اقتصاد

قفزة صافي الأصول الأجنبية في مصر.. ماذا تعني؟

في ظل بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، تشهد مصر تحسنا ملحوظا في مؤشرات الاستقرار المالي، حيث ارتفع صافي الأصول الأجنبية إلى 10.18 مليار دولار في فبراير الماضي، مقارنة بـ 8.7 مليار دولار في يناير، مدعوما بزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين بالخارج.

لكن هذا التعافي لا يخلو من تحديات، أبرزها معدلات التضخم المرتفعة رغم انخفاضها مؤخرا، والضغوط الناجمة عن السياسات التجارية الأميركية، ما يدفع الخبراء إلى الدعوة لتعزيز الإصلاحات الهيكلية لضمان استدامة النمو.

أكد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية الدكتور مصطفى أبو زيد، في تصريحات خاصة لـ”الحرة”، أن الارتفاع المتتالي في صافي الأصول الأجنبية يعكس “زيادة استقرار وقوة الجهاز المصرفي”، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأصول عن الالتزامات في البنك المركزي يُترجم فائضًا يدعم الثقة في الاقتصاد.

وأرجع أبو زيد هذا التحسن إلى عدة عوامل، منها زيادة الاستثمار الأجنبي غير المباشر في أدوات الدين المحلية، وارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وموافقة صندوق النقد الدولي على صرف شريحة قرض بقيمة 1.2 مليار دولار، مما ساهم في استقرار الوضع النقدي.

كما لفت أبو زيد إلى ارتفاع الاحتياطي النقدي للبنك المركزي إلى 47.4 مليار دولار، وهو ما ينعكس إيجابًا على استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

رغم المؤشرات الإيجابية، حذر الخبراء من تحديات قد تعيق مسيرة التعافي، حيث أشار أبو زيد إلى أن “معدل التضخم – رغم انخفاضه إلى 12.5% في فبراير من 24% في يناير – ما زال أعلى من المستهدف”.

وأضاف أن قرارات الرئيس الأميركي برفع الرسوم الجمركية على الواردات العالمية قد تخلق ضغوطًا تضخمية إضافية، داعيًا الحكومة والبنك المركزي إلى “دراسة سيناريوهات استباقية” لمواجهة هذه التحديات، خاصة في ظل سعي مصر لتنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي عبر حوافز ضريبية واستثمارية لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.

من جانبه، أوضح رئيس الجمعية المصرية للأوراق المالية محمد ماهر، في تصريحات للحرة، أن ارتفاع صافي الأصول الأجنبية للشهر الثالث على التوالي (1.48 مليار دولار في فبراير) جاء نتيجة تراجع عجز البنوك التجارية إلى 1.9 مليار دولار، وزيادة أصول البنك المركزي الخارجية بنحو 96 مليون دولار.

وأضاف ماهر أن البنوك خفضت التزاماتها بالعملة الأجنبية 588 مليون دولار في فبراير وارتفعت أصولها بالعملة الأجنبية الموظفة بالخارج 792 مليون دولار و زاد صافي أصول القطاع المصرفي 5.73 مليار دولار خلال 3 أشهر.

كما أشار ماهر إلى تراجع الدين الخارجي بمقدار 111 مليون دولار في الربع الرابع من 2024، ليصل إلى 155.09 مليار دولار.

ووفقاً لتصريح رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، فإن مصر لديها تصور لسقف الاقتراض الخارجي مؤكدًا خفض الدين الخارجي بنسبة 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويًا. و أضاف مدبولي أن ما يتم من إصدار السندات يهدف إلى إعادة هيكلة آجال الاستحقاق لتتناسب مع موارد الدولة من النقد الأجنبي.

في سياق متصل، ناقش الخبراء تأثير السياسات التجارية الأميركية، حيث رأى ماهر أن فرض الرسوم الجمركية بنسبة 10% على الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة قد يشكل تحديات كبيرة أمام فرص التعافي للاقتصاد المصري ولكن في المقابل قد تشكل هذه السياسات التجارية الأميركية الجديدة فرصة يمكن استغلالها لزيادة الاستثمارات الأجنبية في مصر وأيضا تعزيز الصناعات التصديرية المصرية، خاصة في مجالات النسيج والصلب والألومنيوم والمنتجات الزراعية، التي حققت مصر فيها أرقامًا قياسية مؤخرًا.

بدوره، قدم أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي سابقًا الدكتور عمرو صالح، تحليلًا مفصّلًا للحرة حول زيادة الودائع الأجنبية في البنوك المصرية. و أشار صالح إلى أن ارتفاع الأصول الأجنبية يدل على تحسن الثقة في الاقتصاد المصري، لكنه حذر من تقلباتها المستقبلية، قائلًا: “هذه الزيادة غير مستقرة وقد تتفاوت بمرور الوقت”.

أشاد صالح بتثبيت سعر الفائدة لدعم الاستثمارات، وتحسين سعر الصرف لتعزيز تدفقات رأس المال، لكنه لفت إلى أن “السوق الموازي شهد ضغوطًا أثرت على حركة الأموال داخل السوق المالية “.

ودعا صالح إلى تعزيز الإصلاحات الاقتصادية لضمان استمرار تدفق الاستثمارات، قائلًا: “السياسات الحالية أثبتت فعاليتها، لكن المطلوب تعزيزها لتحقيق نمو مستدام”.

من جانبه، أوضح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع السياسي، الدكتور وليد جاب الله أن صافي الأصول الأجنبية هو إجمالي ما يمتلكه الجهاز المصرفي من عملات أجنبية وحقوق خارجية، بعد خصم ما عليه من التزامات بالعملة الأجنبية تجاه الخارج، وكلما كان الفارق إيجابيا لصالح الدولة كلما كان ذلك من مؤشرات قوة ماليتها.

وأضاف في تصريح للحرة أن الزيادة الأخيرة لصافي الأصول الأجنبية المصرية تأتي “لتعبر عن أمور إيجابية أهمها زيادة التدفقات من العملات الأجنبية سواء كان ذلك راجع لحزم تمويلية أو استثمار أجنبي مباشر، وهو ما يؤثر إيجابيا على مؤشر ميزان المدفوعات، ويساعد على تقديم الاقتصاد بصورة جيدة.”

وأوضح أنه يجب أن ينظر إلى ذلك بالتوازي مع المؤشرات الأخرى كمعدل النمو الذي يؤدي أداء حسنا في الفترة الأخيرة متجاوزا نسبة 4% وكذا استمرار سير الحكومة في مسارها الإصلاحي، مما يعبر عن أن الاقتصاد المصري يسير في مساره الصحيح وفقا للمتغيرات الطبيعية وأنه إذا لم يتأثر سلبا بمتغيرات خارجية فإنه يمكنه الانطلاق لآفاق نجاح وتنمية أكبر.

ورغم الإشارات الإيجابية، يبقى الاقتصاد المصري في مفترق طرق؛ فالتعافي المالي يحتاج إلى ترجمة على أرض الواقع عبر خفض التضخم وخلق فرص عمل. كما أن استغلال الفرص الناشئة عن التحولات التجارية العالمية – كالاستثمار في الصناعات التصديرية – يتطلب تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية.

وفي الوقت الذي تُضاء شمعة أمل لدى المصريين بارتفاع الاحتياطيات وتحسن المؤشرات النقدية، تُطفئ رياح التضخم والسياسات الخارجية جزءًا من هذا الضوء، مما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي لتحويل الأرقام إلى واقع معيشي للمواطن المصري.

الحرة
أميرة جادالله – القاهرة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى