اعتذر.. حتى لو لم تُخطئ!

في العلاقة الزوجية، لا تنتصر الحقيقة بقدر ما ينتصر التسامح. تتكرر لحظات الاختلاف وسوء الفهم، وتتصاعد التوترات التي لا تهدمها الكلمات، وتُنقذها النوايا الطيبة. وهنا تظهر أهمية التجاوز، والتغاضي، والاعتذار، كركائز تحفظ هذا الرابط الإنساني من الانهيار.
حين يعتذر أحد الطرفين، حتى وهو يعتقد أنه لم يخطئ، لا يعكس ذلك ضعفًا أو تنازلًا عن كرامة، إنما يُعبّر عن نضج وحرص على استمرار العلاقة. فالاعتذار لا يُقاس بميزان الحق والباطل، وإنما بميزان القيمة التي نمنحها للآخر. أن تقول «أعتذر»، يعني أنك اخترت السلام، أنك وضعت الحب أولًا، وأنك تفهم أن الكلمة الطيبة تزرع الطمأنينة في قلب الشريك.أما التغاضي، فهو وعي عميق بأن لكل إنسان عثراته. أن تتغاضى لا يعني تجاهل الخطأ، أنت تمنح الآخر مساحة للنمو، وإعطاء فرصة لتصحيح المسار دون جراح.
هو فن أن ترى بعين الرحمة، وتُعلّق الغضب، وتختار أن تبني العلاقة من جديد.وحين يغيب هذا الوعي، وتحضر المكابرة، يبدأ التصدُّع. التمسُّك بالموقف، والرغبة الدائمة في إثبات الصحة، يسرقان من العلاقة روحها.
في النهاية، العلاقة الناجحة لا تنشأ في غياب الخلاف، إنما في حسن التعامل معه. أن تتقن فن التجاوز، وتلجأ إلى الاعتذار، وتتسلَّح بالتغاضي، يعني أنك تبني جسرًا من الثقة والطمأنينة فوق نهرٍ من تقلبات الحياة. المُحِبْ مَن يعتذر وهو قادر على التبرير، ومن يختار السكينة رغم قدرته على المواجهة.الاعتذار؛ حين يكون الكبرياء ثمنًا باهظًا؛ هو الحل الأسلم للاستمرار.
أحمد الظفيري – جريدة المدينة
