تحالف أمريكا وروسيا يحل قضية أوكرانيا بدون أوروبا!

آخر مفاجأة في التحالف الجديد نعت (ترامب) للرئيس الأوكراني (زيلنسكي) بالمعتوه وغير الكفء والمغرر به، مضيفا: « زيلنسكي يدعي كذبا أن الجيش الروسي غزا بلاده واحتل أجزاء منها وأنا أدعوه للاستقالة وإتاحة الفرصة للشعب الأوكراني ليختار حكامه بكل حرية بعد أن قرر وحده تأجيل موعد انتخابات رئاسية وتشريعية أوكرانية كانت مقررة لشهر مايو 2024!.
وهذا الحلف غير المتوقع بين (ترامب) و(بوتين) قلب موازين العلاقات الدولية التقليدية رأسا على عقب! ولم تعد أوروبا لاعبا مركزيا في السياسات الدولية وأفل نجم الإمبراطوريتين القديمتين فرنسا وبريطانيا اللتين وقعتا معاهدة (سايكس بيكو) عام 1916 واقتسمتا دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا وآسيا وفرضتا على مستعمراتهما أنظمة صليبية عنصرية كانت من نتائجها غرس كيان إسرائيل كالخنجر في قلب الشرق الأوسط.
تغير العالم مع عودة (ترامب) للبيت الأبيض وجزء من فوزه كان هدية من المخابرات الروسية كما كشفت عديد المصادر الإعلامية الأمريكية الموالية لمنافسه (جو بايدن).
* في هذه الأجواء العاصفة استضافت باريس الإثنين «دولا أوروبية رئيسية» لمناقشة ملفات «الأمن الأوروبي» وأوكرانيا. ودعت الرئاسة الفرنسية لهذا الاجتماع غير الرسمي رؤساء حكومات ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وهولندا والدنمارك، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي (أنطونيو كوستا) ورئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لاين) والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (مارك روته). وتأتي دعوة باريس لهذا الاجتماع الدولي تزامنا مع تباعد في وجهات النظر بين موقف الإدارة الأمريكية التي تهاجم الكتلة الأوروبية وعزم ترامب التفاوض مباشرة مع بوتين بشأن أوكرانيا.
وانتهى الاجتماع الطارئ الذي عقده قادة الدول الأوروبية الرئيسية في العاصمة الفرنسية باريس وسط انقسامات في الموقف الأوروبي بشأن إرسال قوات إلى أوكرانيا وفقا لوكالة فرانس برس، مع العلم أن القادة الأوروبيين اجتمعوا من أجل تشكيل جبهة موحدة بعدما أثار حوار الرئيس الأمريكي مع نظيره الروسي (بوتين) استياءهم شعورا منهم بأن غاية العملاقين هي تهميش دور الاتحاد الأوروبي والاستفراد بحل قضية أوكرانيا بدون أوروبا! فجاء اجتماع القادة الأوروبيين كمحاولة لفرض مصالحهم بسبب وجود أوكرانيا في أوروبا واعتبار مصيرها مرتبطا بمصير القارة العجوز. وإذا سكت الأوروبيون اليوم عن حقهم فإنهم سيتحولون الى «طراطير» ضعيفة لم يعد العالم يحترمهم!.
*وجدير أن نذكر اليوم بالحقائق الجغرافية والجيوستراتيجية لأوكرانيا فنقول إن رجلين خبيرين بشؤون العلاقات الدولية وهما (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكية الأسبق وعالم الألسنيات الشهير (ناحوم شومسكي) أكدا وهما في سن المائة أن «أوكرانيا قدرها أن تكون محايدة وغير منحازة بسبب موقعها الفريد بين روسيا وأوروبا وفي حالة حيادها ستكون عنصر سلام وأمن للطرفين وإلا فهي قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه العالم طال الزمان أم قصر!» وهو ما يحدث اليوم عام 2025 بسبب تهور ممثل كوميدي تحول الى رئيس دولة فأملى عليه قادة أوروبيون جهلة بالسياسة وبنواميس العلاقات الدولية نصائح مغشوشة جعلته «يتعملق» (كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد) كما قال شاعرنا العربي ابن هاني!!! واغتنم غلاة الاستعمار القديم فرنسا وبريطانيا وألمانيا هشاشة الممثل فنفخوا فيه «روحا من الوطنية « ليعلن الحرب ضد روسيا التي تملك أعظم ترسانة نووية في العالم!!! وبعد ثلاث سنوات من «الحرب» العبثية أصبح الشعب الأوكراني هو الضحية الكبرى لذلك الوضع وطبعا في الوضع الحالي اجتمع قادة أوروبا في باريس بدون تصور مشترك وبدون رؤية واضحة يرفعون شعارات «استقلال أوروبا عن الراعي الأمريكي» وهم أول من يدرك أن هذا الشعار أجوف وأن حاميهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بما يسمى المظلة النووية هو السيد الأمريكي (الكاوبوي) بتغطية نووية تقيهم مخاطر العدو القديم روسيا أو الصين!.
وفي قلب هذه التحولات اجتمعت الاثنين دول أوروبية رئيسية في باريس لمناقشة «الأمن الأوروبي» وملف أوكرانيا، في وقت تهاجم الإدارة الأمريكية الاتحاد الأوروبي وتعتزم التفاوض مباشرة مع روسيا لإنهاء الحرب.
وكان وزير الخارجية الفرنسي (جان نويل بارو) قد أعلن الأحد عبر إذاعة «فرانس إنتر» أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا إلى اجتماع الاثنين يضم «دولا أوروبية رئيسية» لمناقشة الأمن الأوروبي ولاحقا قال الإليزيه إن «رؤساء حكومات ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وهولندا والدنمارك، إضافة إلى رئيس المجلس الأوروبي (أنطونيو كوستا) ورئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لايين) والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (مارك روته) سيشاركون في هذا «الاجتماع غير الرسمي» بعد ظهر الاثنين وأضافت الرئاسة الفرنسية «قد يستمر عملهم بعد ذلك بأشكال أخرى بهدف جمع كل الشركاء المهتمين بإحلال السلام والأمن في أوروبا.
*يأتي الاجتماع في لحظة حساسة بالنسبة للعلاقات عبر الأطلسي وسط قلق أوروبي من مبادرات الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) الذي استأنف المحادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأعلن الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع أنه سيلتقي نظيره الروسي في السعودية لبدء مفاوضات بشأن أوكرانيا حيث تدخل الحرب عامها الرابع في 24 فبراير مع العلم أن وزيري خارجية الولايات المتحدة و روسيا اجتمعا في الرياض للتمهيد للقاء رئيسيهما مما أثار غضبا أوروبيا متوقعا ونعت (زيلنسكي) هذا الاجتماع بالمؤامرة الكبرى التي تستهدف استقلال أوكرانيا وسيادتها وحقها في مقاومة الغزو «الاستعماري» الروسي لبلاده. ونذكر أن هذه الأحداث أجلت ملف انضمام أوكرانيا الى كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مما يؤكد هشاشة أوروبا وانقسام دولها.
د. أحمد القديدي – الشرق القطرية