خيول رمضان..!!

يا ربَّاه، ما أسرع أيَّام رمضان، وكأنَّها خيولٌ بريَّةٌ تُطلِقُ العَنانَ لجموحها، وتتسابق في ميدان النُّور نحو خط النهاية الذي لا ينتظر أحدًا، وتتسارع خطواتها لتفوز بجوائز سباقها السِّمان.يأتينا هذا الشهرُ الأغرُّ بعد انتظاره طيلة العام، فيدخل علينا مثل نسمات باردة تلامس قلوبنا الظمأى للسَّكينة، وما إنْ تغرُبُ شمسُ يومه الأوَّل حتَّى تدورَ عجلةُ أيامه كطواحين الهواء في وجه عاصفةٍ هوجاءَ، لا تتوقَّف لحظةً، ولا تنتظر الكسَالَى، وكأنَّها سُبْحَة قد انفرطتْ حبَّاتُها وتبعثرتْ خرزاتُها بين غمضةٍ وانتباهِ عينٍ.وفي غمرة انشغالنا بروتين وتقاليد الحياة، نغفلُ عن استغلال كنوز رمضان الروحانيَّة ونفحاته الإيمانيَّة، وتتسارع أيَّامه ولياليه، وتنتصرُ مشاغلنا الأقل أهميَّة، وتجثم موائد بطوننا على راحة قلوبنا، وسكينة أرواحنا، وتسرقنا برامج ومسلسلات ومقالب سخيفة تملأ التلفزيونات، فنؤجِّل الطَّاعات إلى الغد، والغد إلى ما بعد الغد، حتَّى تدركنا نهاية رمضان مثل حلم عابرٍ في ليلةِ شتاءٍ.
ورمضان يأتينا كلَّ عامٍ وفي يده أثمنُ هديةٍ، هي فرصةٌ من خالقنا لمراجعة أنفسنا، وتصحيح مسارنا، والارتقاء على درجات الإحسان، وما الحياة كلها إلَّا سباقٌ عظيمٌ، ليس فيه للمتباطئين إلَّا الحسرات، ولا للغافلين إلَّا الندم.
فيا سادتي، ويا مَن تقع عيناه على مقالي، لقد تبقَّى من رمضان ١٢ أو ١٣ يومًا، آخر محطَّات القطارِ، قطارٌ مشحونٌ بالخير، وفيه ليلةٌ تضيءُ الوجود، فلنكن ممَّن يعمرونَها بنور الطَّاعات، ولا نكون ممَّن يتهيُون عنها في غياهب الغفلات.
ويا أماننا أجمعين.
م. طلال القشقري – جريدة المدينة