الإطعام حول الحرم..!!

كلَّما أهوي إلى الحرم المكيِّ الشَّريف، تقع عيناي على مشهد يتكرَّر هناك كلَّ يوم، وهو الصفوف الطويلة من المُعتمرِين والزُوَّار الوافدِين، رجالًا ونساءً، ممَّن ينتظرُون أمام مطاعم يعمل فيها وافدُون كذلك؛ للحصول علي وجبات طعام، يتبرَّع بثمنها لهم المواطنُون في بلدنا الكريم والأمين!. والنيَّة بلا شكٍّ طيِّبة، سواءً عند المُتبرِّعين، أو عند المطاعم، والهدف نبيل، فإطعامُ الطَّعام تقرُّبٌ للهِ -عزَّ وجلَّ- في كلِّ مكان، فما بالكم عند بيته العتيق؟ لكنَّ آليَّة الإطعام تقودني لإسداء بعض الملحوظات للجهات الرسميَّة والمعنيَّة، راجيًا من الله الأجر والثواب.
فالمُتبرِّعون يقدِّمون المال للمطاعم، وبعضهم يتبرَّع للعشرات من طالبي الوجبات دفعةً واحدةً في المرَّة الواحدة، فإذا كانت الوجبة تُباع بـ١٠ ريالات مثلًا، فقد تجد مُتبرِّعًا ينقد المطاعم بـ٥٠٠ ريال مقابل إطعام ٥٠ شخصًا، ويذهب مُطمئنًّا في حال سبيله، وهو لم يتأكَّد عمَّا إذا كانت الوجبات وصلت بكامل عددها المُتَّفق عليه لمُستحقِّيها، وسط آليَّة يسودها الاجتهادُ البشريُّ وسط المطاعم المُزدحمة دائمًا، وقد تحصل أخطاء، كما لا يعلم أيضًا مدى جودة وسلامة الوجبات ورضا مَن يأكلونها!.ثمَّ هناك مشهد الواقفين في الصفوف المُمتدَّة كالسلسلة الطَّويلة أمام المطاعم، ولا يخلو من إحراج لهم، وكأنَّهم يتسوَّلون أمام عيون المارَّة إذا ما وقعت الأعين على بعضها، وهو ما يعكِّر صفو هدف الإطعام الخيريِّ والنبيل. وأعتقد أنَّ آليَّة الإطعام تحتاج لتنظيم، هو أكبر من قُدرة الإشراف التي تمتلكها المطاعم، التي قد لا تُركِّز على نمذجة البُعْد التنظيميِّ لهكذا عمل خير يُغدقُ عليه الكثير من المال، فضلًا عن مراعاة مشاعر طالبي الوجبات، ورضاهم عن مذاق وجودة الطعام.وحبَّذا لو أشرفت الجهات الرسميَّة والمعنيَّة على تنفيذ الآليَّة، وحبَّذا لو ألزمت المطاعم التي تربح كثيرًا على إقامة نقاط توزيع مناسبة، ومُظلَّلة، وتليق ببناء التوسُّعات الراقية للحرم المكيِّ الشَّريف، وتُقدَّم فيها الوجبات بهدوء، وترتيب، وسِتْر؛
بعيدًا عن الصَّخب، والزحام، والصفوف الطويلة، والإحراج، مع إمكانيَّة أنْ تبيع المطاعم بطاقات وجباتها للمتبرِّعين؛ كي يوزِّعوها مباشرةً وبأنفسهم على طالبي الوجبات؛ للتأكُّد التام من وصول الوجبات لمستحقِّيها بالعدد المُتَّفق عليه، بدلًا من أنْ يدفعوا نقدًا للمطاعم دون متابعة شخصيَّة لما قد يجري بعد ذلك، وهذا التنظيم المُقترح أشبه بما تفعله الجمعيَّات الخيريَّة في مدن المملكة الأُخْرى؛ لتوفير أغراض الأُسَر المُحتاجة من التموين شهريًّا، وثبت نجاحه بشكل كبير، مع فارق ضخامة حجم الإطعام حول الحرم؛ لكثافة مُرتاديه من كافّة أنحاء العالم.وكما أسلفتُ، فالنيَّة طيِّبة، لكنْ حتَّى مع النيَّة الطيِّبة توجد ضرورة لآليَّة تنفيذ مُطوَّرة، وقِيل في الأمثال (حَرِّصْ ولا تُخَوِّن)، والتحريصُ خيرٌ وبركةٌ.
م. طلال القشقري – جريدة المدينة