تحقيقات وتقارير

(الخرطوم وأسمرا) ماذا يحدث من جديد !

(الخرطوم وأسمرا) حسب تحليل لوكالة الأناضول التركية فإن مؤشرا قد برز على تغيير في علاقات السودان وأريتريا، فبعد حالة من التوتر، عادت لهجة التهدئة من الجانب السوداني تجاه الجارة الشرقية، ماذا يحدث على صعيد الشرق؟

عقب تصعيد بين الخرطوم وأسمرا، عادت لهجة التهدئة من الجانب السوداني تجاه الجارة الشرقية.
هذا التطور جاء بعد اتهامات وجهها السودان إلى أسمرا بحشد قوات عسكرية على الحدود، وإغلاق الخرطوم حدودها، بل وإرسال تعزيزات عسكرية إلى ولاية كسلا الحدودية.
ففي تصريح مفاجئ، غير الرئيس، عمر البشير، يوم الجمعة الماضي، مسار الحديث تجاه أريتريا، واصفا علاقة بلاده معها بـ”المميزة”، ومشددا على خصوصية العلاقة الممتدة بين البلدين.
البشير، وخلال مخاطبته قيادات شعبية من كسلا في القصر الرئاسي بالخرطوم، أضاف أن: “الخرطوم وقفت، وستقف مع أسمرا، ومع الشعب الأريتري”، راهنا ذلك برعايتها للمصالح المشتركة، بحسب قناة “الشروق” ( قناة خاصة ومقربة من الحكومة).
وشدّد على “حرص الحكومة على توطيد علاقات السودان مع دول الجوار عبر الحدود المشتركة لتبادل المنافع”.
وفي الخامس من يناير الماضي، أعلن السودان إغلاق المعابر الحدودية مع أريتريا، ثم أرسل تعزيزات عسكرية إلى كسلا.
وهو ما أرجعه مساعد الرئيس آنذاك، إبراهيم محمود، إلى أن الخرطوم تتحسب لتهديدات أمنية من أريتريا، بعد رصد تحركات عسكرية في منطقة “ساوا” الأريترية المتاخمة لكسلا.

 غياب مبررات التصعيد

تصريحات البشير الهادئة والإيجابية تأتي بعد نحو شهر من اتهامات أريتريا للسودان بتلقى تمويل عسكري من قطر، وإيواء داعية إسلامي أريتري معارض، وهو ما نفته الخرطوم حينها.
وقالت وزارة الإعلام الأريترية، في 23 مارس، إن “مسرحية دخول قوات مصرية إلى ساوا، وإغلاق السودان للحدود، أثارت دهشة الجميع”.
وبين الجارتين السودان ومصر ملفات خلافية، أبرزها نزاع على مثلث حدودي، والموقف من سد “النهضة” الإثيوبي، واتهامات للقاهرة بدعم متمردين مناهضين لنظام البشير، وهو ما تنفيه مصر.
وتابعت الوزارة الأريترية أنه في نهاية يناير، وبغرض التصدي للهجوم الأريتري المدعوم إماراتيا، الذي يمكن أن يُشن على السودان تلقت الخرطوم دعما من الخارج.
كما اتهمت السودان بـ”إيواء معارضين إسلاميين من أتباع (المعارض الأريتري) الداعية محمد جمعة أبو رشيد، حيث يتلقون تدريبا عسكريا، وتم فتح مكتب لهم في مدينة كسلا، بتمويل قطري”. وهي اتهامات نفت الخرطوم صحتها.
وكان مراقبون سودانيون قللوا من اتهامات الخرطوم لأسمرا بحشد قوات عسكرية، معتبرين أن الحكومة حاولت مجاملة إثيوبيا، حلفيتها الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، لأنها أول من بادرت باتهام أسمرا والقاهرة بحشد قواتهما في ساوا.

نظرية العدو الخارجي

ولم يجد محللون ونشطاء سياسيون مبررا للتصعيد السوداني- الأريتري سوى محاولات الحكومتين الهروب من أزماتهما الداخلية باختلاق عدو خارجي.
لكن هذا الرأي، وفق محللين، غير مستقيم، بدليل التصريحات السودانية الإيحابية تجاه أريتريا، رغم استمرار الأزمات الداخلية في البلدين، بل وتفاقم الأزمة الاقتصادية في الجارتين، منذ مطلع العام الجاري.
وما تزال الخرطوم تعدد نجاحاتها بعد إغلاق الحدود، ونشر قوات الجيش والدعم السريع التابعة لها، على حدود تمتد 650 كم بين البلدين، حيث أعلنت إحباط تهريب الكثير من المواد الأساسية المدعومة، بينها مواد غذائية وبترولية، إلى أريتريا.

