تحقيقات وتقارير

جوبا:تصدير النفط عبر يوغندا وكينيا..مناكفة سياسية أم تهديد مبطن

ظلت حكومة السودان تعاني بصورة مستمرة منذ إعلان انفصال دولة جنوب السودان من الخروقات المستمرة للاتفاقيات الموقعة بين البلدين, ما دفع رئيس الجمهورية في مرات عديدة لإصدار توجيهات بإنهاء التعاون وإغلاق الحدود بين البلدين أمام التبادل التجاري.

ولكنه دائماً يؤكد أن السودان لن يغلق حدوده أمام الفارين من جحيم الحرب من المدن والمناطق التي تسودها الحرب القبيلة المدمرة والفوضى القانونية ما أفقدت جنوب السودان التي لا تملك مشاريع قومية تدعم بها الخزينة العامة وعدم وجود مصادر للدخل القومي حتى رسا الحال إلى أن يصبح النفط هدفاً رئيساً للصراع بين الحكومة التي تحاول تصدير النفط عبر دولة كينيا بالرغم من عدم وجود أنابيب للبترول في عملية يراها المختصون في الشأن بـ(المكلفة) لدولة حديثة أرهقتها الحرب التي أدت لتذبذب إنتاج النفط قبل العقد الأول من عمرها.

مواجهات علنية

بعد أن جدَّد الرئيس البشير علنية الاتهامات إلى جوبا بعد فترة من الهدوء النسبي ومن أبرز اتهامات السودان الحالية لدولة جنوب السودان إيواء حركات التمرد المسلحة لتعويق السلام في ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان وولايات دارفور بالرجوع لمراحل سوء العلاقة بين البلدين, فقد دفعت حكومة السودان بعد الانفصال مباشرة بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد دولة جنوب السودان في أول مواجهة دبلوماسية علنية بين الدولتين.

ونفت فيه جوبا تدخلها في الصراع الجاري وتضمنت الشكوى اتهام الخرطوم لجوبا بإثارة الاضطرابات ودعم الحركات المتمردة ضد الحكومة السودانية. وبالعودة لحديث الرئيس البشير فقد اتهم البشير دولة جنوب السودان بإيواء ودعم متمردي السودان بالمعينات والسلاح مؤكداً مواصلة الحكومة لمساعيها في تحقيق السلام عبر الحوار.

مناكفات سياسية

وكشف صحيفة إيست آفريكان الكينية في وقت سابق, أن دولة الجنوب أوقفت عمل اللجنة الفنية الخاصة بإنشاء خط أنابيب للبترول عبر دولة كينيا بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد في أعقاب الحرب الأهلية والانشقاقات في جيشها, في وقت تقوم فيه جوبا بتجاوزاتها وتوفير المعسكرات والمأوى والتدريب لقيادات حركات دارفور المتمردة لها خاصة في ولايات بحر الغزال وأعالي النيل وتزويدها بالسلاح, وما زالت تواصل هذا الدعم وليس خافياً على أحد أن وجود الحركات الدارفورية المسلحة بدولة جنوب السودان بعلم تام ومباركة حكومة دولة جنوب السودان ، في الوقت الذي قال فيه مسؤول مفوضية البترول آنذاك اندرو بول إن تصدير النفط عبر كينيا سيكلف جنوب السودان أضعاف ما تدفعه لدولة السودان لعبور النفط , بل أن عملية التصدير عبر كينيا ستأخذ وقتاً طويلاً لإنشاء خطوط الأنابيب, واصفاً تلك الخطوة بالمناكفات السياسية لإخفاء التهم الموجهة إليها من السودان.

لا خيار إلا السودان

كشفت كتلة المعارضة داخل مجلس تشريعي دولة جنوب السودان عن خطط وترتيبات مكثفة تصبُّ في إطار ممارسة ضغوط على حكومة الجنوب للتراجع عن قرارها الأخير الذي قضى بإيقاف ضخ النفط عبر أنابيب السودان. وأبدى أندرو أكونج رئيس الكتلة النواب عدم تفاؤله تجاه قرار حكومة جنوب السودان لتصدير النفط عبر كينيا. وأضاف أنه لا خيار سوى تصدير النفط عبر أنابيب السودان. مبيناً أن الكتلة قامت بإجراء دراسات عميقة ونقاش مستفيض خلال جلسات التفاوض داخل المجلس توصلت عبرها إلى عدم وجود خيار بديل لاستمرار انسياب بترول جنوب السودان خلافاً لميناء بورتسودان وضمان انسياب الموارد المالية وإنها تصب في مصلحة الطرفين. وقال إن حكومة الجنوب أقدمت على اتخاذ قرارات فردية تحت ضغوط خارجية دون مراعاة مصلحة المواطنين الجنوبيين ودون وضعها في مقدمة أولوياتها السياسية. مؤكداً أن موارد الجنوب الاقتصادية تعتمد بنسبة 98% على عائدات النفط الأمر الذي يجعل إغلاق حقول النفط يزيد من معاناة الدولة.

