تحقيقات وتقارير

“أزمة المعيشة” مابين الحد الأدنى للأجور غير المجدٍ وارتفاع أسعار السلع الأساسية

تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل واضح لا تخفيه عين بسبب السياسات الاقتصادية الأخيرة التي طبقتها وزارة المالية والتي بدورها زادت من معاناة المواطن، وتظل قضية تحسين وزيادة الأجور للعاملين لدى كثير من المؤسسات أمراً مهملاً رغم الغلاء المتصاعد، والفارق الكبير عند مقارنة دخل الفرد مع منصرفاته، الأمر الذي ينبئ بأزمات اجتماعية. وقال بعض العاملين لـ (اليوم التالي) إن الحد الأدنى للأجور غير مناسب في مؤسسات الخدمة المدنية بما فيها القطاع الخاص، وإن السوق في ازدياد مطرد خاصة أسعار السلع الاستهلاكية هذا مع عدم وجود رقابة من قبل الجهات المختصة.

 

ازدياد مطرد
من جهته، قال أمجد الماحي الذي يعمل في أحد المصانع لـ(اليوم التالي)، إن واقع السوق كل يوم يفاجئنا بارتفاع في أسعار السلع الأساسية ودون وجود رقابة للأسواق من قبل الجهات ذات الاختصاص، فبالتالي الارتفاع المستمر للأسعار ينذر بأزمة، خاصة مع اقتراب شهر رمضان، وفي ظل تدنٍّ مريع في الأجور، التي صارت لا تغطي نصف تكاليف المعيشة. وأضاف أمجد أن ميزانية الأسرة لا تحقق حد الكفاية من الضروريات، وأن النمو الاقتصادي لا يزال في معدلات أقل وأن السياسات المالية والنقدية تواجه عدة تحديات، منها ندرة في السلع الضرورية وارتفاع في أسعار العملة الأجنبية. وقال الماحي إن الأمر يتطلب رؤية اقتصادية واضحة معبراً عن استيائه لما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية التي تجاوزت الحد المعقول في ظل ضعف الرواتب والحوافز وازدياد معدلات الفقر والبطالة بين أفراد الشعب.

 

أجور المعلمين هي الأضعف
من جهتها، قالت قمرية محمد (معلمة) لـ(اليوم التالي) إن أجور المعلمين هي الأضعف على مستوى الدولة، وإن آخر دراسة قاموا بها تغطي أقل من الثلث، وهي (%13). وأضافت أن المرتبات مع هذا الغلاء الطاحن لا تكفي، غير أن المرتبات التي هي في الأصل من حقهم أخذها في الوقت المحدد إلا أنهم يقومون بصرفها بعد أكثر من شهر رغم أنها لاتكفي حتى مصروفات الشهر، مطالبة قمرية بزيادة الأجور وتوقف الاستقطاعات داخل المرتب. وقالت نحن لدينا (13) بند استقطاع بمعنى أن المرتب يأخذ منه لدار الاتحاد والنقابة والتكافل

وغيرها، برغم أنه يوجد أشياء لاتفرض علينا لكن يتم أخذ حقها، كالتكافل فهو لايشمل كل المعلمين لكن يتم خصمه من المرتبات، وطالبت الحكومة بأن تنصف المعلم وأن لا يكون مثل المظلومين في الأرض. وزادت بأن المرتبات مقارنة بالوضوع المعيشي فهي لاتكفي، ولابد من من زيادتها حتى تأتي ملبية للواقع المعيشي، وحتى يتمكن المعلم من أداء رسالته في بيئة نفسية مريحة. وأضافت أن مدخل الخدمة أي الحد الأدنى للأجور (700) جنيه، وينعكس هذا الوضع على المعلمين بأنه لايمكنهم أداء مهمتهم بشكلها المطلوب، وبذلك يتأثر الطلاب. وزادت أن الفجوة كبيرة بين الدخل والمنصرف لاتقارن مما يستدعي القيام بالبحث عن وظيفة أخرى غير الوظيفة التي يعملون بها.

 

تضخم متصاعد
في السياق، قال المحلل الاقتصادي كمال كرار لـ(اليوم التالي): تتهاوى المرتبات والأجور بسرعة البرق في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الراهنة دون أي حلول تلوح في الأفق، والأرقام المتصاعدة للتضخم تؤدي لانخفاض الأجور الحقيقية لأنها تخفض القوة الشرائية للجنيه، ففي حين تقدر ميزانية هذا العام متوسط معدل التضخم بنحو (19%) في العام. وأكد كرار أرقام الجهاز المركزي للإحصاء. وقال متوسط معدل التضخم منذ يناير حتى الآن يفوق (55%).

