تحقيقات وتقارير

افتتحها رئيس القضاء محكمة الفساد.. الانتقال إلى مرحلة الجد

 

 

في نقلة نوعية لمحاربة الفساد، افتتح رئيس القضاء بروفيسور حيدر أحمد دفع الله، يوم  (الخميس) محكمة جنايات مكافحة الفساد ومخالفات المال العام المختصة بالنظر في دعاوى قضايا الفساد واستغلال النفوذ، والتعدي على المال العام، وتخريب الاقتصاد. ويأتي افتتاح المحكمة بتوجيهات من الرئيس عمر البشير، ابتدرت حملة لمكافحة الفساد، وملاحقة من أسماهم الرئيس بـ (القطط السمان)، وبالفعل منذ عودته إلى سدة الأجهزة الأمنية، أوقف الفريق أول صلاح عبد الله (قوش) عدداً ممن تحوم حولهم شبهات فساد وإضرار بالاقتصاد القومي. واختارت السلطات القضائية مقراً لمحكمة مكافحة الفساد، داخل مجمع محاكم امتداد الدرجة الثالثة عوضاً عن مجمع محاكم الخرطوم شمال.

 

 

دعوات برلمانية

دعا برلمانيون يوم أول أمس (الأربعاء) الحكومة لمكافحة الفساد، وحثّ رئيس لجنة الإعلام بالبرلمان المهندس الطيب مصطفى على طرح مبادرات جريئة لضرب شبكات الفساد ومراكز القوى التي تُمسك بالأموال وتجنّبها، قائلاً: (يجب أن نطعن الفيل بدلاً من ظله). كما دعا البرلماني رجب محمد رجب، الرئيس البشير إلى اتباع نهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بحديثه الشريف (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها). محذراً أن يقود عدم محاسبة الفاسدين حال كونهم وزراء أو موظفين لزيادة حالة الاحتقان لدى الشعب، وطالب بردع الفاسدين حتى لا يتعاملون بسياسة (دار أبوك لو خربت شيل منها شلية).

 

 

توعّد رئاسي

كان خطاب الرئيس عمر البشير في فاتحة أعمال الهيئة التشريعية القومية (البرلمان ومجلس الولايات) حول الأداء العام للدولة في العام 2017 حوى وعيداً شديداً لطائفة المفسدين قائلاً: (إنها حرب على الفساد في مكامنه، وهي في بداياتها ولن تتوقف إلى أن تحقق أهدافها، وتنتهي المضاربات ويتوقف التهريب ويُطبق قانون الثراء الحرام، ومن أين لك هذا).

 

 

ونوه رئيس الجمهورية يومذاك إلى أن هذه الخطوات تأتي للكشف عن المال الحرام والمشبوه وغسيل الأموال مشدداً على أن الحرب على الفساد لن تتوقف حتى تسترد أموال الشعب المنهوبة.

 

 

فلاش باك

ليست هي المرة الأولى التي نادت فيها الحكومة بمكافحة الفساد، فقد سبق أن تعهد وزير العدل الأسبق محمد بشارة دوسة بتطبيق قانون (من أين لك هذا)، وذلك في عام 2012 مشيراً إلى أنه لن يأخذ الناس بالشبهات، وأنه سينقل مكتبه فورًا لنيابة الثراء الحرام، وذلك من أجل المتابعة اليومية.

 

 

ومضى الوقت ثم كونت الحكومة آلية لمكافحة الفساد برئاسة الطيب أبو قناية في يونيو من ذات العام 2012، ثم سرعان ما حلت الآلية بعد شهور قليلة من قيامها، ثم تكونت في العام 2016 مفوضية لمكافحة الفساد ثم أجيز قانون لها واستُحدثت في الأثناء مادتان لحماية المبلغين والشهود والخبراء وأقاربهم، ولكن لا زالت مفوضية مكافحة الفساد تراوح مكانها حيث لم تستكمل إجراءاتها بعد إلى الوقت الذي تم فيه افتتاح محكمة مكافحة الفساد .

 

 

مهام

حدد رئيس القضاء مهام محكمة الفساد في النظر في الدعاوى الخاصة بقضايا الفساد واستغلال النفوذ والتعدي على المال العام، وتخريب الاقتصاد الوطني، والتي تحال إلى محكمة الفساد من النيابات المتخصصة، كما تختص المحكمة بنظر الدعاوى التي يحيلها إليها رئيس القضاء.

 

 

وعلى الرغم من أن المحكمة حدد لها منطقة امتداد الخرطوم كمقر لها، إلا أنه يجوز لها أن تنعقد في أي ولاية من ولايات السودان على أن تشكل دوائر خاصة بمحكمة الاستئناف والمحكمة القومية العليا لنظر الاستئنافات والطعون في الأحكام الصادرة من محكمة جنايات مكافحة الفساد ومخالفات المال العام.

 

 

تعقيدات

تُواجَه محكمة الفساد بجملة من التعقيدات سبق أن أجملها رئيس آلية مكافحة الفساد الطيب أبوقناية – في حديث سابق له إبان توليه مهام عمله – في تعقيدات مسألة الفساد نفسها بالإضافة إلى أن أي عملية فساد بها عشرات المطبات فضلاً على أنها ظاهرة معقّدة ومتشابكة كما ذكر أبوقناية بأن إجراءات رفع الحصانة هي في الأصل إجراءات بالغة التعقيد.

 

 

المحاكم موجودة

لم يعوّل رئيس منظمة الشفافية د. الطيب مختار كثيراً على محكمة الفساد التي تم افتتاحها بمجمع امتداد الدرجة الثالثة أمس، إذ قال في حديثه لـ (الصيحة) بأن المحاكم أصلاً موجودة والقضاة موجودون بالإضافة إلى وجود مفوضية مكافحة الفساد والتي تأسست منذ العام 2016، وانتقد مختار عدم ممارسة الأخيرة مهامها، مضيفاً أن مهام مؤسسة الشفافية التي يرأسها تنحصر مهامها في توعية المواطنين بخطورة قضايا الفساد نافياً أن تكون مؤسسته مختصة بملاحقة المفسدين.

 

 

بداية ولكن

في المقابل ثمن القانوني نبيل أديب في حديثه مع (الصيحة) خطوة إنشاء محكمة خاصة بقضايا الفساد، ولكنه قال إنها خطوة مبدئية في مكافحة الفساد يجب إكمالها وإلَّا فسيظل الحال كما هو عليه. فالقاضي وحده لن يستطيع أن يقتلع الفساد، ولابد من وجود قانون يجرم عملية الفساد ولا بد أن تكون هناك جهات تستطيع إظهار الفساد لأن هناك من يعملون على إخفائه. منادياً بضرورة وجود قوانين تفرض على المسؤولين الكشف عن مصادر دخلهم وأن تكون هناك قوانين تجرم الأفعال الفاسدة، وتنهي العقبات التي تفرضها الحصانات وبهذا سيتم كشف الفساد.

 

 

دور منقوص

يقول أديب إن نشوء محكمة خاصة بالفساد فإن دورها سيكون منقوصاً ما لم تكمل كل المنقوصات عاليه، مضيفاً بأن القوانين أصلاً موجودة، وتحتاج لتفعيل، فعلى الدولة عدم البدء من النهاية وإنما تبدأ خطوة بخطوة في اجتثاث الفساد.

 

 

مضيفاً بأن أول خطوات محاربة الفساد تبدأ بسن قوانين غير موجودة أصلاً، وتفعيل أخرى، كما ينبغي إعمال الشفافية كأن تكون العقود العامة في المعاملات مكشوفة للعامة ولهم حق الاطلاع عليها، وكذلك يجب أن يفعل قانون الثراء الحرام، كما يجب الكشف ليس عن الموارد المالية للمسؤول بل حتى عن أفراد عائلته باعتبار أن تعيين الأقرباء يعد فساداً، داعياً لأن تودع هذه المعلومات عند جهة مستقلة وتكون المعلومات متاحة للكافة حتى تساعد المعلومات في ملاحقة الجناة ومحاربة المفسدين.

 

 

وختم أديب حديثه بأن المسوؤلية الجنائية وحدها لا تقضي على الفساد، بل لابد أن تتوافر قبلها المسؤولية السياسية حتى تسهل مطاردة المفسدين، فالكشف عن الفساد يبتدئ بقوانين الشفافية، لذلك فإن إنشاء محكمة خاصة بالفساد خطوة جيدة ولكنها ليست الحاسمة في اقتلاع الفساد بل هي خطوة البداية لمحاربته.

نجاة إدريس

الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى