Site icon كوش نيوز

التدريب كإستراتيجية تنمية متسارعة

في عالم تتغير ملامحه على وقع تسارع المعرفة وثورات التقنية المتلاحقة لم يعد التدريب ترفا مؤسسيا أو نشاطا ترفيهيا على هامش العمل بل غدا استراتيجية جوهرية في مسار التنمية الشاملة ومحركا اصليا في بناء المجتمعات وصقل الأفراد. لقد أصبح التدريب مرآة لمدى جاهزية الشعوب لاحتضان المستقبل واستثمار الطاقات وتوجيهها نحو مسارات النهضة.

حين نتحدث عن التنمية المتسارعة فنحن لا نعني مجرد ارتفاع المؤشرات الاقتصادية أو تضاعف الناتج المحلي بل نعني تحولا جذريا في فكر الإنسان وفي سلوكه وفي كفاءته. ومن هنا يتجلى التدريب كأداة لا غنى عنها تعيد تشكيل المهارات وترمم الفجوات وتشعل جذوة الإبداع. وفقا لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية عام 2023 فإن الدول التي تستثمر ما لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي في برامج التدريب والتطوير المهني تحقق نموا في الإنتاجية بنسبة تتراوح ما بين 12% إلى 18% خلال ثلاث سنوات فقط.

أما الدول التي تتعامل مع التدريب كـ «مكافأة عرضية» أو «نشاط ثانوي» فغالبا تواجه بطء النمو وتراجع القدرة التنافسية.

إن التدريب الناجح لا يقاس بعدد الساعات ولا بكمية الشهادات، بل بقدرته على تغيير السلوك المهني ورفع كفاءة الأداء وتحفيز التفكير النقدي.

 

ولهذا فإن المؤسسات الذكية لا تنتظر ضعف الأداء لتبدأ بالتدريب بل تدرجه ضمن رؤيتها الاستراتيجية وتخضعه للتقييم والتطوير المستمرين.

في دول الخليج العربي أظهرت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة الخليج للتنمية البشرية عام 2022 أن المؤسسات التي تبنت التدريب كنهج مستدام شهدت انخفاضا في معدل الدوران الوظيفي بنسبة 27% وزيادة في رضا الموظفين بنسبة 35% وهذا يدعونا للتأمل في العلاقة العميقة بين الاستثمار في الإنسان واستقرار المؤسسات وازدهارها. ولأن التنمية المتسارعة لا تنتظر المتقاعسين فإن الرهان على التدريب هو رهان على المستقبل ذاته.  لا تنمية بلا معرفة ولا معرفة بلا تدريب ولا تدريب بلا رؤية تستشرف التحديات وتؤمن بأن أعظم الأصول ليست في الآلات ولا في الأبراج بل في الإنسان حين يدرب ويحفز ويعطى فرصة للتفوق.

ويتجلى بعد التدريب كمحرك للتنمية المتسارعة في رؤية قطر الطموحة لا سيما في إطار استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024-2030) التي وضعت تنمية راس المال البشري في صميم أولوياتها مؤكدة على التحول من «اقتصاد تقوده الدولة» إلى «اقتصاد يقوده الإنسان».

وقد نصت الاستراتيجية بوضوح على «تعزيز المهارات المستقبلية ورفع كفاءة القوى العاملة وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل» وكلها أهداف لا يمكن بلوغها دون بنية تدريبية متطورة ومناهج ديناميكية تعيد رسم القدرات. وفي هذا السياق يصبح التدريب أداة تمكين حقيقية تواكب التحديات العالمية وتعزز تنافسية المواطن القطري في أسواق العمل المحلية والدولية وترتقي بمنظومة الأداء المؤسسي فتترجم الطموح إلى واقع والخطط إلى منجزات. إن تحقيق التنمية المتسارعة وفق الرؤية القطرية لا يكون إلا بإنسان مدرب واع ومجهز بأدوات الغد.

د. حصة المرواني – الشرق القطرية

Exit mobile version