تهجير أهالي غزة.. رحلة فشل من بن غورين إلى ترامب

تنوعت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ترحيل أهالي غزة من غزة، والتي بدأها خلال مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ مرة بدعوى إعمارها، وثانية بأنه سيسلمها لدولة الاحتلال، وثالثة بأنه يعتبر غزة استثمارًا طويل الأجل، وبدأ يسوّق للمشروع، مع إيجاد بدائل لأهالي غزة في الأردن أو مصر أو المملكة العربية السعودية.
قصة تهجير أهالي غزة قصة قديمة تعود لعام 1948، عندما أعلن رئيس وزراء دولة الاحتلال في ذلك الوقت ديفيد بن غوريون (أن وجود الفلسطينيين في الضفة وغزة يُشكل تهديدًا لطابع الدولة الإسرائيلية)، وبعد هزيمة 1967 وسيطرة الاحتلال على غزة والضفة الغربية وسيناء ومرتفعات الجولان، شجعت السلطات الإسرائيلية على هجرة أهل غزة؛ وذلك بإجبار الغزاويين على ترك بطاقاتهم عند مغادرتهم إلى مصر، وأن عودتهم ستكون مشروطة بالحصول على تصريح من السلطات العسكرية (التي بدورها لم تمنحهم هذا التصريح)، وبسبب هذه السياسة تم إلغاء الاعتراف بـ 140 ألف فلسطيني، منهم 42 ألفًا من أهل غزة.
وفي عام 1968 ناقشت لجنة في الكونغرس الأمريكي مشروع تهجير 200 ألف فلسطيني إلى دول أجنبية، منها: ألمانيا والأرجنتين والبرازيل وكندا ونيوزيلندا، ولكن لم ينجح المشروع بسبب رفض الكثير من الدول التهجير القسري.
وفي عام 1970 حاول رئيس وزراء دولة الاحتلال إرييل شارون تفريغ قطاع غزة ونقل مئات الآلاف من أهله إلى سيناء، والتي كانت في ذلك الوقت تحت السيطرة اليهودية، إما جبراً وذلك بنقلهم أو تشجيعهم وتقديم تسهيلات للدراسة أو للعمل في مصر، ومنحهم قروضا وامتيازات، ولم يلقَ هذا المشروع تجاوبا أو تفاعلا مع أهل غزة.
وفي عام 2000 قدّم اللواء غيور إيلان، رئيس المجلس القومي الإسرائيلي، مشروعًا سمي (البدائل الإقليمية لفكرة دولتين وشعبين) يقوم على تنازل مصر عن 720 كيلو مترا مربعا من سيناء لصالح الدولة الفلسطينية، وتتنازل السلطة الفلسطينية عن الضفة وغزة، وتضمها لإسرائيل، ويتم تعويض مصر بتقديم المساحة نفسها المستقطعة من سيناء بأراضٍ في صحراء النقب مع دعم دولي واقتصادي، ولكن المشروع فشل بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وفي عام 2004 قدّم يوشع بن آرية، وهو رئيس الجامعة العبرية، مشروعه الذي سمي باسمه وهو مشروع غيور بن إيلان نفسه مع بعض التعديلات، ولكنه فشل بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، وبناء جدار عازل، بالإضافة لوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وحصار غزة.
وفي عام 2020، وبعد 26 عامًا، أطلق ترامب في ولايته الأولى مشروع (السلام على طريق الازدهار)، وهو نفس المشاريع السابقة القائمة على فكرة استقطاع جزء من سيناء لتهجير الفلسطينيين مع زيادة في الامتيازات، ومنها بناء ميناء بحري ومطار وخطوط سكة حديد ومحطة كهرباء وماء، مع تعهدات بعدم الاعتداء والاستيطان بهذه المنطقة.
واليوم يعاودون الكَرّة من جديد، وبالسيناريوهات القديمة نفسها يُقْدِم ترامب على فكرة ترحيل الفلسطينيين من جديد، سواء إلى مصر أو الأردن أو السعودية مع وعود بتحويل غزة إلى الريفيرا، ولكن الذي لا يفهمه ترامب -صاحب التخبطات السياسية والاقتصادية- أن غزة اليوم ليست كغزة أمس، فإن كانت بالأمس أوقفت مشاريع الترحيل بسبب انتفاضة الحجارة، فهي اليوم أقدر وأبلغ، وتستطيع أن توقفها بصواريخ وقاذفات وشواظ، وإن كان جيل أطفال الحجارة قادرًا وقتها على تعطيل مشاريع الترحيل، فإن أبطال القسام الذين صمدوا وصبروا وقاوموا وأجبروا الاحتلال على الجلوس على طاولة المفاوضات وتحقيق أهدافهم وإطلاق أسراهم أبلغ قدرة وقوة على وقف هذه المشاريع.
غزة أرض فلسطينية، والذي يتخذ القرار فيها هم أهلها.. وأهلها فقط (نقطة ومن أول السطر).
مرزوق فليج الحربي – الشرق القطرية