طاولة ترامب والبدوي وقطيع الابل

يحكى ان بدوياً اصطحب ابنه الصغير في رحلة صيد وسط الصحراء. فشاهد الطفل من بعيد قطيعاً ضخماً من الابل فصاح بلهجته البدوية ونزعته الفطرية للاستيلاء عليها: “ياباي مكثر البل!”. أي ما أكثر هذه الابل. فرد عليه والده بكلتمين بلهجته البدوية ايضاً: “دونها هلها”. أي ان بيننا وبين الاستيلاء عليها اهلها المالكين لها المدافعين عنها بما يملكون من قوة لصد اللصوص والغزاة.
صحيح الوطن العربي كبير وأن الرئيس ترامب صدق عندما قارن مساحته بمساحة الاراضي المحتلة، إلا أن بين هذا الوطن الكبير وبين الضواري المفترسة أهل واصحاب حق يذودون عنه.
أذكر أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق شامير (زعيم عصابة ليحي/ شتيرن الارهابية) تفوه بمثل هذه العبارة في مؤتمر مدريد عام 1991. إذ جاء في كلمته في المؤتمر بتاريخ 31/10/1991 ما يلي: “إننا نعد أربعة ملايين، وتعدّ الدول العربية من المحيط الأطلسي حتى الخليج 170 مليوناً. ونحن نسيطر على ثمانية وعشرين ألف كيلومتر مربع فقط، بينما يسيطر العرب على مناطق تبلغ 14 مليون كيلومتر مربع”. ويقصد هنا ان مساحة اسرائيل صغيرة مقارنة بمساحة الوطن العربي. إن هذا المنطق هو ذاته الذي يتبناه الرئيس ترامب. ارض العرب واسعة واسرائيل صغيرة ويجب توسيع مساحتها. وبدعم امريكي منذ ما قبل 1991 تمددت اسرائيل عن طريق بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتمددت أكثر بعد سقوط نظام الاسد في سوريا حتى أن وجودها العسكري بات على مسافة قريبة من العاصمة دمشق. مرة أخرى، أرض العرب للعرب، وقطاع غزة لأهل غزة من الفلسطينيين وليست متاحة للبيع او الاستحواذ سواء بالقوة او بالمال.
ننتظر ما سيتمخض عن لقاء جلالة الملك بالرئيس ترامب يوم غد الثلاثاء. قد يكرر ترامب رغبته بتهجير الغزيين (بداعي الشفقة عليهم كما يزعم) ليتمكن من الاستيلاء على غزة لتطويرها كمشروع عقاري. وقد يقول انه لا رغبة لدية باجبار الغزيين على الهجرة وانما اتاحة الفرصة لهم للخروج من غزة طواعية الى الدول التي يزعم ان لا مانع لديها من استيعابهم. الهجرة الطوعية هي ذاتها الشعار الزائف الذي يتبناه اليمين الاسرائيلي المتطرف الهادف للتهجير دون تحمل مسؤولية مخالفة المواثيق الدولية.
صحيح ان شعار التهجير الطوعي يوحي بإن اسرائيل وامريكا لن يمارسا التهجير القسري (Involuntary Transfer)، لكنه في حقيقته هو هجرة ناشئة عن افعال وممارسات تضيقية تدفع بمن ضاقت به الدنيا الى قبول الهجرة لا رغبة منه بذلك بل لفقدان مقومات الحياة نتيجة ممارسات عدائية. فهذا التهجير هو في حقيقته (Constructive Transfer). إن هذا النوع من التهجير الذي قد ينتج عن إخضاع الغزيين، عمداً، لظروف معيشية يراد بها دفعهم للقبول بالهجرة من وطنهم مخالف للمواثيق الدولية قولاً واحداً. ثم، ان أصر الرئيس الامريكي على تهجير الغزيين او اهل الضفة الغربية فيما بعد، ما مصير معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية (التي ابرمت برعاية أمريكية) التي تمنع اسرائيل من التحريك القسري للسكان ضمن مناطق نفوذها؟؟.
ختاماً، لن يتحقق السلام في الشرق الاوسط طالما ان اسرائيل، مدعومة من امريكا، ضالعة في الاعمال العدائية ضد الفلسطينيين. أن تهجير الغزيين من ارضهم سيفاقم المشكلة ويؤجج جذوة الصراع في المنطقة. لا يمكن تحقيق السلام إلا بالزام اسرائيل بوقف اعمالها العسكرية العدائية والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
د. إبراهيم العموش – وكالة عمون الإخبارية