آراءأبرز العناوين

من حمى البحث عن الذهب.. إلى صراع المعادن

من المثير أنْ نلاحظ كيف أنَّ التاريخ يُعيد نفسه في كثير من الأحيان، حتَّى في العصر الحديث. أحد أبرز الأمثلة على ذلك، هو المقارنة بين حُمَّى البحث عن الذَّهب في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكيَّة عام 1848، والصراع الحاليِّ على الموارد المعدنيَّة في أوكرانيا. رغم مرور أكثر من 170 عامًا بين الحدثين، إلَّا أنَّ القواسم المشتركة بينهما تظهر أنَّ الإنسان لم يتغيَّر كثيرًا في تعامله مع الثروات الطبيعيَّة.

في عام 1848، بدأ البحث عن الذَّهب في كاليفورنيا، حيث تدفق الآلاف من النَّاس من مختلف أنحاء العالم؛ بحثًا عن ثروة مفاجئة. كانت المخاطرة بالحياة، والسفر لمسافات بعيدة بحثًا عن الذَّهب تمثِّل أملًا جديدًا في الثَّراء، لكنَّها جلبت معها -أيضًا- صراعات اجتماعيَّة واقتصاديَّة، وتدهورًا بيئيًّا. اليوم، نجد أنَّ اهتمام القوى الكُبْرى يتوجَّه إلى أوكرانيا، التي تمتلك معادن نادرة مثل: الليثيوم، والتيتانيوم، والتي تُعتبر أساسيَّة لتكنولوجيا الطَّاقة الحديثة، وأصبحت ذات أهميَّة إستراتيجيَّة كبيرة في عالم التكنولوجيا الحديثة، وخاصَّةً في مجال الطاقة المتجدِّدة والصناعات المتقدِّمة. هذه المعادن تُعتبر بمثابة «الذهب الجديد» في القرن الحادي والعشرين، وقد أصبحت هذه المعادن اليوم، محط أنظار الدّول الكُبْرى التي تسعى للسيطرة عليها.في القرن التاسع عشر، كان البحث عن الذَّهب مدفوعًا بالأفراد السَّاعين للثَّراء،

بينما اليوم، يشمل البحث عن المعادن النَّادرة، دولًا عُظمَى تسعى لضمان مستقبلها التكنولوجيِّ. لكن في كلتا الحالتين، كانت النتائج لا تقتصر على المكاسب الاقتصاديَّة فقط، بل ترافقها آثار بيئيَّة واجتماعيَّة خطيرة. في كاليفورنيا، دمَّرت عمليَّات التنقيب العشوائي البيئة، وأثَّرت سلبًا على السكَّان الأصليين. أمَّا في أوكرانيا، فالحرب المستمرَّة زادت من التَّركيز على المعادن، بينما يزداد القلق من الأضرار البيئيَّة، والنزاع الذي يفاقم المعاناة الإنسانيَّة.بينما كانت حمى الذهب في كاليفورنيا فرصة اقتصادية للبعض، فإنها جلبت الفقر لآخرين. اليوم، رغم الطموحات الكبيرة لاستخراج المعادن من أوكرانيا، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة التوترات الجيوسياسية،

وإلى آثارٍ سلبية على الاقتصاد العالمي. إذ يظهر التشابه بين الحالتين أن البشر لم يتعلموا دروساً من الماضي، فالنزاع على الموارد الطبيعية يؤدي في النهاية إلى آثار سلبية على الأرض والإنسان.على الرغم من التغيُّرات في الزَّمان والمكان، تبقى الطموحات البشريَّة، والآثار المترتِّبة عليها ثابتة، حيث إنَّ السَّعي وراء الثروات دائمًا ما يحمل في طيَّاته بذور الصراع والمخاطر.

أ. د محمد رشاد بن حسن مفتي – جريدة المدينة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى