آراء

‫الإبطال والبطلان وجهان لعملة مختلفة

تقوم العقود والاتفاقات التي يوقعها الطرفان على مبدأ لا اختلاف حوله أن إرادتهما توجهت نحو إحداث أثر قانوني معين، والتقيد بالتزامات متبادلة مقابل الحصول على حقوق ينص عليها وعلى كيفية تنفيذها ذلك الاتفاق الذي يعد بمثابة الشريعة بالنسبة لهما، لكن يحدث أن يكون الطرفان قد وقعا العقد المتفق عليه بنية تحقيق نتائج قانونية معينة، لكن بعد التوقيع تبرز إلى الأفق أمور لم يكن يرغب أي منهما في حدوثها وتؤثر على إرادتهما في تنفيذ بنود العقد، أو كانت تلك الأمور محققة وقت التعاقد لكن لو علم بوجودها أي منهما ما كان ليوقع ذلك العقد ويلزم نفسه بمضمونه. ومن القواعد المستقر عليها، والتي لا يمكن الاتفاق على خلافها، أن المتعاقدين إذا وقعا اتفاقا وهما بكامل إرادتهما الواعية المتبصرة،

ثم تراجعا بعد التوقيع لسبب كانا يعلمان بوجوده منذ البداية، فإن ذلك يرتب على المتعاقد الذي يرغب في التراجع جزاء في مواجهة الطرف الآخر، ويعد ذلك بمثابة فسخ يوجب التعويض المناسب حسب الاتفاق والقانون، لكن في الحالة التي يكتشف فيها بعد التعاقد أن أمرا حدث كان يجهله أحد الأطراف ويعلمه الطرف الآخر، ولو كان الاثنان أثناء التوقيع يعلمانه لما أقدم الطرف الجاهل به على التوقيع، كان من حق هذا الأخير أن يتمسك بما يسمى في قواعد القانون المدني «الإبطال»، أما إذا كان من الأصل المتعاقدان أو أحدهما لا يتوفر فيه أو موضوع التعاقد صفة أو ركن أساسي في العقد كان هذا الاتفاق من الأصل باطلا ولو وافق الاثنان على نفاذه، ويترتب عليه حكم «البطلان». الإبطال بصفة عامة حق يستطيع التمسك به كل متعاقد أقدم على توقيع اتفاق بإرادته الواعية المتبصرة لكنه كان يجهل أمرا جوهريا يؤثر على موافقته الالتزام بالعقد، ويكون للطرف الآخر يد في دفعه على التعاقد ويكون كذلك عالما بأن الطرف الآخر يجهل ذلك الأمر الخفي، بمعنى أن جزاء الإبطال يترتب إذا اختل شرط من الشروط الواجب توافرها في إرادة المتعاقد، أي أن إرادة الأطراف إذا اقترن بها عيب من عيوب الرضا جاز التمسك بالإبطال،

ومن عيوب الرضا التي توجب إبطال التصرف هنالك عيب التدليس أو الإكراه أو الغلط، ومن الأمثلة الشائعة لإبطال التصرفات هو مرض الموت، فالشخص الذي يكون طريح فراش الموت ويكون مدركا أنه حسب الشائع وحسب تحليل الأطباء المختصين أن المرض الذي أصابه يؤدي للموت في العادة، ثم يقدم على إبرام عقود بنية تصفية تركته قبل وفاته، ثم تصيبه الوفاة بسبب ذلك المرض، يعد التصرف أو الاتفاق الذي وقعه آنذاك غير قانوني، وبالتالي يحق لكل ذي مصلحة أن يدفع بشأنه بالإبطال. أما البطلان فهو أمر مختلف، فإذا كان المقصود من الإبطال إيقاف الأثر القانوني للعقد في المستقبل وإعادة المتعاقدين للحالة التي كانا عليها قبله، فإن البطلان يعتبر ذلك الاتفاق كأنه لم يكن منذ توقيعه، فتنتقل آثاره إلى المستقبل والحاضر والماضي كذلك، فالعقد يكون قد نشأ في الأصل وهو مختل الأركان التي تخول وجوده من الأساس، لأن البطلان لا يعني وجود عيب في الإرادة فقط، بل يتجاوز ذلك إلى انعدام الشروط الأساسية المخولة لتكوينه، مثل عدم وجود محل التعاقد أو سببه أو انعدام الرضا من الأصل، مثل الحالة التي يتعاقد بشأنها طرفان من أجل شراء عقار معين، ويكون في الواقع ذلك العقار ليس له وجود في الأساس، ففي هذه الحالة لا يجوز التمسك بالإبطال، بل يجب الدفع بالبطلان لغياب محل التعاقد من الأصل.

المحامي عبد الله نويمي الهاجري – الشرق القطرية

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى