آراء

القمة وما بعدها.. أسلوب التفاوض الترامبي!

ما إن اختتمت القمة العربية الطارئة حتى بادرت الإدارة الأمريكية إلى رفض ما توصلت إليه من قرارات ومقترحات.

هكذا من دون إبداء أسباب وحيثيات على شيء من التماسك يسمح بالحوار والتفاوض، كما لو كانت قد فوجئت بالرفض العربي الحاسم والقاطع لمشروع «تطهير غزة» من سكانها، الذي اقترحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
عقدت القمة لهدف وحيد، وهو بناء تصور مشترك يسمح بإعادة إعمار القطاع المهدم من دون تهجير لسكانه، قسرياً أو طوعياً.
كانت الإدارة الأمريكية في كامل الصورة، والعالم بأسره يعرف الخطوط العريضة للخطة المصرية المقترحة، التي أصبحت عربية بعد أن أقرّتها القمة.
لم تكن هناك أدنى مفاجأة. في تصريح معلن اعتبر ترامب أن خطته مجرد مقترح وهو مستعد أن ينظر في أية مقترحات أخرى.
ما الذي حدث ليعود البيت الأبيض إلى إعلان تمسكه بمقترح اعتبر على نطاق دولي واسع جريمة حرب مغرقة في عنصريتها بظاهر ألفاظه وطبيعة عواقبه؟
لم يحدث شيء، لكنها طريقة ترامب في التفاوض، يذهب في مساوماته للحد الأقصى حتى يصل إلى صفقة مربحة بنهاية المطاف. إنه رجل الصفقات في التجارة والسياسة معاً. إذا تحققت أهدافه بوسائل الترهيب والتخويف، فإنها «صفقة رائعة» لم يكن سلفه «جو بايدن» قادراً عليها! وإذا اعترضت فكرته مشاكل حقيقية، فإنه يلف ويدور حولها، ويعود إليها مرة بعد أخرى للحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات.

لم تكن القمة مثالية، ولكنها قدمت إجابة واضحة على خطة ترامب من دون أن تشير إليه، أو تصطدم بنرجسيته المفرطة. كان ذلك نوعاً من النجاح استدعى رفضاً أمريكياً وإسرائيلياً متزامناً.
بدت القمة مختصرة ومحددة، في مسألة رفض التهجير، لكنها لم تتطرق إلى أي إجابة على تحدي حرب التجويع، التي أعلنت على سكان غزة، لإجبارهم على رفع الرايات البيضاء، ولا على تحدي ما يحدث في الضفة الغربية من اقتحامات وتهديم مخيمات بأكملها حتى لا يكون أمام سكانها سوى النزوح الجبري.
حاولت القمة لإغلاق الذرائع أمام مشروعات التهجير أن تقدم إجابة على سؤال: من يدير غزة؟
لجأت إلى شيء من الغموض المتعمد، كما لاحظ مراقبون ومتابعون، لتمرير توصية تتجنب الصدام مع رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس- أبو مازن»، الذي يطلب حكم غزة بأي ثمن، الطلب مشروع لكن ليس بتكرار تجربة التعاون الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية بصورة أسوأ! بذات النهج أوصت القمة بتشكيل لجنة مستقلة من التكنوقراط لإدارة القطاع لمدة ستة أشهر، إلى جانب دعوة مجلس الأمن لنشر قوات دولية لحفظ السلام في غزة والضفة الغربية.
الشق الأول، لا تمانع فيه «حماس» فيما السلطة تؤكد طبيعتها المؤقتة حتى لا يكون ل«حماس» أي دور، أو مستقبل.
التناقض بين حركتي «فتح» و«حماس» من مواريث الانشقاق الكبير في عام (2007)، لكنه يضع الآن مصير القضية الفلسطينية كلها على محك وجودي، أن تكون أو لا تكون.
إننا أمام طرف يملك شرعية الاعتراف الدولي دون قاعدة شعبية تؤيده.. وطرف آخر يحمل قضية المقاومة وتميل إلى خياراته أغلبية فلسطينية وازنة.

أما الشق الثاني، فإنه مطلب قديم للسلطة الفلسطينية يصطدم جوهرياً مع مشروع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وهو ما يتبناه نتنياهو وترامب معاً.
التحدي الأكثر أهمية وجوهرية يلخصه مدى القدرة على الوفاء بتكلفة إعمار غزة، التي قدرت ب(53) مليار دولار تذهب أغلبها إلى إعادة بناء المرافق والمساكن. إذا نجح مؤتمر إعمار غزة المزمع عقده في غضون أسابيع فإنه سوف يكون خطوة كبيرة لتجنب التهجير نهائياً ودعم قدرة الفلسطينيين على التشبث بأرضهم، أو ألا تكون هناك نكبة ثانية.
بنص تصريحات البيت الأبيض: «الخطة العربية لا توفر حلاً لسكان غزة الذين يفتقدون أي قدرة على الحياة». الحقيقة أن الإدارة الأمريكية تنفي عنهم حق الحياة نفسه بتبنّي «التطهير العرقي»، لم يُدِن ترامب بحرف واحد جريمة الإبادة الجماعية، التي استدعت المثول الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، ولا ندّد بحرب التجويع التي أعلنتها تل أبيب على شعب يعاني العراء والجوع في شتاء قارس.
لن يكون مستغرباً أن تناهض الإدارة الأمريكية أي فرصة لنجاح مؤتمر الإعمار. إنه تحدٍّ لا يستهان به.
هذا جانب في الصورة، لكنه لا يلخص الصورة كلها. ترامب يمكن أن يذهب في اللحظة نفسها إلى الشيء ونقيضه.
كانت رسالته إلى حركة «حماس» عبر منصة «تروث» مثيرة في توقيتها، كأنه يوشك بعد لحظات أن يضرب بعنف مطلق من أجل إنفاذ جوهر خطته، أن تُخلي غزة من أي سلاح.«شالوم حماس.. يمكنكم الاختيار: أطلقوا سراح جميع الرهائن الآن وليس لاحقاً، وإلا فسننهي أمركم».
بالمفارقة، وفي اللحظة ذاتها، كانت تجري لأول مرة محادثات مباشرة أمريكية مع حماس في الدوحة.
استهدفت المحادثات الإفراج عن الرهائن والأسرى مقابل هدنة طويلة الأمد.. هذا تطور جوهري في قواعد التفاوض بالانتقال من الرسائل المتبادلة عبر وسطاء إلى الحديث المباشر بحثاً ربما عن صفقة محتملة وفق المعايير البراغماتية الترامبية.
جرت، في نفس اللحظة، محادثات مصرية أمريكية دخلت في تعقيدات اليوم التالي بعد انتهاء الحرب وسؤاله الرئيسي: من يحكم غزة؟
بأي نظر جدّي في أسلوب التفاوض الترامبي فإن أكبر خطأ قد يرتكب هو التسليم بما يطلب، كأنه قدر محتم.

عبدالله السناوي – صحيفة الخليج

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى