آراءأبرز العناوين

الرد العربي على الغطرسة الاستعمارية

‏في زيارته الأخيرة لواشنطن، ظهر نتنياهو منتشيًا وأكثرَ ثقةً، من خلال ابتساماته التي يوزِّعها أمام الكاميرات، ولغة جسده.. حيث أعلن ترمب عن دعم إسرائيل بـ 5.6 مليارات دولار؛ لمتابعة حربها على غزَّة.. بل يتمادى في غطرسته، بالحديث عن الهجرة الطَّوعيَّة للفلسطينيِّين لدُولٍ أُخْرى، وخاصَّةً مصرَ والأردنَ في صفاقةٍ تكشف عن مخططاتهم الاستعماريَّة لتلك الأرض؛ التي عاش بها الفلسطينيُّون آلاف السِّنين، فعن أيِّ هجرة طوعيَّة يتحدَّثُون، بعد التَّدمير الشَّامل، والقتل، والتشريد؟! ومع ذلك رأينا طوفان الفلسطينيِّين يُهرولُونَ نحو منازلهم، يفترشُونَ الأنقاض.. في أملِ العودة.. وإذا بترمب يفجِّر قنبلةً أُخْرى من العيار الثَّقيل، وإعلان أنَّ الولايات المتحدة تريد السَّيطرة على قطاع غزَّة (وملكيَّة طويلة الأمد)؛ لإعادة الإعمار، واستثمارات، وتحويله إلى (ريفيرا الشَّرق الأوسط).‏وتماهيًا مع هذا التوجُّه الاستعماريِّ، يطلق نتنياهو استفزازاته المتوالية، وردِّه على سؤال عن تمسُّك الرياض بدولة فلسطينيَّة من أجل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيردُّ عن إمكانيَّة إقامة دولة فلسطينيَّة في أيِّ بقعةٍ خارج غزَّة!! ‏في عنجهيَّةٍ واستعلاءٍ ومنطقٍ أعوجَ، قابلته أغلب الدُّول الأوروبيَّة والعربيَّة بالرَّفض التام.إنَّ هذه العقليَّة الإسرائيليَّة المتطرِّفة لا تعي ما تعنيه الأرض للشَّعب الفلسطينيِّ..

فلماذا لا يُطلب ممَّن قدمُوا لأرضِ فلسطينَ بالعودة إلى بلادهم، ومنهم سموتريتش، الذي ترجع نشأته في أوكرانيا، وأنْ يعود نتنياهو إلى وارسو ببولندا، أرض آبائه وأجداده، وأنْ يعود بن غفير إلى العراق.. وهكذَا، فاليهود في فلسطينَ الآنَ هُم أصلًا من شتاتٍ مختلفةٍ؛ فقد جاءُوا بجوازاتِ سفرٍ من بلادهم، ثم استولُوا على الأرض، وبمخالفةٍ للقانونِ الدوليِّ، وعليهم العودة إلى بلادهم، بدلًا من إخراج الفلسطينيِّين أهلِ الأرض من ديارهم.. فهم أصحابُ حقٍّ وليسُوا مهاجرِينَ إليها، ولا يمكن طردهم، متَّى شاء الاحتلالُ الغاشمُ.‏وقد جاء بيان الخارجيَّة السعوديَّة مزلزلًا ورافضًا لهذا التَّصريح الأهوج المتهوِّر -الذي لا يزن الأمور بمعيار السياسة، ولكن بمعيار العنجهيَّة- وقاطعًا -وبدون أدنى شكٍّ- مواقف السعوديَّة الثَّابتة والرَّاسخة تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة، وأنَّها لا تخضع للمزايدات السياسيَّة؛ وأنَّه لا يمكن تحقيق سلامٍ عادلٍ وشاملٍ، وإقامةِ أيِّ علاقات مع إسرائيلَ دون الالتزام الواضح بإقامة دولةٍ فلسطينيَّةٍ مستقلَّةٍ على حدود 1967م، ‏وعاصمتها القُدس الشرقيَّة. كما ثمَّنت المملكة إعلان الدُّول الشَّقيقة شجبها واستهجانها ورفضها القاطع ‏لما أعلنه نتنياهو بشأن تهجير الشَّعب الفلسطينيِّ.. وأنَّ جميع هذه التَّصريحات تستهدف صرف النَّظر عن الجرائم البشعة والمتتالية التي يرتكبها الاحتلالُ تجاه الأشقَّاء في فلسطينَ، ومصادرة حقِّه في العيش بكرامةٍ على أرضه ووطنه، حسب مواثيق الأُمم المتَّحدة.

وهذا كله يؤكِّد على استقلاليَّة القرار السعوديِّ، ومواقفه الثَّابتة والرَّاسخة تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة.حقيقةً، خطة التهجير القسري ليست جديدة على هذا المحتل المتغطرس، فنكبتا 1948م، و1967م.. ما هما إلا مؤشران لما يحدث الآن، وعبر السنين، وهناك مؤشرات سابقة في فترة رئاسة ترمب الأولى، على أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي قام ببلورة تلك الأفكار الجهنمية منذ 2020م؛ وفقاً لقواعد التطوير العقاري، ثم طويت الفكرة.. والآن يعود إليها لإعادة الاستيطان الكامل لغزة، وبخدعة الاستثمار؛ وليس تعيين ستيف ويتكوف مبعوثاً رئاسياً خاصاً إلا لهذه المهمة، وتعيينه مديراً تنفيذياً للمشروع!!.‏ولمكانة المملكة العالميَّة، وموقفها القويِّ، نرى ترمب يتراجع عن خطابه ويقول: «إنَّه ليس في عجلة من أمره لتنفيذ خطَّته للسيطرة على غزَّة وإعادة تطويرها».. ومؤخراً صرَّح بأنه «لن يفرض خطته بشأن قطاع غزة؛ ولكن سيُوصي بها».

حتماً بالإرادة السعودية القوية كدولة قائدة في المنطقة، وبدعم جميع العواصم العربية، ‏ومنها القاهرة والأردن، ورفضهم القاطع لهذا التصريح المستفز لكل الأعراف والقوانين الدولية، بل اعتبارها جريمة تطهير عرقي ‏ممنهجة وعلنية.. سيعملون -بإذن الله- في القمة العربية الطارئة في القاهرة، وبكل ما في وسعهم، من أجل إفشال هذه المخططات الاستعمارية، ومنع انتهاك سيادة دول المنطقة. بل ضرورة دعم المحاكم الدوليَّة ومطالبات قانونيَّة للولايات المتَّحدة وإسرائيل بدفع فاتورة الدَّمار الذي أحدثته آلاف الأطنان من ‏القنابل الأمريكيَّة، والتَّعويض عن الأضرار التي لحقت بأرض فلسطينَ جرَّاء قنابلهم؛ التي دمَّرت الحجرَ والشَّجرَ، ولكن بقي الإنسانُ شامخًا.

إنَّ عمل مشروع سياسيٍّ عربيٍّ قويٍّ -وكما قال الملك عبدالله بن الحسين في زيارته لأمريكا- إنَّه بالإمكان إعادة إعمار غزَّة، وبدون تهجير أهلها؛ ليكون المشروع نواةً لحلِّ الدَّولتين، وهو ما أعلنته السعودية مرارًا وتكرارًا، وأنَّه لنْ يكونَ سلامٌ وعلاقاتٌ دبلوماسيَّة دون قيام دولةٍ فلسطينيَّةٍ.. وصدق اللهُ القائلُ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)، وأعظم قوَّة هو وحدة الكلمة، ووحدة الصفِّ العربيِّ -بإذن الله-.

فاتن محمد حسين – جريدة المدينة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى