الحرب النبيلة
منذ عقود طويلة وأخبار الحروب والصراعات السياسية تحتل صحف العالم، وبشكل مستمر، وإن عدنا لأرشيف الصحف في كل الدول، وبلا استثناء، فحديث الحرب تحديداً يتضاعف فيها عبر النشر المتراكم، وبفاعلية أزلية، ولعلها سرمدية، قبل اختراع الصحف في العالم وقبل الورق، يقرأ الناس الحروب ويسمعونها، ويتم تحليلها بشكل تفصيلي بمصادر غامضة، وبتأثير الضد ومع، لتبدو فكرة الحرب النبيلة حجة دعائية وسط صراع صعب للإنسان البسيط وهو يتلقى تبادل إطلاق النار عليه من كل جهة.
هي مقدمة لا أريد بها خطابة، ومع ذلك تبقى أجمل الحروب التي استثمرت ذخائرها بمحاورها، التي تسترد الأنفاس في هجومها المبكر، وعلى مواقع آمنة، وبعمق الأسئلة، ومكر الأجوبة، هي حروب الأدب، وبالطبع في خيمة اللغة، خاضها الشعراء والروائيون في ساحات الأدب على صفحات الطين والكتب منذ العصور القديمة إلى اليوم، أدباء يدخلون بأقلامهم حروباً وصراعات، كالإلياذة وأوديسا لهوميروس، والحرب والسلام لتولستوي، وأرض البرتقال الحزين لغسان كنفاني، وحرب نهاية العالم لماريو فارغاس يوسا.. والكثير، جُل أهدافهم تبيان هذه الحماقة الكبرى، وهم يصورون الحرب وحشاً مدمراً، خلقه البشر لأنفسهم، ويسردون الحرب بأحداثها، ليعكسوا لنا القضية المدسوسة، مع استشراف هذا المعنى العاري من أي منطق، بل الاقتصاد أول أسبابها، وليس التعصب الديني والطائفي والقبلي سوى حجة تاريخية معلقة في الوجود والكون لاستقطاب حدس يكبر بورطة في المنفى والفقر.
لا يوجد دليل على أن هناك حرباً أفضل من أخرى، وعليه لا سبيل للإنسان سوى أن يتعلم كل فرد في الحياة كيف يتسامح مع أفراد الشعوب الأخرى، ويتعلم كيف يتقبل الآخرين وهم يقولون أشياء لا يحبها؟ وكيف يتحاور بشكل بناء؟ فمن يتأمل كتب الحروب الأدبية يجدها تعمل طويلاً على تضمين الصراع القاتل، وأسبابه الجذرية، برؤية ونبوءة صافية، وأعتقد لو أن تأثير أدب الحروب في التعليم والإعلام والمناهج على الأجيال السابقة كان عميقاً لوجدنا اليوم أجيالاً، ومن جميع الثقافات، تناقش السلام بدلاً من التعصب والحقد، وهي من مخلفات الحروب وتراكماتها، مهما كانت فكرة الحرب نبيلة، هي حجة دعائية مستمرة.
وليتنا نعود لأدبنا العربي، في بيتِ شعر خالد، قاله عنترة بن شداد يوماً حين اختصر معنى الحرب النبيلة:
الحرب أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
ريم الكمالي – صحيفة البيان