تحقيقات وتقارير

استراتيجية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.. الثورة النّاعمة تُسيطر على المشهد!!

بعُيُونٍ سُودانية..

لا أحدٌ يستطيع أن يُحدِّد على وجه الدقة ما يجري في الساحة السعودية من حراكٍ وَصَلَ مراحل مُتقدِّمةٍ.. فمنذ انطلاقة حركة التغيير – على المستويين الداخلي والخارجي – التي قادها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وطالت مناحي الحياة كافة.. وَعَجِزَ المُراقبون عن توصيف الحالة السعودية هل ما يدور حالياً هو ثورة أم حركة تغيير أم خُطة لإصلاح وتصحيح المسار والخط الذي أرساه مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز آل سعود وَسَارَ على خُطاه أنجاله أمثال الملك فيصل، ثُمّ خالد، فالملك فهد، مروراً بعبد الله، ثم أخيراً سلمان بن عبد العزيز، تحولات كبيرة تشهدها المملكة لكن إلى أين تتّجه بوصلة وخارطة الأحداث؟

جدة: الهادي محمد الأمين

اهتمامات الجيل الجديد

ومع ذلك يتقافز الاهتمام بهذه التطورات سواء على المُستوى الداخلي أو الخارجي ووسط المُجتمع السُّعودي، وتُحظى التطورات داخل المشهد السعودي بمُتابعة واهتمامٍ كبيرٍ، وأنّ أكثر المُهتمين بالحراك الذي يقوده محمد بن سلمان يتمثل في شريحة الشباب والعُنصر النسوي ووسط القطاع المتدين الذي ينظر إلى هذه التحولات وكأنّها انقلاب أبيض على الموروث الذي خلفه الأجداد، خَاصّةً بعد سياسة الانفتاح والمُرونة التي ظَلّ يُبشِّر بها ولي العهد السعودي، حيث بدا أن الشباب والمرأة يُشكِّلان هَمّاً كبيراً يندرج في سُلّم جدول أعمال الأمير السعودي.

تحوُّلات اجتماعيّة

فمنذ لحظة دخولك للأراضي السعودية تشعر أن ثمة تغييرات كبيرة طرأت على المشهد الداخلي، فالمراقب يُلاحظ كثرة المُنتزهات، وأماكن الترفيه والتسلية، وانتشار الحدائق التي خُصِّصت للأُسر أو لقضاء أوقات للترويح، هذا علاوةً على تطوير وتجميل كورنيش جدة المطل على ساحل البحر الأحمر، الأمر الذي وَجَدَ تَرحيباً واسع النِّطاق لدى الجيل الجديد خلافاً لما كَانَ سائداً في السّابق، ومع ذلك لا تُلاحظ ثمّة اعتراضات أو ثورة مُضَادَة تُناهض هذه التّحَوُّلات التي حَدَثَت في بنية المُجتمع السُّعودي من قِبل المُحتسبين أو رُمُوز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، الذين كَانت لهم سَطوة وسُلطة واسعة خلال الفترات الماضية ممّا يعني أنّ الحلف التاريخي وحركة التناسق والتناغم بين آل سعود وآل الشيخ مَا زالت مُستمرة، وأنّ مُحاولات بن سلمان – ورغم بُعدها في بعض المرات عن جوهر الإرث السلفي – تعمل على مزج النص الشرعي مع الواقع الظرفي وتلاقي الأصالة مع المُعاصرة وفق مرئيات جديدة لمُواكبة التّطوُّرات الحالية ودُون التخلف عن حراك الثورة الحديثة، غير أنّ الجرعة هذه المرة أكبر مِمّا يتصوّره البَعض، ومع ذلك فإنّ حالة الطلاق بين آل الشيخ وآل سعود مُستبعدة تماماً نظراً لقوة التماسك بين جانبي المُعادلة داخل المملكة.