 إستراتيجية الخرطوم

حديث البشير لم يقف عند العلاقة التاريخية والممتدة مع أريتريا، بل امتد إلى “تأمين الحدود”، عبر دعوة أسمرا إلى أن تحذو حذو القوات السودانية – التشادية المشتركة.
لذا شدد على أن “العلاقات بين السودان وتشاد أصبحت مثالا يسوقه الاتحاد الأفريقي لبقية الدول الأفريقية لجعل الحدود نقاطا للتواصل وليست للاحتراب”.
وتنشط قوات سودانية – تشادية مشتركة في نحو عشرين موقعا حدوديا بين البلدين اللذين وقعا عام 2009 اتفاقية أمنية نصت على نشر قوة مشتركة لتأمين الحدود بينهما، ومنع أي طرف من دعم المتمردين في الطرف الآخر، حيث كان البلدان يتبادلان اتهامات في هذا الشأن.

ومن أبرز أهداف الحكومة السودانية هو إقامة علاقة عسكرية مع دول الجوار، لتأمين الحدود من الحركات المسلحة، ومنع تهريب البشر والاتجار بهم، ومحاربة الجرائم العابرة للدول.
ويدعو مسؤولون سودانيون دول الجوار، وهي إثيوبيا، تشاد، جنوب السودان، أفريقيا الوسطى، ليبيا، وأريتريا، إلى مثل هذا التعاون.
وتقول الخرطوم إن تجربة “القوات السودانية – التشادية” ساهمت في خفض القتال بإقليم دارفور غربي السودان، والذي يشهد قتالا بين الحكومة وحركات متمردة منذ 2003.

قوات مشتركة

تصويب الرئيس عمر البشير نحو أريتريا بضرورة أن تكون الحدود نقطة للتلاقي، وليس للاحتراب، تمثل، بحسب خبراء، نظرة مستقبلية ربما تسهم في تأمين السودان لحدوده الشرقية تماما، بعد أن ضمن تأمين حدوده الغربية، من الحركات المتمردة، لاسيما الحركة الشعبية/ قطاع الشمال المتمردة، في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، منذ عام 2011.
وتزامنت تصريحات البشير مع اتفاق السودان وإثيوبيا، الجمعة الماضي، على تفعيل وتنشيط القوات المشتركة على حدود البلدين، لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر وتجارة السلاح والمخدرات والجرائم العابرة للحدود.

إعلاء المصالح المشتركة مع أريتريا، وتأمين حدودهما المشتركة بتشكيل قوات مشتركة، يجعل الخرطوم تمضى، وهي أكثر اطمائننا، في مشروعها نحو دولة أخرى، وهي ليبيا، ما قد يقلل من الصراع المسلح في منطقة متوترة بالأساس.

 توافق أمريكي إسرائيلي

وفق الأستاذ بجامعات سودانية، حاج حمد محمد، فإن “أسمرا تشكل أكثر مناطق القارة الأفريقية خطورة، باعتبارها أحد معاقل إسرائيل الصامتة، وما حدث خلال الفترة الماضية من تصعيد بين السودان وأريتريا، وتدخل قوى إقليمية أخرى، ساهم في تأجيج الصراع”.
وأضاف محمد، في حديث للأناضول، أن “معادلا جديدا ظهر في الصراع بمنطقة القرن الأفريقي (شرقي القارة)، وهو المنافسة الصامته بين اللوبي الصهيوني والرأسمال الوطني الأمريكي”.
ومضى قائلا إن “الحكومة السودانية سريعة التفاعل مع أي دعاوى للحرب، بذات سرعتها للتراجع عنها”.
وشدد على أن “الوجود الإسرائيلي في أريتريا و(دولة) جنوب السودان، كما هو فلسطين، يشكل دائما عاملا للتوتر والحرب، وفق سياسات اليمين الإسرائيلي”.
واعتبر أن “إعمال المنطق والواقعية هو الذي دفع البشير إلى توجيه الحديث صوب إنشاء قوات على الحدود لتأمينها مع الجارة الشرقية (أريتريا)، بعد نجاح التجربة السودانية – التشادية”.
وختم الأكاديمي حاج حمد حديثه بأنه “يمكن أن تنجح تجربة تأمين الحدود السودانية – الأريترية، حال حدثت تغطية وتفاهمات وتوافق أمريكي إسرائيلي على ذلك، كما حدثت في التجربة التشادية، التي وجدت تغطية وحققت نجاحات”.

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى