تحقيقات وتقارير

“ضرائب الانفصال” ما تزال سبب نكسة الاقتصاد أم أن للأمر أكثر من تأثير

يرجع الاقتصاديون في الحكومة كل أزمات البلاد الحالية إلى خروج نسبة كبيرة من النفط من موازنة الدولة بعد إعلان انفصال جنوب السودان، والمفارقة أن الدولة الوليدة نفسها لم تهنأ بعائدات البترول حيث تحول رفقاء السلاح إلى أعداء اليوم، والآن اقتربت الذكرى السابعة لإعلان انفصال دولة الجنوب، ما استدعى المراقبين إلى تفحص آثار هذا القرار المصيري على مستقبل السودان وراهنه، أما في الدولة المجاورة فإن الاقتتال الذي يأخذ طابعاً قبلياً في عديد من الأحيان لا يترك المجال للنظر إلى الأوضاع هناك بتأنٍ.

(1)
ولما كانت الأوضاع الاقتصادية هي الهم الشاغل الآن، فإن تداعيات الانفصال تمتد إلى تأثيرات متعددة، لا تتوقف في تناقص عدد السكان ولكنها تتوسع سيما في الجانب الاقتصادي، إذ كثيرا ما فرضت السيرة نفسها منذ تاريخها الأول الموافق العام 2011م، عندما اتخذت البلاد تدابير اقتصادية للخروج من أزمة الانفصال، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى استدعاء العبارة الشهيرة (البرنامج الثلاثي لاحتواء النتائج المتوقعة من انفصال الجنوب) وغيرها من العبارات التي تحكي عن إقرار الحكومة بحقائق تداعيات الانفصال على شمال السودان، وبعد انفصال الجنوب، لعل التغيير لم يكن كبيرا على المستوى الظاهري على الأقل، لأن الشوارع تمتلئ بأبناء جنوب السودان بملامحهم المميزة، سيما بعد اندلاع الحرب في بلادهم، وقرار الرئيس البشير باعتبارهم مواطنين، ونزوح أعداد كبيرة منهم إلى الولايات المتاخمة وإلى الخرطوم، وخلال الفترة الماضية اعترفت الحكومة رسميا ممثلة في وزارة الصحة إبان تفشي مرض الإسهالات المائية بانتقال المرض من جنوب السودان، بعد اندلاع الحرب الأهلية في الجنوب ونزوح عدد كبير إلى داخل البلاد عبر الولايات الطرفية، ودائما ما يحمل المعارضون حكومة الإنقاذ مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية بعد خروج البترول مع انفصال الجنوب، غير أن الثابت بقي رغم كل ذلك في احتفاظ معظم أو ربما أعداد كبيرة من الجنوبيين بمشاعر المودة والعشرة للشمال والعكس كذلك، على سبيل المثال في لقاء سابق لأحد المسؤولين المرموقين في سفارة الجنوب بالخرطوم كان أفصح بأنه لا يزال يحمل عشقا خاصا لفريق المريخ السوداني، ويتمنى انتصاره دائما في الداخل والخارج، وقد ظل هذا المسؤول يعبر عن هذا العشق للمريخ في مواقع التواصل الاجتماعي كلما مكنته السانحة المناسبة في المباريات التنافسية للمريخ، وهكذا حاولنا في الصحيفة أن نتناول تأثيرات الانفصال مع القيادي في المؤتمر الوطني ربيع عبدالعاطي، الذي ربما تكمن أهميته في أن مسؤولية حزبه عن العهد الذي شهد انفصال أكبر دولة أفريقية وعربية وتراجعها إلى المستوى الثالث في العالمين العربي والأفريقي، فضلا عن رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى الذي يعد علامة بارزة في انفصال الجنوب واتهامه بأنه كان سببا من أسبابه.

(2)
ولعل أكثر تأثيرات الانفصال، الأوضاع الاقتصادية المتأزمة التي تمر بها البلاد، ولعل القيادي المعروف في المؤتمر الوطني ربيع عبدالعاطي يعبر عن هذا المحتوى ولكن بطريقته الخاصة، حيث أكد أن الثأثيرات بدأت تحصل بعد سبع سنوات، مشيرا إلى أن فقدان البترول لم يكن بذات الأثر بعد انفصال الجنوب مباشرة، وأشار في حديثه لـ(اليوم التالي)الصادرة يوم السبت إلى أن اعتماد السودان على البترول في الفترات الأولى هو ما أدى لانعكاس الأمر بعد هذه السنوات من الانفصال، سيما أن البلاد لم تستثمر أو تستغل الإنتاج البترولي في ذلك الوقت في الاحتياجات الأساسية أو الزراعة أو تنمية الموارد، واصفا الأزمة الحالية بأنها تشبه تضخم ورم عند مريض كان يعاني من أورام خفيفة في البداية، ليكون سببا في وفاته، وتابع قائلاً إن فقدان الجنوب أثر على الدولة وعلى المجتمع بفقدان الموارد- فأصبحنا غير قادرين على الاستجابة لمطلوبات الدولة والمجتمع، وهذا كان من أكبر الآثام بحسب ما قال. وزاد أن انفصال جنوب السودان كان خصما على دولتي الجنوب والشمال، مشيرا إلى أن المضاعفات تبدو يوما بعد يوم أكثر مما كانت عليه، وفيما جزم بأن الأزمات خلال الأيام الماضية لا يمكن أن تعزل عن انفصال الجنوب، حذر من أن عدم وضع ترتيبات لإزالة آثار الانفصال في السنوات القليلة القادمة ستكوت آثار الانفصال مميتة جدا لدولتي السودان، منوها في ذات الوقت بأن هنالك تدابير وترتيبات تجري لإيقاف الأثر السالب لانفصال الجنوب، مشددا على ان الآثار أمنية واقتصادية وكثيرة جدا حسب وصفه، مشيرا الى أن الحدود التي تمتد الى أكثر من ألفي كيلو متر بين البلدين، تتسبب بشكل في أن لا ينتج الجنوب غذاءه، ويعتمد في احتياجاته اليومية على الشمال، ولا تذهب عبر المصارف والصيغ المعروفة في العلاقات بين الدول وإنما جميعها تهريب، واعتماد دولة الجنوب كليا في غذائها ومطلوباتها الحياتية على الشمال، فضلا على عدم الاستقرار فيها أثر أمنيا على السودان الشمالي، مشيرا إلى أن التأثيرات المترتبة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وشاملة بدليل أن عددا كبيرا من مواطني دولة جنوب السودان يلجأون إلى الشمال – يقول إن الآثار كذلك مؤثرة على الأمن والسلم في إفريقيا وأن السودان من أكثر الدول التي تتأثر حاليا بعدم الاستقرار وبالنزاع في جنوب السودان، مقراً بأن أداء حكومة الإنقاذ تأثر جداً من انفصال الجنوب ما أدى إلى عدم قدرة الدولة على مجابهة التحديات رغم التأثيرات السلبية التي أقر الطيب مصطفى رئيس منبر السلام العادل بأن انفصال الجنوب أثر سلباً على البلاد نتيجة لفقدانها الموارد البترولية، في وقت عبر عن رفضه دعاوى الوحدة مجدداً مع الجنوب ووصفها بالوحدة مع إسرائيل، وأنها مثل زرع مرض السرطان في البلاد.

(3)
أما الطيب مصطفى الذي كثيراً ما أعرب عن سعادته بانفصال الجنوب، فهو الآن لا يبدو نادماً، ولكنه يؤكد أن للحدث آثاراً سلبية على اقتصاد البلاد، ويرى أن توقف بعض الموارد البترولية التي كانت تأتي من الجنوب للشمال تضرر منها السودان، لكنه عاد وقال إنها ضريبة تدفعها أي دولة تنتصر على الأخرى في سبيل وقف الحرب والمحافظة على هويتها وتواثقها، لأن الحرب كانت تأخذ أكثر مما يأتي بالبترول، وفيما قال إن وقف الحرب أهم من الذي يأتي بالبترول، ضرب مثلا بأن إثيوبيا استفادت من وقف الحرب مع إريتريا وعاشت في سلام حسب ما قال، رغم أنها أصبحت دولة مغلقة ودون ميناء. ورفض الطيب في حديثه لـ(اليوم التالي) الصادرة يوم السبت الربط بين الحالة الاقتصادية وانفصال الجنوب، وفيما حمل ما سماه أخطاء السياسات الاقتصادية مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية، قطع بأن الحالة الاقتصادية غير مترتبة على الانفصال، وتساءل في استنكار: كيف كان السودان يعيش قبل البترول؟، منوها إلى أن البترول حاجة طارئة وكانت سوف تنتهي بمدى باعتباره ثروة ناضبة، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة بدأت بقوتها الحالية مع بداية العام والميزانية الجديدة وقبل ذلك لم تكن بهذه الصورة.

(4)
وجزم رئيس منبر السلام بأن الجنوبيين لا يستطيعون أن يعيشوا مع بعضهم ناهيك من أن يعيشوا معنا، (بدليل أنهم نزحوا وأضحوا عبئاً كبيراً على البلاد لاعتبارات تحمل البلاد دائماً للجيران الذين تواجههم مشاكل)، وأكد أنه الآن أكثر اقتناعا بموقفه، قائلا: إذا عادت الوحدة فإن كل الحروب و(البلاوي الحاصلة) الآن بالجنوب سوف تنتقل إلى السودان، ولفت إلى أن الجنوب دولة مدمرة حاليا وفي حالة فشل ذريع وحروب وصراعات مستمرة وتتضور جوعا، ما يعني زيادة أعبائنا وزرع السرطان في بلادنا إذا أضفنا الجنوب، وأغلق باب العودة نهائيا أمام الوحدة مع الجنوب بقوله: (إلا إذا توحدنا مع إسرائيل.. خلاص ما دايرنهم كفاية)، مشيرا إلى أنهم اختاروا مصيرهم بإرادتهم.

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى