آراءأبرز العناوين

المشهد.. ما بعد رحيل حسن نصر الله

رحيل الشخصيات الفاعلة في الأحداث ينعكس بشكل تلقائي ومباشر على الأرض والمشهد الذي كانت تتحرك فيه، ورحيل أمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي ارتبط اسمه ليس بالحدث اللبناني ومن ثم الفلسطيني فالسوري وحتى اليمني والعراقي، سيُلقي بظلاله على كل هذه الساحات كل بحسب تأثيره ونفوذه ما قبل الرحيل، فنصر الله كان القاعدة العسكرية المتقدمة للنفوذ الإيراني على مدى عقود، وقد تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى في التحرك الإيراني لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من الثورة الشعبية التي واجهها ولا يزال، ولكن نصر الله لم يلقَ شيئاً من هذا الدعم يوم اغتالته إسرائيل في معقله بالضاحية الجنوبية في بيروت.

اللافت أن رحيل نصر الله كان متزامناً مع استهدافات لمعظم قيادات الصف الأول العسكرية، والمثير في الأمر هو حجم الاختراقات التي استهدفت القيادات بحيث يتم قتل المسؤول العسكري إبراهيم العقيل، فيعقبه الكركي، ثم يقتل سرور وهكذا، مما يشير إلى عمق الاختراقات الصهيونية، سيما وقد أتى ذلك بعد تفجيرات البيجر والوكي توكي، بحيث استهدفت الآلاف من قادة حزب الله الميدانيين في لبنان وسوريا.

ملامح مبدئية للمشهد في مرحلة ما بعد نصر الله، على الرغم من صعوبة التنبؤ كون الأحداث متلاحقة، ولا تزال في حالة سيولة لم تتشكل ولو في حدها الأدنى، ولكن تبين على مدى 11 شهراً عجز أو عدم رغبة القيادة الأمريكية في التوصل لهدنة أو اتفاق يقضي بوقف المذبحة في غزة، ثم امتداد الصلف الإسرائيلي إلى الجنوب اللبناني، وهو ما يشي بأن مرحلة جديدة للمنطقة ليست رغبة إسرائيلية فحسب، وإنما رغبة أمريكية حتى، ولذلك وجدنا الصمت الإيراني إزاء استهداف نصر الله، بحيث لجأ مرشد الثورة الإيراني إلى حكاية نقله إلى مكان آمن، ملتزماً الصمت تقريباً إزاء مقتل أكبر حلفائه العسكريين في المنطقة، وصاحب ذلك صمت من حزب الله وهو المعروف بعملياته الخارجية، مما سيلقي ذلك كله بتداعيات نفسية خطيرة وبعيدة المدى على الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة من سوريا والعراق إلى لبنان وأفغانستان وباكستان وغيرهم.

الكثير من المراقبين والمحللين العسكريين ومن بينهم كتاب وخبراء مرموقون في صحيفة الفايننشال تايمز تحدثوا أخيراً أن بداية الاختراق الذي تعرّض له الحزب بدأ منذ دخوله إلى سوريا، بحيث تم انكشاف الحزب، وبالتالي بدأت عملية اختراقه أمريكياً وصهيونياً من هناك، وهنا أتذكر جملة رائعة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى اندياح قوى الفتح الإسلامي بسرعة في مناطق العراق وما بعد العراق فدعا إلى سياسة ( الزحف البطيء) مستشرفاً بذلك مخاطر الزحف السريع وتداعياته على العسكرتاريا الإسلامية وحتى على الجوانب الدينية والفكرية التي ربما لن تكون بنفس القوة والفاعلية والتأثير حين يكون التحرك بطيئاً، والاقتناع تدريجياً بحيث يأخذ مداه الطبيعي.

جغرافيا الاستهداف الصهيوني والذي شمل كل الرقع الموجودة عليها الأذرع الإيرانية يشي بأن المخطط كبير، وأن المشهد الذي كان قبيل استهداف نصر الله لم يعد مسموحاً به بعده، ونحن نعيش الأيام الأولى للذكرى السنوية التاسعة للتدخل الروسي لسوريا المصادف يوم الثلاثين من اكتوبر 2015، نستذكر معه تصريحات نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي وشهادته أمام الكونغرس الأمريكي عن موافقتهم للتدخل الروسي في سوريا، وهو الأمر الذي يذكر بالموافقة الأمريكية ـ الإسرائيلية على تدخل حافظ الأسد في لبنان عام 1976، ورسم الخطوط له التي ينبغي ألاّ يتجاوزها، فمثل هذه التدخلات الإقليمية لا يمكن أن تحصل دون موافقات إقليمية ودولية، ولكن كل تدخل له ميقاته وجغرافيته وأدواته.

من الواضح أن الساحة السورية ستكون أكثر الساحات تأثراً بالمشهد اللبناني، إن كان من حيث الضربات العسكرية التي استهدفت وتستهدف مراكز وتحشدات حزب الله، أو من حيث انسحاب قوات حزب الله في حال بدأ الهجوم البري الصهيوني على الجنوب اللبناني، وهو الأمر الذي سيدفع بمقاتلي الحزب إلى التوجه للجنوب اللبناني، الأمر الذي سيخلّ بالميزان العسكري للنظام السوري، والذي سعى جاهداً للنأي بنفسه عن كل ما حدث ويحدث في لبنان، إن كان بالنعي المتأخر الضعيف الذي أصدره بمقتل حسن نصر الله، أو ما تردد عن نزع صوره على بعض الحواجز، وذلك ليعطي رسائل عن ابتعاده وافتراقه عن ذلك المحور.

لكن الإشكالية الأساسية للنظام السوري التي يدركها ويعيها تماماً أن بقاءه على رأس الحكم طوال الثلاثة عشر عاماً الماضية ما كان له أن يحصل دون الدعم الإيراني وأذرعه العسكرية، وعلى رأس هذه الأذرع حزب الله والذي كان بمثابة المتعهد الإيراني الأساسي ليس في الساحة السورية فقط وإنما حتى في ساحات أخرى، خصوصاً بعد رحيل قاسم سليماني، إذ إن خليفته لم يقدر أن يحل محله بنفس القوة والفاعلية، فكان لحضور حسن نصر الله القوة الأبرز على الساحة السورية.

د. أحمد موفق زيدان – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى