بين الخبر والإشاعة
في اليوم الواحد يتلقى المرء قدراً لا يحصى من «الأخبار» قد تعنيه أو لا تعنيه، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي، بالذات، جعلت تلقيها إجبارياً، فهل فكّرنا مليّاً في حقيقة أنه ليس كل ما يصلنا ونعدّه أخباراً، هو أخبار، وأن الكثير منها لا يعدو كونه إشاعات مصطنعة لأغراض شتى، الكثير منها مغرض وتُوجهه أهداف ومرامٍ.
الإشاعة ليست جديدة، بل لعلها قرينة الخبر منذ أن أصبح في العالم أمر اسمه خبر، ولكنها اليوم امتلكت منابر وصول إلى المتلقين لم تكن تملكها، نعني بها خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصلنا، عبر هذه الوسائط، أخبار مثيرة، بعضها مرعب وبعضها يتوخى بث فرح من أرسله، أو شماتته في شخص أو جهة ما، والنصيحة الدائمة إلى الشغوفين بإعادة تعميم كل ما يصلهم من «أخبار»، هي التحقق من مدى صحتها، على الأقل بملاحظة ما إذا كانت الفضائيات التي يثقون بصدقيتها وحياديتها بثتها، رغم أنه لا حياد مطلقاً في عالم اليوم، بل وعالم الأمس أيضاً، ولكن بعض وسائل الإعلام تراعي ما يوصف ب «المهنية» في الأداء إلى حدود.
سرعان ما نكتشف أن الكثير مما حسبناها أخباراً ليست سوى إشاعات، وفي الفرق بين الخبر والإشاعة وقف مؤلف كتاب «الرأي العام والإشاعة»، عبد المنعم سامي، ملاحظاً أن الإشاعة هي في الأساس تحريف للخبر الأصلي، وعادة لا يحرف الخبر في اتجاه التهدئة، بل في اتجاه التصعيد، وعليه، فإنه كلما انتشرت الإشاعة يتقلص الخبر ويصبح وجيزاً وتطغى المادة المحرفة التي أضيفت عليه من أجل تحويله إلى إشاعة.يشير المؤلف إلى تجارب بيّنت أن من بين 100 تفصيل يحملها الخبر، تتولى الإشاعة تقليصها إلى 67 تفصيلاً في المرحلة الأولى من تداولها، ثم إلى 54 في المرحلة الثانية، لتصبح 30 في المرحلة الرابعة، ما يعني فقدان الخبر 70% من محتواه الأصلي.
سبب هذا التناقص المتتالي في أصل الخبر بين المراحل المختلفة عائد، حسب باحث استشهد به المؤلف، اسمه كوستاف نيكولاس، إلى أنه بمقدار ما تنتشر الإشاعة، يصبح مضمونها مقلصاً ومختصراً وسهل الفهم والرؤى، فمن أصل 11 تجربة أجريت في المختبر لوحظ أن 70% من التفاصيل حُذفت عندما تنتقل الإشاعة من طرف خمسة أو ستة اشخاص، لأن كل واحد من هؤلاء يختار التفاصيل التي تروقه وهو يعمم الإشاعة، محوّرة، إلى سواه.
جدير أن نسأل ما الذي يشكل وعي الرأي العام في عالم اليوم، أهي الأخبار الموثوقة، التي لم ترش عليها بهارات الإثارة، أم تلك الإشاعات المستخرجة من الخبر الأصلي، بعد تحويره وإضافة ما يلزم ليكفّ عن أن يكون خبراً ويتحوّل إلى إشاعة مغرضة؟
حسن مدن – صحيفة الخليج