داخل الجامعة الإسلامية

جولتي داخل حرم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لخّصت لي باختصار الرؤية الخاصّة بحركة التغيير والاختراق الكبير داخل الجامعة ذات المنهج السلفي.. فالمؤسّسة العلمية العريقة التي كانت مُخصّصة لتأهيل الدُّعاة من مُختلف أنحاء العالم خَاصّةً الدول الآسيوية وبلدان القارة الإفريقية عبر المنح الدراسية المَجّانية، حيث تدفع الجامعة الإسلامية سنوياً بمئات الدعاة الخريجين المُبتعثين منها لنشر الدعوة الإسلامية والتبشير بالمنهج السلفي، قد شهدت تَحوُّلات واسعةَ النطاق، فالجامعة التي كانت وإلى وقتٍ قريبٍ تقوم بتدريس وتزويد طلابها بالعلوم الشرعية في عددٍ محدودٍ من الكليات (كأصول الدين والشريعة وغيرها من العلوم الشرعية) لتحقيق رسالة وأهداف الجامعة، فإن تغييرات كبيرة اجتاحت هذه المُؤسّسة لتنضم إليها الكليّات التّطبيقية والعلميّة والحديثة كمنهج لم يكن مُضمّناً في الماضي، عَلاوةً على وجود مناشط مُصاحبة أخرى شكّلت نوعاً من ألوان التحول الكبير داخل البيئة الجامعية مثل مهرجان التراث الثقافي للشعوب، الذي نظّمته الجامعة داخل مبانيها وتَجَوّلت في أجنحته التي استوعبت غالبية الدول الإفريقية والآسيوية، ومن بين أهم معارضها الجناح السوداني، فلأول مرّة يُشكِّل العُنصر النسوي وجوداً وحُضُوراً فاعلاً في المعرض، الذي أُقيم داخل مباني الجامعة وتم فتح أبواب الجامعة للمرأة والسماح للأسرة باستصحاب أفراد عائلاتهم لمُشَاهَدَة هَذِه الفعالية والتِّجوال داخل أجنحة المهرجان بلا أدنى تحفظٍ، الأمر الذي لم يكن معهوداً في أوقاتٍ ماضيةٍ، مِمّا يعني أنّ هناك انقلاباً كبيراً أو تَغييراً في فَلسفة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، فأمر التراث في السُّعودية كان مُنحصراً – وإلى وقتٍ قريبٍ في مهرجان الجنادرية فقط -، غير أنّه وفي الآونة الأخيرة تمدّدت حتى طرق أبواب الجامعات التي تَعتمد على المنهج السلفي في مشروعها العلمي والأكاديمي.

التَّقارب مع الصوفية

السِّياسة الجَديدة للسُّعودية تجاوزت المعهود حينما بدأت في مَد جُسُور وأواصر التواصل مع الطوائف الصوفية -العَدو التقليدي للتّيار السَّلفي – فالتّبَاعُد والمُباينة التي كانت تحكم شكل العلاقة بين الدولة السعودية والطرق الصوفية قد خَفت وخفتت حدّتها بشكلٍ كبيرٍ في المرحلة الحالية وربما يظهر تفسير حركة التحول في هذه العلاقة إلى مَخَاوف السُّعودية من التمدُّد الشِّيعي الذي تقوده إيران في المنطقة العربية والإفريقية ومُحاولة خنق السُّعودية وتطويقها بالحزام الرافضي من الجنوب عبر الحوثيين باليمن وشمالاً بحزب الله وحركة أمل والنصيرية في بلاد الشام، ثُمّ الوجود والنشاط الكثيف للشيعة في كُلٍّ من إيران والعراق، الأمر الذي دفع بالسعودية لفك حالة الاختناق بالتقارب مع الصوفية لردّ الخطر الشيعي وفرملة الدور الإيراني – كأكبر مُهدِّدٍ – في منطقة الحجاز والجزيرة العربية.

وقوفٌ في وجه الفساد

استراتيجية ولي العهد السعودي لم تتوقّف عند حُدُود التّغيير المُجتمعي، لكنها شملت حتى الواقع الاقتصادي.. وفي خَطوةٍ مُباشرةٍ، شَرَعَ الرجل في رفع راية مُحاربة الفساد ومن أولى مؤشرات ذلك عمليات الاعتقالات التي طالت عدداً من رموز البزنس والمال ورجال الأعمال الكبار وفي مقدمتهم الوليد بن طلال في مُحاولة للاستفادة من المخزون المالي ورؤوس الأموال وتوظيفها لصالح اقتصاد المملكة في خطوة أقرب للمُغامرة، غير أنّ الواقع -حسب التيار يوم الإثنين – يُؤكِّد أنّها مَسنودة بقرار وإرادة سياسية قوية أدّى لنجاح المُبادرة ومع ذلك لا تزال المَخَاوف ماثلةً من أيِّ رد فعل تجاه محاولات بن سلمان لضرب خُصُومه الذين تمّ توقيفهم وإيداعهم السجون.

حركة السياحة

أمرٌ أخيرٌ لا يُمكن إغفاله أو تجاوزه وهو يتعلّق بالقفزة الكبيرة في خدمة الحَرمين الشّريفين والتّطوُّر الكَبير في الحرم المكي والمَسجد النبوي بالمَدينة المُنوّرة، بجانب التوسُّع في المشاعر المُقدّسة لتسهيل حركة المُعتمرين والزُّوّار والحجاج، عَلاوةً على مُلاحظة أنّ السُّلطات السعودية تسعى لفتح عملية السياحة وتطوير الآثار والأماكن المُقدّسة في كلّ من مكة المكرمة والمواقع الأثرية خارج الحرم المكي، بجانب الآثار في المدينة المنورة، الأمر الذي يُشكِّل مورداً ومصدراً مُهمّاً لدعم الاقتصاد السُّعودي.

الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى