سِلال الورد
وحدها، يمكنها أن تصنع يومك، حين يرسم أحدهم بفرشاتها فوق سماء خيالك قلباً نابضاً بلون الحب، حين يخبرك بكلماتها أنك بهجة هذا الكون وسر سعادته ومصدر إلهامه الأبدي.
وحدها، تستطيع أن تُخرج أحلى ما فيك وتضعه على حافة سلال الورد بطاقة أمنيات وود، وتنسج من الحروف دفئاً ومعطفاً في وسط البرد.
وحدها، تشي بمكنون النفس حين تهرب منك فتتلعثم في قول «أحبك»، أو تكشف بزلاتها عما تحوي الصدور من ضغينة وحقد.
ترى بعباراتها ما وراءها، فتعرف يقيناً من يَصدقك ويخلص لك ومن ينافقك ويخدعك، وتحمل في مكنونها كل الأشياء وضدها، وتترك لك انتقاء ما يعكس أخلاقك واحترامك لذاتك ولمن حولك واختيار ما يُقال في الهزل والجد.
تحتوي بعذبها، الانفعال والإحباط، وتخفف بها الألم وتجفف الدموع، وتعيد ببهائها إشراقة الوجوه والضحكات التي تنير الوجه وتبدد عتمة الأيام
تتعلم في حضرتها أدب الحوار والاختلاف حين تمنحك القدرة على الكلام اللين وقت احتدام النقاش، وتسمو بك فوق الغضب الأعمى الذي يفسد الود.
يتبارى على ملك زمامها الأدباء، ويطارد قوافيها الشعراء، وينهل كلاهما من معينها فلا ينضب، وتفنى أعمارهم عطشى لم يبلغوا منها مبلغاً، ولم يملكوا من سلطانها إلا القليل.
تتباهى ويحق لها ذلك ويليق بها الفخر، فهي دون غيرها اختارها المولى عز وجل لكلامه ولكتابه الكريم: «قرآناً عربياً غير ذي عوج»، لسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحرف ولا لبس.
تحفظ بسلاستها الوقائع والأحداث وأيام العرب وتواريخ مجدهم ونوازلهم، وتذكر بواسع ذاكرتها مهد الحضارات وعمرها وسنوات مجدها وانحدارها، وتضع عنواناً كبيراً على صفحاتها: لا يدوم ويبقى في الأرض إلا ما ينفع الخلق.
العربية ليست فقط لغة لسان ومفردات كلام، بل هي قلب ينبض، وإحساس مرهف، وسلال ورد يفوح منها العطر، وحبات لؤلؤ تنتظم لمن يتقنها ويتذوق جمالها.
العربية التي نحتفي بيومها، ويُكرّم أبطالها هنا في الإمارات وفي كل بقعة من بقاع الدنيا، عالم من السحر والخيال الرائع، نظلم أبناءنا كثيراً إن حرمناهم تعلمها، وتهاونا في إتقانهم لها، وهي صادقة كل الصدق في بيت حافظ إبراهيم الشهير حين وصفها: «أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي».
أمل المنشاوي – صحيفة الامارات اليوم