفترض أن يكون هو المسؤول عن كل ما حدث بسودانير.

*حملت الملف وقابلت الرئيس ونائبه علي عثمان محمد طه؟

نعم.. وطلبا مني المضي قدماً في هذا الملف عبر تمليكه لوزير العدل الذي كان هو أيضاً النائب العام في ذات الوقت، وبالفعل سلمته الملف جاهزاً ومكتملاً بكل مستنداته، وإلى هنا فقد توقفت مهمتي، وكنت فقط أقرأ للأستاذ الفاتح جبرة، وهو يضيف المزيد من “الواوات” عند سؤاله عن مصير خط هيثرو.

*ولماذا توقفت عند هذا الحد؟

هذه هي حدود صلاحياتي، فوزارتنا أنجزت المهمة وأثبتت وجود فساد في خط هيثرو، وتولت بعد ذلك الأمر وزارة العدل، توقفت لأن سودانير ليست ملكاً لشخص أحمد بابكر نهار الذي فعل ما عليه.

*حتي الآن لم يشهد هذا الملف جديداً، ما هي دلالات توقفه؟

ــ هذا سؤال صعب.. إجابته لدى الجهات العليا التي تمتلك حق استفسار النائب العام ووزارة العدل.

*حسناً… خلال فترتك وبخلاف خط هيثرو فجرت عدداً من الوزارات حقائق وأسراراً، هل كانت تزعج المؤتمر الوطني؟

نعم.. في بعض الأحيان كنا نرى ونلحظ عدم رضا من جانب أحبابنا في الوطني، وبذات القدر يوجد بينهم من يتفق معنا في طرحنا.

*هل كنت تتوقع تقليص نصيب حزبكم وإبعادك في التشكيل الأخير؟

نعم.. إلى حد ما، كنت أتوقع حدوث ذلك، فالأمر كان واضحاً، ونحن جزء من آلية الحوار التي قررت تخفيض أنصبة كل الأحزاب في الحكم، وحتى على المستوى الشخصي لم أكن حريصاً على الاستمرار.

*ماذا أضافت لك المشاركة، وماذا خصمت منك على الصعيد الشخصي؟

بكل تأكيد الإضافات كانت كثيرة ولا حصر لها أبرزها التعرف على إخوان وأحباب في الوطن، جميعهم على خلق ودين اشتركنا في حب السودان وخدمته، ووجدت من الذين عملت معهم والشعب السوداني كل الوفاء والاحترام، وفي ذات الوقت خصمت مني أسرياً واجتماعياً وصحياً بداعي السهر والإرهاق، وكذلك تأثرت أعمالي الخاصة التي ورثتها من والدي.

*كيف تنظرون إلى ترشيح البشير مجدداً لانتخابات 2020، وهل نتوقع أن يدفع حزب الأمة الفيدرالي بمرشح لمنصب الرئيس؟

سيعقد المكتب القيادي لحزبنا اجتماعاً في الأيام القادمة لبحث كل ما يتعلق بموقفنا من الانتخابات والترشيح لمنصب الرئيس وسيتم حسمها.

*ما هي حظوظ حكومة معتز موسى في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؟

بكل وضوح، رئيس مجلس الوزراء على المستوى الشخصي يتمتع بكفاءة جيدة، هو رجل مهذب وصاحب خبرات، ومن خلال تعاملي القليل معه أستطيع التأكيد على أنه يمتلك صفات ومقومات جيدة، ولكن أتوقع أن تواجهه الكثير من المطبات.

*ما هي؟

قلت من قبل ولا زلت متمسكًا بموقفي بأن الإصلاح الجزئي لن يخرج البلاد من أزماتها المتلاحقة، ولابد أن يكون شاملاً، إضافة إلى ذلك لابد من المحاربة الحقيقية للفساد.

*وهل محاربة الفساد الحالية ليست حقيقية؟

الفساد مثله والشجرة التي تريد التخلص منها، لا يمكنك بالتأكيد قطع فرع منها وترك الأجزاء الأخرى، إن كنت تريد التخلص منها، فلابد من اقتلاعها من جذورها.

*هل مكافحة الفساد الحالية جزئية وليست شاملة؟

أنت أدرى بالحقيقة، هل الحملة الحالية جزئية أم شاملة، ولكن دعني أجيب على سؤالك بحقيقة أن جهة واحدة في هذه الحكومة تمتلك 169 شركة، أليس هذا فساداً وهل يوجد أكبر منه، يمكنك بعد ذلك أن تحدد أن الحملة ضد الفساد كلية أم جزئية.

*نرجو التفسير أكثر؟

حسناً.. الفساد مستشرٍ، لذا لن تجدي نفعاً كل محاولات الإصلاح الاقتصادية والسياسية، الفساد “معشعش” في مرافق الدولة، مثله والبصلة الفاسدة.

*كان لك رأي واضح في موازنة هذا العام؟

نعم.. طريقة إعدادها كانت خاطئة، لذا لازمها الخلل الذي قامت عليه، كررت وجهة نظري هذه خمس مرات داخل مجلس الوزراء خاصة فيما يتعلق بالدولار الجمركي الذي وصفت زيادته بالكارثة والذي قاد البلاد إلى الأزمات الحالية، وأعتقد أن التراجع عن سعره الحالي أمر لابد منه.

*لم تجب على سؤالي، هل نتوقع نجاح معتز في مهمته؟

معتز أو غيره.. إذا لم يضع يده على الجرح ويوجه أصبعه نحو الحقيقة فلن ينجح.

حاوره: صديق رمضان

الخرطوم (صحيفة الصيحة)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى