ثم ضاع !!
*والعنوان مستمد من رائعة إدريس جماع..
*وهي ربيع الحب ؛ وفيها يقول : ثم ضاع الأمس مني… وانطوت بالقلب حسرة..
*ولكن الذي اتحسر عليه ليس جمال الحب – والمحبوبة – مثله..
*وإنما جميل الطباع… والصفات… والعادات… وبساطة المسلك الفطري..
*فالناس اليوم لم يعودوا كما في الأمس ؛ إلا قليلاً منهم..
*حتى الذين هم من الأمس هذا – ممن أعرفهم – ضاعوا مني… وما عدت أعرفهم..
*فقد تطبعوا بطباع اليوم – ذات المظاهر – وغدوا مسوخاً..
*ما عاد الكلام بالبساطة… ولا الضحك من القلوب… ولا التصرف على السجية..
*كل شيء فيهم تبدل… وتغير… وتحور… وتشوه..
*فليس الأمس السياسي والمعيشي والغنائي والرياضي والحياتي فقط الذي ضاع..
*وإنما حتى الأمس (الإنساني) انطوت بالقلب إزاءه حسرة..
*وعشيرتي نفسها لم يسلم غالبها من وباء المظاهر هذا ؛ فأمست غريبة عني..
*أو ربما أنا الذي أمسيت غريبا عنها ؛ لسنا على (الموجة) ذاتها..
*فبت أتردد ألف مرة عند محاولتي تلبية دعوات من تلقائهم..
*فهي تزيد من (غربتي) ؛ فلا أرى ما كنت أرى من تلقائية… وبساطة… وأُلفة..
*فالحنان مصطنع… والضحك متكلف… والضيافة (مرسومة)..
*وضاع كل الذي كان يضفي على مثل هذه (اللمات) حرارة المودة الصادقة..
*فهذا زمانٌ القابض فيه على (أصالته) كالقابض على الجمر..
*والقابض فيه على دينه كذلك ؛ كما في الحديث..
*فحتى الدين – للأسف – غشيته غاشية (اليوم)… فغلبت عليه نزعة المظهر..
*وضاقت أمامي خيارات التمتع بأريحية روح الأمس..
*ولم يعد هناك – من الأهل والمعارف – سوى ثلة من الأولين… وقليل من الآخرين..
*وامتنعت عن مصافحة اللاتي يمددن إليك يداً هامدة..
*ثم يسحبنها بسرعة سحب نشال لجيبك في مناسبة عقد زواج بالمسجد..
*وكففت عن مؤانسة الذين يلوحون في وجهك بمفاتيح سياراتهم..
*ثم يسألون عن أحوالك بطرف ألسنتهم… وأفئدتهم..
*وتوقفت عن تلبية دعوات المفاخرين – والمفاخرات – بالمأكل… والملبس… والمشرب..
*ثم لا ينسون – وينسين – إخبارك بسعر إيجار الصالة..
*وقبل أيام دعاني ابن خالي محمد محمود – معاوية – لوليمة إفطار (جمعة) بمنزلهم..
*وهو من أهل الأمس ؛ أصالةً… وبساطةً… وعفوية..
*فسألته عن المدعوين سواي ؛ تأميناً لنفسي من مفاجآت قد تعكر صفو المجلس..
*فأجاب : محمود عثمان… ومزمل صديق… وسيف حسن..
*فوافقت فوراً ؛ فهم من الأهل الذين ما زالوا (يمسكِّون) بكتاب الأمس الجميل..
*حيث لا تكلف… ولا تصنع… ولا مظاهر زائفة..
*ولكن خذلتني – في آخر لحظة – بطارية العربية ؛ فقد ضاع منها (أمسها)..
*كما ضاع الأمس مني !!!.