حروب المستشفيات!

حَدَّد نظام «روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية» الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، ومنها: «تَعَمّد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية والتعليمية والعلمية والخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية»!
ومعلوم أن الجيوش، وفقا للأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، ينبغي أن تتجنّب استهداف المستشفيات والمراكز الطبية المتعلقة بالمدنيين، ولكن يبدو أن «إسرائيل» فوق القانون، ولا تتعامل بالمنطق القانوني والإنساني الأصيل!
وسبق لنائب المتحدث للأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، أن قال يوم 22/3/2025، بشأن هجوم «إسرائيل» ضد مستشفى «الصداقة التركي ـ الفلسطيني» شمالي غزة إن «أي هجوم يستهدف البنية التحتية الطبية هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني»!
وخلال معركة الـ (12) يوما بين «إسرائيل» وإيران، برزت اتهامات مباشرة من تل أبيب لطهران بالوقوف وراء استهداف مستشفى «سوروكا» بمدينة بئر السبع الجنوبية صباح يوم 19/6/2025، وقد وصفت «إسرائيل» الهجوم، الذي أسفر عن إصابات وأضرار مادّية، بالمتعمّد!
أما إيران فقد أكدت، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، أن هدف الهجوم الرئيس هو مجمع «حديقة غاف يام نيغيف التكنولوجية»، الواقع على بُعد ميل واحد من مستشفى «سوروكا»، الذي يستخدمه الجيش «الإسرائيلي»!
وبالمقابل أعلن وزير الصحة الإيراني «محمد رضا ظفرقندي»، السبت الماضي، أن «إسرائيل» هاجمت 3 مستشفيات، و6 سيارات إسعاف، وأن اثنين من الكوادر الطبية قتلا في الهجمات!
وبموازاة ذلك، وحينما نتابع الاستهداف «الإسرائيلي» للمستشفيات والمراكز الصحية في غزة منذ بداية طوفان الأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر العام 2023 وحتى الآن، فإننا سنقف مذهولين أمام بعض الإحصائيات التي تُظْهِر حجم الحقد والكراهية الصهيونية ضد الإنسان في غزة!
وذكر (مركز معلومات فلسطين)، «مُعطى»، يوم 17 حزيران/ يونيو 2025 أن 39 مشفى خرجت من الخدمة في غزة، وأن الكوادر الطبية فقدت 1581 شهيدا، بالإضافة إلى 360 معتقلا، وقد سُجّل 186 استهداف لسيارات الإسعاف، و720 انتهاكا للمرافق الصحية!
وبلغت نسبة نقص الأدوية إلى 47 %، بينما وصلت درجة نقص المستهلكات الطبية إلى 65 %، وسَجَّل المركز عجزا تجاوز معدّل 85 % في مستلزمات جراحة العظام والعيون، فيما وصلت نسبة العجز في مستهلكات جراحة القلب إلى 100 %!
وأمام هذه الإحصائيات المخيفة والمخجلة والموثَّقة لاستهداف «إسرائيل» للقطاع الصحي في غزة وصف وزير الخارجية «الإسرائيلي»، جدعون ساعر، الهجوم الإيراني على مستشفى «سوروكا» بأنه «جريمة حرب»!
فهل يحقّ للكيان الصهيوني أن يضرب أيّ هدف يُريده، وبحجج جاهزة ومفبركة، ولا يحقّ للآخرين استهداف الأهداف الحيوية والعسكرية في الأراضي المحتلة؟
وهل الإنسان الذي يعيش في غزة يختلف عن الإنسان الذي يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
وهكذا تستمر جرائم الاحتلال في استهداف المستشفيات والمراكز الصحية، ولا جدال بأن القوانين الدولية والشرائع الإنسانية تعتبر استهداف المستشفيات المدنية في الحروب من الأعمال غير الأخلاقية وغير القانونية، وطعنة في صميم المبادئ الإنسانية!
ما تشهده غزة من انتهاك للقوانين الإنسانية واعتداءات فاحشة ضد الأبرياء المدنيين يُعدّ وصمة عار في جبين الإنسانية، وضربة موجعة للضمير العالمي الصامت، وخصوصا مع استغلال «إسرائيل» لانشغال الإعلام العالمي بحربها مع إيران لتستمر في قتلها المتواصل والوحشي لمئات المدنيين من المنتظرين للمساعدات الإنسانية وغيرهم في غزة، وهذه جريمة مُركّبة تؤكّد الحقد الدفين، والكراهية الأصيلة للإنسان، والقوانين الدولية الإنسانية!
يجب ألا يغيب عن البال أن «إسرائيل» كيان ضارب للقوانين الدولية والإنسانية، ولكنها اليوم تطالب بتطبيق القانون الدولي ضد إيران!
وعلى هذا الأساس ينبغي على المجتمع الدولي، ومجلس الأمن الدولي، والمحكمة الجنائية الدولية (ICC)، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والعفو الدولية وغيرها أن تَتحرّك لمحاسبة الشخصيات والكيانات التي تتعمّد استهداف المستشفيات البعيدة عن الاستخدامات العسكرية كونها تُعدّ جريمة حرب!
وعليه وأمام هذه التناقضات مَن سيُنْصِف أهالي غزة من المظالم «الإسرائيلية» المتنوعة والمستمرة منذ عشرات السنين وحتى الساعة؟
جاسم الشمري – الشرق القطرية