 

نقابات مكبلة
وأردف أن هذا الوضع أدىإلى تدهور الأوضاع المعيشية لمحدودي الدخل، كالعمال والمعلمين وصغار الموظفين، حيث أن الحد الأدني للأجور يساوي (425) جنيها وأن متوسط احتياجات الأسرة الشهرية تفوق الـ(13) ألف جنيه بحسب دراسات اقتصادية نشرت مؤخرا. والشاهد أن مسألة تحسين الأجور ليست في أجندة
الحكومة ولا اتحاد النقابات. وقال في حديثه إن الميزانية التي تفرض كل مرة هي بمثابة ضرائب جديدة لا تهتم بزيادة المرتبات ولا المعاشات، كما أن النقابات مكبلة بالقوانين التي تحظر عليها الإضراب، وأن هذه الأوضاع أدت بالضرورة إلى زيادة هجرة القوى العاملة للخارج، وبخاصة الأطباء وأساتذه الجامعات والعمال المهرة، وبالتالي، فإن النتيجة هي المزيد من استنزاف القوى المنتجة.وقال كرار من لم تتوفر له فرصة الهجرة بات يعمل في أكثر من وظيفة لإعاشة أسرته، ولساعات طوال، وهذا له تأثيراتسلبية على الصحة والروابط الأسرية لمواجهة حالة الغلاء، فإن الزيادة المستمرة في الأجور ليست بالحل الكافي. وقال إن على الدولة أن تتبنى سياسة تدعم السلع الضرورية لتخفيض أسعارها، وبالتالي ردم الفجوة بين الأجور والأسعار.
الوضع الكارثي
وأكد كرار أن الجهات المسؤولة عن هذا الوضع هي وزارة المالية والمجلس الأعلى للأجور واتحاد النقابات التيتقف متفرجةإزاء هذا الوضعالكارثي، واعتقد كرار بأن الحركة المطلبية بزيادة الأجور أو المعاشات ستتصاعد، وربما تشهد إضرابات متتالية (إضراب المعلمين والأطباء) فيالفترة الماضية.
آثار عكسية
وأضاف رئيس المجلس الأعلى للأجور عبدالرحمن يوسف حيدوب أنه وفقا لدراسة قام بها المجلس، فإن تكلفة المعيشة لعدد خمسة أشخاص تبلغ (5800) جنيه في الشهر لتوفير(78) سلعة لأسرة تتكون من خمسة أشخاص، وتبلغ في العام (67000) جنيه. وذكر عبدالرحمن أثناء حديثه لـ(اليوم التالي)أن ديوان الزكاة حدد نصاب الفرد من الزكاة بمبلغ (69500) جنيه، وهي نسبة تقارب الحد الأدنى للأجور، لكن بناء على ذلك، فإن كل الموظفين خارج نصاب الزكاة وخارج نطاق نفقات تكلفة المعيشة، مما يتطلب من المجلس إعادة النظر في تكلفة المعيشة ومراعاة الدولة وأصحاب العمل ومراعاة هذه الفوارق حتى لا تحدث آثار عكسية. وقال “نشجع ونطالب المعنيين بأن يأخذوا بتوصية مجلس الأجور والعمل على سد الفجوة بين الأجور الحالية ونفقات المعيشة”.

 

تغافل الدولة
وعن تكاليف المعيشة قياسا بالوضع الراهن والحد الأدنىللأجور وكيفية سد الفجوة بين الأجور والأسعار، تجيب عن هذا السؤال الخبيرة الاقتصادية بثينةالخراساني، التي تؤكد أنآخر إحصائية لهذا العام تنص على أن تكاليف المعيشة لعامل أقل مستوى فوق (13) ألف مقارنة بالحد الأدنى للأجور الذيتمنحه الدولة للمواطن هو (425) وهذا المبلغ من (13) ألف جنيه يغطي 3% فقط، علماً بأن دراسة تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال (الفطور فول والغداء بربع كيلو لحمة وخضار والعشاء فول)، مضيفة أن إحصائية يناير كانت (10,133) كانت تغطي (4.1) الحد الأدنى من تكاليف
المعيشة، وبعد ثلاثة أشهر قفزت (13) ألف جنيه، وباتت تغطي (3%) بدلاً عن(%4.1)، وأشارت إلىأن الدولة غافلة تماماً عن وجود فجوة في البلاد. وعنكيفية سد هذه الفجوة قالت خراساني “إذا طالبنا بأن تقوم الحكومة بتركيز الأسعار وأن تدعم السلع الضرورية لن تفعل هذا”. وزادت “لأن الدولة متبنية سياسة التحرير الاقتصادي، لذلك لا يمكنها أن تضع قيوداً على التجار،وأن أغلب كبار التجار ينتمون إلى الحزب الحاكم”. مضيفة أنه لابد من الشعب أن يقوم بالضغط على الحكومة بكافة الوسائل، ولابد أن تنتبه النقابات بأن لديها أشخاصاً مسؤولة عنهم وأن تقوم بواجبها تجاههم.

 

أزمة الجنيه
إلا أن المراقبين والخبراء يرون أن ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم ومعدلات البطالة وسط الأسر أدت إالى تآكل الأجور للعاملين بعد أن استقرتدون زيادة، وأصبحت الأجور لا تسد تكلفة الحد الأدنى للمعيشة، حيث لا تغطي متطلبات المعيشة اليومية، والوقت الذي يطالب فيه العاملون بزيادةالمرتبات حتى تتناسب مع متطلبات الحياة اليومية، التي فاقت حد مقدرة العامل، خاصة وأن الحد الأدنى للأجور في مؤسسات الخدمةالخاصة والعامة كافةغير مناسب، بيد أن موجة الغلاء التي شهدتها البلاد فاقمت من الأزمة وزادت الفقير فقرا وجعلت الغني يبحث عن زيادة دخل حتى لا يفقد
مايمتلكه بعد أن فقد الجنيه قيمته الشرائية وصار لايقضي حاجة الفقير.

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى