آراءأبرز العناوين

دولة أموية جديدة

تناولت فى أطروحتى للدكتوراة حول موضوع «الأقباط فى السياسة المصرية» ميلاد الدولة الإسلامية وبدايات العصر الأموى عندما تأسس ملك معاوية بن أبى سفيان، ثم إعطاء البيعة لابنه يزيد من بعده تأسيسًا لتوارث الملك فى التقاليد السياسية وميلاد نظم الحكم الملكية، تذكرت ذلك كله عندما رأيت الرئيس السورى الجديد أحمد الشرع يستهل ظهوره الجماهيرى بالوجود فى المسجد الأموى فى دمشق، وكأنما يذكر الجميع بأن السوريين أولى الناس بالإرث الأموى الذى بدأ مع الهجرات من الجزيرة العربية إلى الشام الكبير كبداية للدولة الإسلامية الكبرى، وكأنما أراد الشرع تأكيد سنية المذهب بالوجود فى أكبر مسجد على أرض الشام وليعزز المسحة الأموية حتى يستقر فى الوجدان أن ما يجرى يبدو وكأنه استدعاء لميلاد دولة أموية جديدة ترتكز على ما جرى فى واقعة التحكيم ووصول معاوية بن أبى سفيان إلى سدة الحكم مقترنًا بمقتل على بن أبى طالب وولديه،

فالشرع يبدو فى نظرى كمن يريد تذكير الجميع بأنه عاد مع رجاله وكوادره العسكرية إلى المنطلق الأصلى للحكم فى عاصمة الأمويين، وهو فى الوقت نفسه يدرك جيدًا أن علامات استفهام كثيرة قد أحاطت بوصوله هو وحركة تحرير الشام مدعومة بعدد من الفصائل المقاتلة إلى سدة الحكم فى سوريا، وضرورة مخاطبة المنطقة إسلاميًا وعربيًا، فتلك هى البوابة الأساسية لمن يريد أن يكون وريثًا للسياسة والحكم فى المنطقة، ومازلت أتذكر حوارى مع المفكر والمؤرخ العربى ابن مصر د.عبدالحى شعبان الذى بدأ حياته ضابطًا بالقوات المسلحة ثم أنهاها أستاذًا مرموقًا فى الجامعات الأوروبية والأمريكية وزميلاً فى جامعة هارفارد ومرجعًا قويًا فى شئون الخلافة الإسلامية، وكان من حسن حظى أن حضر ذلك الأستاذ الكبير مناقشة أطروحتى للدكتوراة فى جامعة لندن عام 1977 مع البروفيسور روجر أوين رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط فى جامعة هارفارد، وكم كنت سعيدًا بآراء المتخصصين الكبار فى شئون المنطقة وتاريخها العريق قبل أن تتعرض للهجمات الاستعمارية الشرسة وتستقبل التصريحات المنفلتة والآراء التى تقترب من صيغة التخريف السياسى والتجريف التاريخى التى وصلت إلى حد الحديث عن شراء غزة وكأنما نعود إلى عصور الاتجار فى البشر واستعباد الأحرار! إن الذين يتحدثون عما جرى وما يجرى للقضية الفلسطينية والاصطفاف العربى خلفها لا يدركون أنهم يلعبون بالنار ويطلقون تصريحات عبثية تدل على غيبة الوعى والقصور عن إدراك الحقائق مع ظهور بعض ملامح ضيق الأفق وعمق الكراهية وفقدان الثقة بين أطراف الصراع فى الشرق الأوسط وغيره من الأقاليم المقهورة والمغلوبة على أمرها، إن ما يجرى على الساحتين الدولية والإقليمية فى هذه المرحلة من تاريخ القضية الفلسطينية إنما هو بمثابة رد على الممارسات الاستفزازية والإنذارات العدوانية من إدارة ترامب الأمريكية،

والتى يقف وراءها سفاح الحرب نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، ونحن إذ نستدعى التاريخ الأموى ثم العباسى فنحن نستدعى الأصول الأولى للدولة العربية والإسلامية فى ظل حضارتها المزدهرة حينذاك، ومازلت أتذكر قصة كان يرويها الفقيه القانونى الراحل يحيى الجمل مستقاة من التراث الإسلامى، وهى أن أحد الخلفاء العباسيين خرج فى موكبه من بغداد يتجول فى الصحراء فأقبل الليل وأبرقت السماء، واشتد المطر فآوى الخليفة العباسى إلى إحدى الخيام الكبيرة فى طريقه ورحب به صاحبها دون أن يعرف من هو وذلك تأكيدًا للكرم العربى المعروف، وبعد عشاء الخليفة ورفاقه سأله المضيف وقد وقر فى أعماقه أنه يتحدث إلى شخصية كبيرة بسبب الموكب الثرى الذى جاء فيه الضيف، فسأله من أى العرب أنت؟ فرد عليه قائلاً من أبغض العرب إلى العرب، فقال له المضيف أمن عبد مناف أنت؟ قال نعم، من أبغض عبد مناف لعبد مناف، فسأله المضيف أمن بنى هاشم أنت؟ فرد بالإيجاب أنه من أبغض بنى هاشم لبنى هاشم، فانتفض المضيف واقفًا وقال فى ترحاب مرحبًا أمير المؤمنين. إذ أن الدولة الأموية هى التى أسس حكمها لبنى العباس أعمدة الدولة الإسلامية الأولى، والتى يبدو أن أحمد الشرع الرئيس السورى الجديد يسعى لاستنساخ تاريخها فى ظل ظروف معقدة للغاية وتداخلات إقليمية صعبة، لذلك فإننا نطالب باستدعاء التاريخ عند محاولة فهم الحاضر وفك رموز المستقبل، فالتحديات التى تتعرض لها المنطقة العربية حاليًا ليست جديدة علينا، بل إن التاريخ يؤكد أن الشرق الأوسط الذى يظل وعاء كبيرًا للعرب والعجم والفرس والكرد والترك وأصحاب الديانات السماوية الثلاث كان وسوف يظل سبيكة حضارية عاشت فيها المنطقة قرونًا، ومن المتعين أن تتعايش معها فى المستقبل بشرط انتهاء الظلم الواقع على الشعب الفلسطينى والضغوط التى تمارس على بعض الدول العربية ظلمًا وعدوانًا وبغيًا وقهرًا مما تواجهه الشعوب العربية والأمة الإسلامية بل والأحرار فى كل مكان!

د. مصطفى الفقي – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى