تحقيقات وتقارير

مفتاح لثلاثة أبواب.. سر “الهوى السوري” تجاه السعودية

“أشعر بالهوى تجاه السعودية”.. هذه العبارة قالها رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، قبل شهر، ليعطي بذلك إشارات واضحة عن رؤيته للعلاقة بين دمشق والرياض.

ورغم أنه وضع شعور “الهوى” الذي كان يراوده في إطار السؤال المتعلق بنشأته في الرياض (وُلد فيها)، تشير سلسلة مواقف صدرت خلال الأيام الماضية إلى ما هو أبعد من ذلك.

من بين تلك المواقف، اختيار الشرع للسعودية كوجهة خارجية محتملة له في الأيام المقبلة، بالإضافة إلى حديث وزير خارجيته، أسعد الشيباني، عن أنهم “يستلهمون سوريا الجديدة من رؤية السعودية 2030”.

ويتداول إعلاميون سوريون معلومات تفيد بأن الشرع، الذي أعلنت إدارة العمليات العسكرية في سوريا تنصيبه رئيسًا مؤقتًا للبلاد، سيزور المملكة العربية السعودية قريبًا في أول زيارة خارجية له.

وحصل موقع “الحرة” على معلومات من مصدرين، أحدهما في دمشق والآخر في الرياض، تفيد بأن الزيارة من المقرر أن تكون يوم الأحد المقبل. وأشار المصدران إلى أن تأخيرها كان مرتبطًا بالحالة السياسية غير المحسومة قبل أن يُنصَّب الشرع رئيسًا انتقاليًا.

ولم يصدر أي بيان رسمي بشأن الزيارة، التي يسود الترقب بشأنها على المستويين السوري والسعودي. وكان الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان قد وجَّها تهنئة للشرع يوم الخميس، وتمنيا له “التوفيق والنجاح في قيادة بلده الشقيق نحو مستقبل مزدهر يحقق تطلعات الشعب السوري”، وفق نص البيان الذي نقلته وكالة الأنباء السعودية (واس).

قبل سقوط نظام الأسد، كانت السعودية قد أعادت علاقاتها مع دمشق بعد انقطاع دام سنوات، لكن هذا المسار الجديد لم يتعدَّ حينها إطار إبداء المواقف والتصريحات الإيجابية.

ورغم أن الرياض وجهت دعوتين لبشار الأسد في السابق لحضور اجتماعات القمة العربية على أراضيها، فإنها لم تنخرط كثيرًا، في المقابل، في مسارات دعم أكبر.

وكان الخط المتعلق بدمشق والرياض قبل سقوط الأسد قائمًا على التأكيد على ضرورة عودة اللاجئين، ودعم العملية السياسية، وإيقاف تهريب المخدرات.

وكان هذا الخط أيضًا مرتبطًا إلى حدٍّ كبير بمقاربة “خطوة مقابل خطوة”، التي لم يقدم نظام الأسد في إطارها أي شيء يُذكر.

سقط النظام وحلَّت المحطة التاريخية، وفُتحت الأبواب على مصراعيها، وتحولت معها أيضًا حالة التموضع من محور إلى آخر كان يلوح من بعيد، وفقًا لحديث خبراء ومراقبين.

ويعتقد المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية، سالم اليامي، أن “القيادة الجديدة في سوريا تدرك أن خروج البلاد من محور إيران وعودتها الطوعية والقوية إلى المحور العربي يمكن أن يوفر لها ثلاثة مستويات من الدعم السعودي”.

المستوى الأول هو الدعم السعودي المباشر لسوريا الجديدة على كل المستويات. ويرتبط الثاني بفكرة أن السعودية “قادرة على تأمين أفضل دعم إقليمي لسوريا الجديدة”.

ويقول اليامي لـ”الحرة”: “ومهما كان هناك تحفظ أو تردد إقليمي، فإن وقوف السعودية مع سوريا يجعلها تتجاوز كل ذلك”.

أما المستوى الثالث فيتجه نحو أن “السعودية قادرة على إيصال فكرة القيادة السورية الجديدة المعلنة إلى الأطراف الدولية، بما يضمن لسوريا دعمًا دوليًا، أوروبيًا وأميركيًا على وجه الخصوص”.

ويضيف اليامي: “توجُّه السعودية القوي نحو سوريا الجديدة مبنيٌّ على ثقة عالية بسلامة توجُّه السوريين”.

ويستبعد، في المقابل، أن يكون كل هذا الحراك والتأييد السعودي مجرد “تجربة واختبار”.

العلاقات التي تحاول الإدارة السورية الجديدة فتح أبوابها على مصراعيها لا تستهدف السعودية فقط، بل تشمل عدة دول أخرى، عربية وغربية، أبرزها تركيا وقطر.

لكن ما يميز التوجه السوري الخاص بالسعودية هو أنه يكتسب زخمًا في التصريحات والرؤى المستقبلية، سواء على صعيد السياسة أو الاقتصاد.

ويقول الباحث السوري في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، نوار شعبان، إن “السعودية تعتمد نهجًا براغماتيًا تجاه سوريا بعد تعيين أحمد الشرع رئيسًا”.

ويضيف لموقع “الحرة” أن الخطوات السعودية تعكس توجهًا نحو إعادة تفعيل العلاقات الثنائية وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي.

وتعكس تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، حول “تنسيق الجهود لدعم سوريا والسعي لرفع العقوبات عنها”، رغبة الرياض في لعب دور محوري في تخفيف العزلة الدولية المفروضة على دمشق.

ويرى شعبان أن “هذا التوجه ينسجم مع الجهود العربية المستمرة لإعادة دمج سوريا في المنظومة الإقليمية”. كما أن حديث الشرع عن “الرؤية التنموية الجريئة” للمملكة يفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة بين البلدين.

ومن المحتمل أن تستفيد سوريا من مبادرات مثل رؤية 2030، لا سيما في مجالات إعادة الإعمار والبنية التحتية، ما قد يعزز حضور المملكة في المشهد الاقتصادي السوري، وفقًا للباحث السوري.

وبسقوط نظام الأسد، يكون النفوذ الإيراني في سوريا قد انتهى إلى غير رجعة.

وطالما شكَّل نفوذ طهران في سوريا، وفي دول عربية أخرى، مصدر تهديد لدول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

ويوضح اليامي أن “أهم نقطة تنظر إليها السعودية في الحدث السوري هي أن سوريا خرجت من محور العداء للعرب”.

وتوجد نقاط أخرى، استعرضها المستشار السابق، كالآتي:

– سوريا الجديدة لم تعد تشكل تهديدًا أمنيًا أو استراتيجيًا لدول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج.
– أن يكون النظام السياسي الجديد قريبًا من السوريين أنفسهم، ويحقق لهم حياة كريمة، ويعيدهم إلى بلادهم التي كانت مزرعة للغرباء.

من جهتها، توضح الكاتبة السورية، عالية منصور، أن أهمية العلاقة السورية-السعودية تأتي من “الثقل العربي والإسلامي والدولي الذي تمثله السعودية”.

وتقول منصور لموقع “الحرة”: “السوريون لا يعولون على الدعم السعودي الاقتصادي وإعادة الإعمار، بل يعولون على دعمها للاستقرار في سوريا، من خلال شبكة الأمان التي يمكنها أن تؤمنها”.

هذه الشبكة ترتبط بدور السعودية وثقلها على الخريطة السياسية، بحسب الكاتبة السورية.

وتضيف: “سوريا الآمنة المستقرة هي مصلحة مشتركة سورية-سعودية، بعد عقود من الدور التخريبي الذي لعبه النظام الساقط، من تصدير الإرهاب إلى تصدير المخدرات والفتن”.

ولا يُعرف حتى الآن ما إذا كانت هناك جهود مشتركة ومتقاطعة على صعيد بناء العلاقة مع سوريا الجديدة.

يشمل ذلك قطر، التي زار أميرها العاصمة دمشق يوم الخميس، وتركيا، التي من المقرر أن يصل إليها الشرع بعد زيارته إلى السعودية، بحسب صحيفة “يني شفق”.

وتركيا لها نفوذ كبير في سوريا، سياسي وعسكري، وكذلك قطر التي دعمت المعارضة السورية ومطالب السوريين بعد اندلاع الثورة.

ويقول اليامي: “في السعودية، هناك قناعة لدى صناع السياسة بأن استقرار المحيط العربي يصب في مصلحة الجميع”.

ويضيف أن التحرك السعودي بالعموم “يعكس سياسة إقليمية تهدف إلى احتواء سوريا وإعادة تشكيل علاقاتها الخارجية، بما يخدم المصالح العربية ويقلل من اعتماد دمشق على الحلفاء التقليديين مثل إيران وروسيا”.

ويرى آل عاتي أن “السعودية قريبة جدا من تطورات الأحداث في سوريا”.

ويوضح أن “دبلوماسيتها تواصل العمل بجد لصالح الحصول على اعترافات عربية وغربية والمزيد من رفع العقوبات المفروضة على سوريا”.

وقد يكون لدبلوماسيتها دور أيضا في الدفع مع الدول الغربية والأميركية للضغط باتجاه تسليم السلاح من جانب بقية الفصائل السورية، وأن تكون البلاد “حاضرة بالفعل لكل السوريين”، بحسب المحلل السياسي آل عاتي.

ضياء عودة – الحرة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى