عطاء ووفاء.. المغتربون والمواطنون.. نموذجًا
العطاء يمكن تعريفه بأنه جُهد يبذله الإنسان في سبيل تقديم عمل ذي قيمة، مقرونًا بالجودة وحُسن التعامل مع الآخرِين، سواء مَن يُقدَّم لهم هذا الجهد مباشرة أو لغيرهم ممن يقعون في دائرتهم. في حين يمكن تعريف الوفاء بأنَّه حالة من البذل وتقديم العون لمَن يستحقه، وتقدير الصفات الجميلة والمعاني الفاضلة في الآخَرِين.نحن -في السعودية- أمام حالة تتكرر كثيرًا خاصة في الآونة الأخيرة، وهذه الحالة تتمثل في الزيارات التي يقوم بها بعض الإخوة المغتربِين -بعد فترة طويلة من خروجهم النهائي- إلى أماكن عملهم في السنِين الخوالي داخل السعودية، وكون السعودية كانت -وماتزال- تفتح ذراعيها للإخوة العرب والمسلمين وغيرهم للعمل فيها في مواقع شتى وأعمال متنوعة، فإنَّ ذلك يعني ارتباط أعداد كبيرة منهم بها وبمواطنيها، ولذا نرى الكثير من هؤلاء الإخوة المغتربِين ينزع بهم الحنين للأماكن التي عملوا فيها عندما كانوا في ريعان شبابهم، وقدَّموا حينَها خلاصة جهدهم وعصارة أفكارهم، وهذا ينسحب أيضًا على المواطنين داخل وطنهم مع أماكن عملهم الأولى البعيدة عن مساقط رؤوسهم.
حنين الإنسان للأماكن الأولى التي عمل فيها أمر فطري، وطبيعة إنسانية خالصة، وحالة تشي بصفاء الفطرة، ونقاء السريرة، وحب الإنسان للإنسان والمكان. وهذا الحنين وهذه العودة تتفاوت من شخص لآخر، غير أنَّ ما يُشكِّل حجر الأساس في قضية الحنين والعودة أراه يتمثل في أمرَين: الأول- حجم الجهد ودرجة الإتقان في العمل المقدَّم، وهو ما يجعل من هذا العمل مقدَّرًا لدى المجتمع المقدَّم له، ويغدو لصاحبه رصيدًا لا ينفد. الأخير- حسن التعامل مع المجتمع وتوثيق العلاقات مع أفراده، سواء مَن كان يتعامل معهم مباشرة أو مَن كانوا في دائرتهم.وعلى هذا نرى بشكل مستمر ومتتابع حالات كثيرة -في أماكن من وطننا العزيز- لمواطنين سعوديين في الخمسينيات من أعمارهم -وبعضهم تجاوزها- وهم يحتفون بنماذج رائعة -وخاصة في ميدان التعليم- لمعلمِين وافدِين تعلموا على أيديهم وأفادوا منهم علمًا وافرًا، واكتسبوا منهم تربية فاضلة، وأخلاقًا حميدة. ولا تقتصر هذه الحالات على المنتسبِين للتعليم؛ بل تمتد لغيرهم كالأطباء والمهندسين والعمال في شتى المهن، بل تصل حتى للمستخدَمِين.
هذه الحالات الإنسانية الراقية تعني فيما تعني أنَّ الجد والإخلاص والتعامل الحسن من قِبل الوافدِين، والوفاء والاحتفاء بهم من قِبل المواطنِين صفات راسخة وباقية، بل وتتمدد ولن تنقطع، وتعني أنَّ صاحب الجهد الوافر والتعامل الحسن لن يعدم حالة الوفاء (دنيا وأخرى) بإذن الله، وتعني أنَّ في الوافدِين نماذج مضيئة وافرة تستحق التكريم والاحتفاء والإشادة، وأنَّ في المواطنِين نماذج أصيلة وافرة.
محسن علي السهيمي – جريدة المدينة
