Site icon كوش نيوز

فن الحياة البطيئة!

لعله من لطائف النعم، أن يستدرك الإنسان نفسه، ويقف لحظة مراجعة مع ذاته، يعي فيها أن سعيه اللاهث في الحياة هو أكثر مما ينبغي!

وأن لحظات عمره – في الحقيقة- تنساب دون وعيه من بين يديه، وكأنه يهدر العمر في الالتفاف نحو نفسه في ساقية لا تقف إلا بتوقف أنفاسه !

وأن الكدّ الدائم الذي يُفني الإنسان فيه نفسه في الركض نحو وهم الأفضل، والأجمل هو عناء لن ينال منه سوى عض أصابع الندم !

ذلك الإدراك هو لون من ألوان الصحوة، وصنف من أصناف الإدراك الذي يجبر المرء على التوّقف برهة في خضم هذا السباق الوهمي، وللتفكّر لحظة بوعيٍ حاضر، وذهنٍ متوّقد، بأن تلك اللحظات هي رصيد عمرك المتناقص، كما قيل:( يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك، ذهب بعضك)، وأن قضاء تلك الأيام وأنت على وضع (القيادة الآليّة) محض تبلّد للشعور، ووهمٌ للعقل، و فواتٌ للنفس، وتبديد للعمل !

وما أن يُدرك المرء حقاً مدى سرعته، و ضياع لحظته، وتبدد فكره، حتى يعلم فعلاً حجم خسارته التي لا تُعوّض بثمن !

فهو مغيّب الروح وإن كان حاضر البدن، ومتبلد الشعور وإن جارى من حوله، و هو غافل عن نفسه، تائه عن قلبه، يعيش على قيد الحياة دون أن يحيا!

يؤدي كل واجباته على عجل، فهو يجاري الزمن ليلحق عمله، ويزدرد لقمته دون حتى أن يتذكر ماذا تناول في وجبته، يتكلم و يمشي و يتفاعل بسرعة وكأن هناك من يطارده !

وما تلك الحال إلا نتاج لهاثٍ لا ينقطع، قد آن الأوان لأخذ الاستراحة منه برهة، فالحياة أجمل من أن تعيشها برتمٍ متسارع يفقدك لذة التمتّع بها، فلا أحكم من أن تتخذ قرارك بالابطاء، والتخفّف من ضغوط حسابات الوقت، والسماح لنفسك بالوعي التام بلحظتك، وبكل ما يدور فيها من المشاعر والأفكار، و الانغماس برهة في كل ما تفعله ببطء يضبط إيقاع الجهد حتى لا يتحوّل المجهود إلى إجهاد، ويزن ميزان العمل فلا يكون لديك اندفاع ناتج عن الإغراق في الخوف والقلق، ويعتدل ميزان الفكر فلا يتشتت بين ماضٍ محزن، أو مستقبل مُقلق.

العيش بوتيرة الإبطاء قرار لا يتخذّه سوى الجَسور، لأنه يتطلب الوعي بالنيّة قبل العمل، ويحصر الفكر في الحاضر بدل التيه في مدارات الزمن، ويُرشّد الفعل لأنك ستدرك أنك لن تبذل سوى ما في طاقتك وتكل الأمر لصاحبه.

وهذا كله، مما يُعظم الإيمان، ويُصلح العمل، ويضاعف النتائج، ويعين على الشكر قولاً وفعلاً، ويزيد متعتك فيما وهب لك من لحظات العمر، و تتخفف معه من أحمال ليس لك بها من سبيل !

لحظة إدراك:

ليس من النجاعة في شيء أن يكون المرء في سباقٍ دائمٍ مع الزمن، وفي تحدٍّ مستمر مع مهامه وأدواره في الحياة، وليس برهان النجاح أن يكون المرء منشغلاً طوال وقته، غارقاً في مسؤولياته التي لا تنتهي يُداحض بها الزمن، حتى يتحوّل إلى آلة فقدت الحس والشعور، وأثُقلت بالمهام والواجبات، دون فسحة تُعيد للمرء الشعور بحياته كإنسانٍ في المقام الأول !

خولة البوعينين – الشرق القطرية

Exit mobile version