خطط وخطوط جديدة

حديث وزير النفط بدولة جنوب السودان أزيكيل لول جاتكوث الذي أطلقه في البرلمان القومي يحمل تهديدات مبطنة ورسائل عن نية بلاده تصدير النفط عبر دولتي كينيا ويوغندا , وقال الوزير إن الحكومة اليوغندية سوف تقوم بإنشاء خط أنابيب لنقل النفط , وأن الخط الجديد لن يؤثر في خط الأنابيب المرتبط بالسودان، مضيفاً أن بلاده تسعى لإقامة مصفاة نفطية لإقامة مخزون استراتيجي وأن جنوب السودان لديه (3.5) مليار برميل نفط استخدم منها خلال السنوات الماضية 30% فقط. وفي ذات السياق كشف الوزير عن عقودات تم توقيعها مع شركات أجنبية من أجل العمل في الحقول التي لم يتم التنقيب فيها حتى الآن، مؤكداً أن هنالك خطة بوزارته تهدف لتكرير النفط في البلاد للاكتفاء الذاتي والاستهلاك المحلي وتصديره كمواد بترولية من أجل انعاش اقتصاد البلاد، وتحقيق أرباح أكثر من تلك التي يحققها النفط الخام , وأضاف الوزير فى توضيحات أن هناك خطة استراتيجية لإنشاء معمل مركزي بالبلاد مخصص لشؤون استخراج النفط والمواد البترولية الأخرى بالإضافة لخطة أخرى لصيانة الخطوط المعطلة من أجل زيادة إنتاج النفط فى البلاد. كما أشار إلى أن هنالك العديد من الصعوبات التي تواجه البلاد في كيفية سداد متأخرات نقل النفط عبر السودان نسبة للأزمة التي تعاني منها البلاد ,لافتاً إلى أن الطرفين اتفقا على أن يأخذ السودان نصيبه من النفط الخام بدلاً من أن ندفع له نقداً, موضحاً أن هنالك قوانين ولوائح وضعت من قبل الحكومة تنظم وتلزم الشركات العاملة في مجال استخراج النفط بالبلاد بضرورة اتباعها ولا يمكن تجاوزها.

الدعم والإيواء مستمر

ربما يكون حديث الوزير الجنوبي رداً على الاتهامات التى أشار إليها الفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني خلال زيارته الأخيرة لولاية شمال دارفور, أن دولة جنوب السودان لا تزال تأوي وتدعم الحركات المسلحة المتمردة السودانية .وهدد المدير العام للجهاز بحسم مَن يخفون الأسلحة ويدفنونها تحت الأرض في دارفور والتعامل بحزم مع الفاسدين, مضيفاً أن قضية دارفور تم تداولها والمزايدة بها من أجل النيل من استقلال السودان وسيادته ووحدة أراضيه.

فرضية الاتهام

ذات الاتهامات ,أكدها الناطق باسم قوات مشار وليم جاتلوك دينق الذي أكد فرضية اتهام الخرطوم أن جوبا لا تزال تأوي الحركات المسلحة ,حيث أعلن أن قواتهم قتلت وأسرت العشرات من المتمردين السودانيين خلال الهجوم الذي شنته على مواقع الجيش الشعبي المدعوم بحركة العدل والمساواة وعدد من الحركات بمنطقة ديم زبير ببحر الغزال.

الهروب من الواقع

ما أكده العميد محمد يونس المنشق من الحركة الشعبية قطاع الشمال في تصريحات لـوسائل الإعلام إن حكومة جوبا مستمرة في خرق الاتفاقيات التي تدعو إلى إيقاف عمليات الدعم وتقديم المساعدات للحركات المتمردة, مبيناً أن مشاركة المتمردين في الاشتباكات الأخيرة تؤكد إيواء جوبا للحركات داخل أراضيها, مشيراً إلى إقامة حكومة جنوب السودان معسكرات لتدريب الحركات بمناطق أويل وبحرالغزال إلا أن تصريحات وزير النفط الجنوب سوداني الأخيرة حول تصدير النفط عبر كينيا هي كلمة حق أريد بها باطل, ومحاولة للهروب من تهمة دعم وإيواء الحركات المسلحة السودانية ،ولكن أن مثل هذه التصريحات لن تؤدي أغراضها بل ستعقد الأمور بين الدولتين.

انعدام الأمن

لكن المتحدث باسم حكومة جنوب السودان اتني ويك, نفى بحسب صحيفة الانتباهه اتهامات حكومة السودان بدعم بلاده للحركات المسلحة السودانية، مبرراً وجود الحركات على أراضيهم بسبب انعدام الأمن على الشريط الحدودي بين الدولتين ما يُمكن المتمردين من التسلل إلى داخل جنوب السودان, وأشار إلى عدم مشاركة المعارضة السودانية في المعارك الدائرة في جنوب السودان وكل ما ذكر بإيواء جنوب السودان للمعارضة السودانية المسلحة مجافياً للحقيقة والواقع على الأرض.

يصدّر لا يصدّر

يقول المهندس جوزيف لندرو ديشان بالرغم من اتفاقيات التعاون الموقعة بين السودان وجنوب السودان إلا أن التجاذب السياسي والهم الأمني طغيا على أي اتفاق, وهو ما عبر عنه الرئيس عمر البشير الشهر الماضي عندما وجه رسالة إلى جوبا بضرورة رفع يدها عن دعم المتمردين.

و بسبب تاريخ طويل من عدم الثقة فإنّ جوبا لا تزال تتفحّص خياراتها بشأن إيجاد منفذ آخر لصادراتها النفطية لا يمر بالسودان لتتحرّر من ضغط الخرطوم.
وكانت حكومة جنوب السودان أثناء وقفها لإنتاجها النفطي قد وقّعت مذكرات تفاهم مع كل من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي بشأن بناء خطَّي أنابيب يذهب الأول الى ميناء (لامو ) على الحدود الشرقية لكينيا بينما يخترق الثاني أثيوبيا وهي نفسها دولة مغلقة مائياً ليعبر إلى جيبوتي ومن ثم إلى الأسواق العالمية.

لكن تلك كانت مجرّد مذكرات تفاهم تحتاج الى الكثير لتحويلها الى دراسات جدوى قابلة للتنفيذ بعد تفحُّص مختلف العوامل من المسار المقترح لكل خط والتكلفة والجهة التي ستقوم بالتمويل وهو ما لم ينجز حتى الآن. بل إنّ تناوُل هذه القضية يتم في إطار الاستهلاك السياسي .

التكلفة وكيفية التسديد

في الخصوص يقول الأستاذ البينو كوريوم اموك الموظف في وزارة النفط بجنوب السودان، إن شركة (تويوتا) كانت قد أكملت دراسة الجدوى لإنشاء الخط الذي يمر عبر كينيا, وأنها ستتقدّم بعروض مالية لكيفية التمويل وطريقة بناء الخط ومساره وقبل أن تبدأ تويوتا في العمل قامت حكومة جنوب السودان بالتعاقد مع الشركة الألمانية( IFC Consulting Engineers ) لإعداد دراسة جدوى لإنشاء خط أنابيب لتصدير نفط جنوب السودان عبر ميناء (لامو) الكيني, لكن لاحقاً توقفت الشركة اليابانية.

بالتالي فإن عملية بناء خط أنابيب لنقل نفط جنوب السودان إلى الخارج يحتاج إلى أن يضع في حسبانه التطورات التي بدأت تشهدها صناعة النفط في منطقة شرق أفريقيا ,حيث كثرت الأخبار عن اكتشافات في مجالَي النفط والغاز في كل من يوغندا وكينيا وموزمبيق وتنزانيا ومدغشقر.
ويُعتقد أن موزمبيق ستكون أول دولة تقوم بتصدير الغاز وستتبعها تنزانيا.

وبرزت شركات عالمية مثل (أكسون موبيل) الأميركية،( وستات أويل) النرويجية وشركة النفط الصينية العاملة في المياه وغيرها في إشارة لاستقطاب هذه المنطقة لشركات عالمية.

الخرطوم (كوش نيوز)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى