آراء

سوريا.. العصيَّة على الاختراق

لا يعلمُ إلَّا اللهُ، والرَّاسخُون في العلم، حجمَ الإحباط الذي أصاب دولًا وجماعاتٍ وأفرادًا، في العالم، وفي الإقليم، بعد صدور قرار مجلس الأمن المتعلِّق بسوريا، بعد اجتماعه بذلك الخصوص، منذ بضعة أيام.فورَ صدور خبر طلب انعقاد الجلسة، انتشرت كالنار في الهشيم، في أجواء الإقليم والعالم، كميَّةُ شماتةٍ وتشفٍّ بائسة لم يسبق لها مثيلٌ في المنطقة حجمًا وموضوعًا. عَلَا ضَحكُ هؤلاء وهم يغنُّون طربًا بأنَّ سوريا المحرَّرة انتهت. وبأنَّ مجلس الأمن سيفرض (الفصل السابع) عليها. وأنَّها ستتعرَّض للوصاية الدوليَّة. وأنَّ تلك الوصاية ستُفضي إلى طرد السُّلطة الجديدة، ثمَّ فرض التقسيم على البلاد.

المفارقة أنَّ شرائح ممَّن يُفترض بهم أنْ يكونوا عربًا وسوريِّين شاركوا في تلك الهمروجة المخزية. لكن ما فات هؤلاء أنَّ تفكيرهم يقع في خانة التفكير الرغائبيِّ، وأنَّه أقرب إلى كونه طفولةً سياسيَّةً.لم يدرك هؤلاء أنَّ سوريا، في وضعها الجديد، محميَّةٌ بتوازن رعب إستراتيجيٍّ لا يسهلُ لأحد اختراقه بشكل ٍ كبيرٍ. لماذا؟ لأنَّه ليس من صناعة، لا أحمد الشرع، ولا السوريِّين الثوَّار، وإنَّما هو واقع جيوبوليتيكيٌّ تكوَّنَ بأثر التغيُّرات الجذريَّة التي حصلت في المنطقة خلال السنوات الماضية، وبلغت ذروتها مع الشهور القليلة السَّابقة.

لم يَبلُغ فَهمَهُم القاصر أنَّ كل الضغوط الممكنة على سوريا مؤقَّتة، وتهدف لشراء الوقت؛ بغرض صياغة الترتيبات الإقليميَّة الكبيرة، وترتيب أدوار وأوزان اللاعبين فيها. مؤقَّتة، ببساطة؛ لأنَّ أيَّ تطويلٍ فيها سيؤدِّي لانفجارات إقليميَّة لا قِبَل لأحد في المنطقة على تحمُّل تَبِعاتها. وهذا أمرٌ محسومٌ في كلِّ مراكز الأبحاث والدراسات العالميَّة الرَّصينة، في واشنطن، وفي عواصم أُخْرى مؤثِّرة.

أوَّلًا: أيُّ (زعزعةٍ) في المنطقة، هي في صالح عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل تحرير سوريا، بتفاصيلها المعروفة. وهذه عمليةٌ تخلط كل الأوراق، التي شاركت قوى عالميَّة وإقليميَّة في ترتيبها بشكلٍ مُنهِك. وهذا خطٌّ استراتيجيٌّ دوليٌّ أحمرُ.

ثانيًا: كما شرحنا في المقال السابق، لم يكن للتَّغيير في سوريا أنْ يحصل في توقيتٍ أفضل بالنسبة للسعوديَّة. وحجم الأعباء الهائلة السياسيَّة والأمنيَّة والعسكريَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي رفعها التَّغيير السوريُّ عنها، لا يدرك أبعاده سوى قلائل. خاصَّةً في ظل سعي السعوديَّة لملء دورها الإقليمي الكبير المقبل.ثالثًا: تُدرك أوروبا، أكثر من غيرها، معنى الانفجار في سوريا، وما حولها (أزمة اللاجئين مثالًا فقط). وفي ظل هموم أوروبا الطارئة الكبيرة، وإعلان المستشار القادم لألمانيا عن البدء بسياسة «الاستغناء عن أمريكا»، يبدو واضحًا أنَّ آخرَ همٍّ تبحث عنه أوروبا حاليًّا هو الغرق في مثل تلك الأزمات.

رابعًا: كل الدول العربيَّة الرئيسة، ومعها تركيا، تدرك مستتبعات تفجير سوريا. وصدور بياناتها لتأييد الوضع الجديد فيها، لا ينبع حصرًا من العلاقات الأخويَّة، ولكن، فوقَها، عن إدراكٍ عميقٍ لحجم التحدِّيات التي سنعانيها جميعًا في حال حصول ذلك.

خامسًا: تدرك إسرائيل كلَّ تلك الصورة بأبعادها المعقَّدة. وتدرك أكثر أنَّ انخراطها العسكريَّ الكبير في سوريا يترتَّب عليه خطرٌ وجوديٌّ، قد يكون أكثر جدِّيةً ممَّا رأته من أهوالٍ في الصِّراع مع حماس المحاصرة.

سادسًا: ثمَّة عرفٌ دبلوماسيٌّ كريهٌ.. وُفق ذلك العُرف، لم تتمكَّن الدولة السوريَّة من إعلان تورُّط بعض الدول والجهات المحدَّدة في محاولة التمرُّد والانقلاب التي حصلت في الساحل السوريِّ. لكن هذا لم يكن يتضارب مع ما جرى من مشاركتها للحقائق المذهلة، عن طريق الدبلوماسيَّة السريَّة، مع أنظمة عربيَّة وغير عربيَّة، وما نتج عن ذلك من تقويةٍ لموقف سوريا عالميًّا بشكلٍ إضافيٍّ.ثمَّة عناصر أُخْرى في هذه المعادلة المعقَّدة للغاية يطول الحديث فيها.. لكنَّها بمجملها تشكِّل عقدةً سياسيَّةً إستراتيجيَّةً، من الغباء السياسيِّ التَّفكير بِحلِّها من خلال ضغطٍ على سوريا يؤدِّي لانفجارها.

المذهل في الموضوع، أن (بعض) السوريين، الحالمين بعودة الماضي، يتعاملون مع الوضع في بلادهم، غافلين كلياً عن تلك الصورة، وكأنما سوريا جزيرة معزولة في أحد المحيطات البعيدة.. وهم غافلون أكثر، تحت ضغط الأيديولوجيا وخصوماتها الصبيانية، وغرقهم فيما هو آني وعاجل، عن حجم الأوراق المتوفرة لدى القيادة السورية، وفسحة الخيارات والسيناريوهات المتوفرة لديها مع تطورات الأوضاع خلال الأسابيع والشهور المقبلة.

وكما قلنا في مشاركةٍ إعلاميَّة: «السُّنِّيةُ» ليست صَكَّ براءة. و»العلويَّةُ» ليست دليل اتِّهام. التمرُّدُ انتهى. والمحاسبةُ مقبلةٌ. عدوُّنا هو «الطَّائفة الأسديَّة». فلننظر جميعًا إلى الأمام. سوريا لكلِّ السوريِّين.

د. وائل مرزا – جريدة المدينة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى