آراءأبرز العناوين

لماذا جنوب إفريقيا؟ّ

تاريخيا، كانت أمريكا وبريطانيا من أخريات الدول التى فرضت عقوبات على جنوب إفريقيا العنصرية للضغط عليها لإنهاء نظام الفصل العنصرى. عام ١٩٨٤، اجتمع الرئيس الأمريكى رونالد ريجان مع القس ديزموند توتو، أحد رموز النضال بجنوب إفريقيا. كتب ريجان فى يومياته: «توتو شخص ساذج يطالبنى بفرض عقوبات. هو لا يدرك أن المشكلة ليست عنصرية فقط بل قبلية أيضا. وإذا انتهى الفصل العنصرى، سيكون هناك صراع بين السود». فى مايو ٢٠٢٥، تبنى الرئيس الأمريكى ترامب وجهة نظر اليمين الأمريكى المحافظ بأن ما يجرى فى جنوب إفريقيا «إبادة عنصرية» ضد البيض.

ريجان ثم ترامب انحازا للبيض، لكن الأخير وصل إلى الذروة. شطب التاريخ بفيديو ومجموعة أخبار قدمها لرئيس جنوب إفريقيا خلال اجتماعها فى البيت الأبيض، وثبت أن غالبيتها كاذب أو حدث فى دول إفريقية أخرى. يريد ترامب أن يقول إن السود بعد أن تولوا الحكم فى التسعينيات مارسوا العنصرية والاضطهاد ضد البيض «الأفريكانز» واستولوا على أراضيهم، بل واستهدفوهم بالقتل. أصبح مهووسا بأفريكانز جنوب إفريقيا نتيجة استيلاء الملياردير إيلون ماسك المولود فى جنوب إفريقيا على أذنيه وتزويده بأكاذيب عن عمليات قتل وترهيب ضد البيض. اليمين الأمريكى المتطرف والإعلام اليمينى ساعدا بشدة فى ذلك. البيض يشكلون ٧٪ من سكان جنوب إفريقيا لكنهم يسيطرون على ٧٥٪ من الأراضى القابلة للزراعة هناك. ملايين السود لا يملكون شيئا. أوضاعهم الاقتصادية سيئة للغاية. لم تنجح حكومات المؤتمر الوطنى المتعاقبة فى تحسين ظروفهم، الأمر الذى جعل الناخبين يعاقبونه العام الماضى بفقدان الأغلبية لأول مرة منذ تسلمه السلطة عام ١٩٩٤، واضطراره لتشكيل ائتلاف حكومى يشارك فيه الأفريكانز.

عدد قتلى البيض نتيجة النزاعات على الأراضى على مدى آخر ٣٠ عاما تجاوز الألفى شخص بقليل. هذا ما يسميه ترامب إبادة جماعية، بينما عندما تقتل إسرائيل ما يقارب ٥٤ ألف فلسطينى وتصيب ١٢٢ ألفا آخرين منذ أكتوبر ٢٠٢٣، فإنه لا يعتقد أن ذلك إبادة. وهذا هو السبب الآخر لاستهداف جنوب إفريقيا، التى تزعمت النضال القضائى والقانونى العالمى ضد إسرائيل وجرتها إلى محكمة العدل الدولية، واتهمتها بانتهاك معاهدة منع جريمة الإبادة الجماعية وطالبت بفرض إجراءات عاجلة وإضافية لحماية المدنيين. اعتبرت تل أبيب وواشنطن أن بريتوريا فضحت إسرائيل إنسانيا وأخلاقيا ودبلوماسيا أمام العالم، ولا بد من معاقبتها.

هل من المعقول أنه فى الوقت الذى تقوم فيه الإدارة الأمريكية بترحيل قسرى للمهاجرين عير الشرعيين خاصة من أمريكا اللاتينية وتُجبر الدول على استقبالهم، تسرّع من دخول مجموعة من البيض الأفريكانز إلى الأراضى الأمريكية بدعوى حمايتهم من الاضطهاد. حينما يتعلق الأمر بالبيض، الذين نصب ترامب نفسه حاميا لهم فى شتى أنحاء العالم، فإن إساءة معاملة فرد واحد منهم أو الاعتداء على حقوقه جريمة، أما تعرضه للقتل، فهو إبادة جماعية. لا يهتم ترامب كثيرا بما يحدث فى غزة، ولا حتى فى إفريقيا التى تعانى الحروب الأهلية والفقر والتمييز لصالح البيض والشركات الغربية. الأفارقة متهمون الآن بالإبادة الجماعية، وربما تكون التهمة غدا من نصيب الفلسطينيين.

عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى