لماذا “اخلطي”؟!

هي ظاهرة لغوية يومية تمر بنا دون تمحيص، لكنها تحمل في طياتها قالباً نمطياً تقليدياً وقصوراً تسويقياً عميقاً.. فمن منا لم يقرأ على عبوة تجارية كلمة مثل: “اخلطي”، “ادهني”، “خضي المحتوى”، أو “افركي الكريم”؟!
هذا الخطاب الموجه بصيغة المؤنث المفرد، وكأن العبوة تهمس في أذن امرأة واحدة، يثير تساؤلاً جوهرياً: هل السوق والمطبخ ومستحضرات العناية لا تستقطب إلا النساء؟
يبدو أن توجيه التعليمات الاستهلاكية بالكامل للمرأة هو نتاج فهم تسويقي جامد، ربَط الإنجازات المنزلية والجمالية بالجنس اللطيف فحسب.
هذه العقلية تتجاهل تحولات المجتمع الهائلة، والأهم من ذلك، تتناقض مع قيمنا النبيلة. فبعض القيم الاجتماعية، للأسف تنكر على الرجل المشاركة في الشؤون المنزلية أو الاهتمام بمبدأ التزيّن الشخصي، بينما كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قدوة في هذا، حيث كان يخيطُ ثوبه ويخدم في مهنة أهله، في رسالة واضحة أن مساعدة ربات البيوت ليست منقصة.
هذا “التحيز اللغوي” التسويقي يرسّخ صورة نمطية بالية تتنافى أيضاً مع حق الرجل في العناية بمظهره وشريكته. فبينما يطالب المجتمع المرأة بالتزين الكامل لزوجها، نجد أن التزين مطلوب أيضاً بل هو متطلب من الرجل، وإن بصورة أقل وبما يليق به.
وللاستدلال على ماسبق نجد أن ابن عباس رضي الله عنهما استشهد بالآية الكريمة: “ولهن مثل الذي عليهن” ليؤكد أن للمرأة حقاً على زوجها في أن يتجمل لها كما تتجمل له. وهذا ما كان يفعله ابن عباس نفسه، حيث كان يعتني بشعره ونفسه، مدركاً أن المظهر الأنيق هو جزء من المعاشرة بالمعروف.
إن الإصرار على مخاطبة المستهلك بصيغة “اخلطي، افعلي” هو بمكانة “إقصاء لغوي” يهمّش نصف الجمهور الفعلي للمنتج، ويتجاهل الأبعاد الأخلاقية والإنسانية للمشاركة والتجمّل المتبادلين بين الجنسين.
إن اللغة العربية الفصحى غنية بالصيغ الحيادية الشمولية (مثل استخدام صيغة المصدر أو صيغة الجمع “اخلطوا”) التي تعكس حقيقة السوق المعاصرة، حيث أصبح الرجل مستخدماً فعالاً في كافة المجالات.
لقد حان الوقت لتتخلى لغة العبوات عن “هي” لتتبنى “الجميع”، في تعبير ليس فقط عن التطور التجاري، بل عن فهم أعمق للقدوة والمساواة في حقوق العشرة.
فهد الأحمري – جريدة الرياض
